أسعار العقارات .. «فوضى يصنعها السماسرة»!

العقارات
العقارات

* ارتفاع غير مبرر في قيمة الوحدات السكنية.. والمواطن الضحية 
* مواطنون: «شقا العمر» لم يعد يكفى للحصول على شقة 

ارتفاع جنونى اصاب السوق العقارى عقب ارتفاع سعر الدولار وتحرير سعر الصرف، فقد قدرت الزيادة فى سوق العقارات خلال الفترة القريبة الماضية بنسبة 180% فى الوقت ذاته يتوقع الخبراء والمتخصصون استمرار هذه الزيادة، وهو ما يؤدى إلى زيادة فى معدلات التضخم، فبالرغم من ارتفاع اسعار كافة المدخلات المرتبطة بالقطاع العقارى إلا ان اشتعال سوق العقارات مازال لغزا غامضا يحتاج إلى تفسير، فزيادة سعر الوحدات السكنية لا يتناسب مطلقا مع معدلات الزيادة فى اسعار الخامات، بل ان بعض عقارات المدن الجديدة وصلت بها الزيادة فى السنوات الثلاث الماضية إلي300% تقريبا مثل القاهرة الجديدة، والشيخ زايد و6 أكتوبر، وسط غياب شبه تام للدور الرقابى لضبط أسعار السوق، وحول الاستثمار العقارى إلى مهنة من لا مهنة له، وملاذ لكافة المستغلين، والضحية دائما هو المواطن.. «الأخبار» تلقى الضوء على الارتفاع الجنونى لأسعار العقارات واسباب هذا الارتفاع، خاصة فى ظل تفاوت التكلفة منذ وضع الأساس وحتى وصوله إلى سماسرة التسويق لمعرفة الفارق بين التكلفة وسعر البيع وتناقش مع الخبراء الأسباب الرئيسية لارتفاع الأسعار وكيفية التعامل مع الأزمة والحلول الممكنة لها.
بداية الجولة كانت من القاهرة الجديدة حيث انها المدينة الأكثر ارتفاعا لأسعار العقارات ، كما انها صاحبة النصيب الأكبر من شكاوى المواطنين ايضا إثر هذه الزيادة المبالغ فيها حيث تقول مريم منصور من سكان التجمع الخامس « ان اسعار العقارات بالتجمع اصابها ارتفاع جنونى، فلا ننكر ان ارتفاع الأسعار نال من كل السلع المحيطة بنا اساسية كانت او رفاهية، بينما العقارات تحديدا زادت زيادة غير محتملة وغير مبررة، فقد انتقلنا انا وزوجى واولادى للتجمع الخامس منذ سبع سنوات كانت حينها اسعارالعقارات فى التجمع مقبولة إلى حد كبير، سواء كانت اراضى او عقارات منشأة، وحتى بعد مرور سنوات كانت الأسعار ترتفع بنسب مقبولة وفقا لارتفاع مواد البناء وخامات التجهيز، ولكن شهدت السنوات الثلاث الماضية ارتفاعات غير مسبوقة فى اسعار العقارات، حيث زادت بعدها الأسعار إلى ثلاثة اضعاف تقريبا، فسعر الشقة التى كانت تبلغ مساحتها 90 مترا، والتى كنا نشتريها لزواج ابنائنا، لم يكن يتجاوز 350 الف جنيه بينما كسر سعر معظم تلك الوحدات فى العديد من المدن الجديدة حاجز المليون جنيه، وحتى «شقا العمر» لم يعد يكفى للحصول على شقة !!
أزمة العقارات  
ومن جانبه يقول محمود أنور محاسب: ازمة العقارات فى مصر تتلخص فى ارتباط جودة السكن بارتفاع المستوى المعيشى لراغب الحصول عليه، وهذا منطق غير صحيح فأنا لا اسعى لامتلاك قصر او فيلا او حتى شقق متعددة المستويات، بينما ابحث عن شقة بمساحة معقولة قد لا تزيد على مائة متر فى منطقة هادئة وقريبة من عملى، وهذه الشروط لا تعنى اننى ذو حالة اقتصادية عالية للدرجة التى تمكنى من شراء شقة غرفتين وصالة يتخطى سعرها المليون جنيه، وليس من حقى الاعتراض على السعر لأننى من اخترت بإرادتى هذا المكان، فحتى إن كانت هناك طفرة موازية فى مرتبى، فسوف يكون حينها الأمر مقبولا، اما بهذا الحال فلا اجد اى حلول تناسبنى، وخاصة اننى لم استطع امتلاك اى من العقارات المطروحة من قبل الدولة لعدم انطباق الشروط المطروحة عليّ.
أما المهندس ممدوح فكرى مدير إحدى شركات التطوير العقارى بالمنطقة «فيرى» ان السبب فى زيادة الاسعار ليس سعر تكلفة البناء فقط ولكن عدم توفير فرص استثمارية مناسبة من حيث تخفيض اسعار الأراضى وهو مايجعل شركات التطوير العقارى تضطر لرفع اسعار الوحدات لتعويض سعر الأرض، حيث زادت اسعار الاراضى المطروحة بنسبة 180%  منذ عام 2014 تحديدا، وأصبح سعر الاراضى مرتبطا باجراء مزادات، موضحا انه ليس من المنطقى ان يتم بيع اراض بالصحراء بأسعار مبالغ فيها ومنتظر ان يخرج منتج عقارى بسعر مقبول، خاصة ان دخل المواطن لم يواكب زيادة الأرض ولا المبانى، وبناء عليه فالفجوة تزداد يوما بعد يوم.
السمسار خسران !
ويرى عماد منعم احد السماسرة بمنطقة التجمع الثالث ان الزيادة التى شهدتها العقارات خلال السنوات الماضية منذ 2009 قد تماثل ارتفاع العامين الماضيين فقط، فمنذ العام قبل الأخير ارتفعت اسعار العقارات فى منطقة التجمع بأكملها الأول والثالث والخامس يتجاوز الضعف تقريبا، ويضيف ان منطقة التجمع الخامس هى الأغلى بينهم، وبالرغم من ان منطقة  التجمع الأول والثالث كانت اسعار العقارات بهما معقولة وتحتوى المنطقتان على اكثر من مساحة لإسكان الشباب إلا انها انضمت ايضا لقائمة المناطق التى توحشت بها الأسعار خلال العامين السابقين وخاصة فى التجمع الخامس مثل منطقة الشويفات والنرجس والياسمين وغيرها التى وصل فيها سعر عقار يتراوح مابين 90 إلى 100 متر نحو مليون جنيه، اما المنازل التى تتضمن اكثر من مستوى او تشمل حدائق فيتراوح سعرها بين 10 و15 مليون جنيه حسب المساحة المطروحة   ، مضيفا ان هذا الارتفاع اثر على السماسرة بالسلب لأن المشترى كان سابقا يكرم السمسار وربما يعطيه فوق ما يطلبه نظرا لأن الأسعار معقولة، اما الآن فأصبح من الصعب ان يخرج السمسار من البيعه حتى بالحق المقرر له وهو 2% من الثمن المقرر.
 موجة غلاء فى اكتوبر   
 وانتقالا لمدينة السادس من اكتوبر فلم يختلف الوضع كثيرا عن القاهرة الجديدة، فبالرغم من وجود العديد من مناطق إسكان الشباب فى المدينة، إلا ان العجز مازال موجودا مما يجعل الكثيرين يبحثون عن عقارات بديلة خارج خطة الإسكان، ربما لعدم انطباق الشروط عليهم، او لعدم توافر الشروط المطلوبة فى عقارات الإسكان فبداية من « حدائق اكتوبر « تقول منى فاروق احد سكان المنطقة « المكسب فى تجارة العقارات الآن اعتقد انه تخطى مكاسب تجارة المخدرات، فبعد موجة غلاء الأسعار التى اطاحت بنا فى كل الجوانب الاقتصادية، لم يكن غريبا ان تصل العقارات إلى هذا الحد من الارتفاع، ولكن المشكلة ان الارتفاع لم يصبح مبنى على اى اسس صحيحة، بمعنى ان هناك بعض المناطق التى تؤهلها مميزاتها السكنية ان يرتفع سعرها بهذا الشكل، بينما بعض المناطق الأخرى ليس هناك اى مبرر لارتفاعها لأنها فى مناطق نائية جدا ليس بها اى خدمات او مرافق، بلإضافة إلى ان مساحتها ضئيلة جدا وهذه المناطق مثل مشروع إبنى بيتك الذى هجره اصحابه بسبب بعده وعدم توافر اى خدمات به وكذلك سيطرة جماعات العرب عليه بشكل مخيف جدا ومع كل هذا فإن عقارات ابنى بيتك ارتفعت إلى الضعف تقريبا، وكذلك منطقة حدائق اكتوبر، التى يعتبر اغلبها مازال تحت الإنشاء ولم تكتمل مرافقها بعد، فأصبحت اسعارها اكثر من الضعف وربما الضعفين فى بعض المناطق.
أين الرقابة؟
وتقول رباب منصور موظفة ان السبب الرئيسى الذى نلمسه جميعا فى سوق العقارات هو أنه ليس عليه اى رقيب، وبالتالى فقد اتحد الملاك مع شركات المقاولات مع السماسرة على المواطن، واستغل جميعهم موجة الغلاء كحجة للمبالغة فى رفع اسعار العقارات ، ولكن لابد ان يكون هناك اى جهة رقابية لضبط اسعار السوق كى لا يتصرف الجميع كما يحلو لهم بهذا الشأن.
  اما المهندس صلاح محمد رئيس مجلس إدارة احد الشركات التطوير العقارى فيرى ان هناك مغالاة كبيرة من قبل الملاك فى بيع العقارات فبعد حسبة معقدة لسعر الأرض فى احد المناطق المعروف سعرها مثلا، وحسبة اسعار الخامات وتكلفة البناء وصولا إلى مرحلة النصف تشطيب التى تباع فيها الشقة، وتقسيم سعر الأرض على عدد الأدوار ومن ثم عدد الشقق سوف يكون الناتج نصف السعر الذى تطرح به الشقة تقريبا وهذا قياسا على اسعار العام، وليس ماتم إنشاؤه من قبل ويباع بسعر اليوم، ويضيف « لا ننكر ارتفاع سعر السوق وارتفاع اسعار الخامات المستخدمة وكل المبررات المطروحة لارتفاع الأسعار، ولكننا لا ننكر ايضا إستغلال كل هذا للمغالاة المبالغ بها.
واتفق احمد محمود مدير احد شركات الاستثمار العقار مع الرأى السابق قائلا « لو  اتخذنا منطقة حدائق الأهرام مثلا كنموذج وحسبنا مساحة الأرض المستخدمة للبناء 600 متر مثلا لن يزيد سعرها على 4 ملايين جنيه، هذه المساحة ينشأ عليها عقار خمسة طوابق يشمل كل طابق شقتين بمساحة 120 مترا تقريبا، بعد حساب تكلفة البناء وإضافة سعر الأرض عليهم لن تزيد تكلفة الشقة 200 الف جنيه تقريبا، يصل سعرها عند الطرح للبيع إلى 400 الف جنيه، بالرغم من ان منطقة حدائق الأهرام هى الأقل سعرا وسط المناطق حتى الآن.
ويضيف ممدوح العارف احد سماسرة حدائق الأهرام «الجميع اصبح يستغل موجة الغلاء ليس الملاك فقط، فالعديد من السماسرة قد يستغلون جهل المشترى بسعر السوق وحاجته للعقار ويرفعون السعر عليه كى تزيد نسبتهم، فهم لا يلتزمون بالنسبة المقررة، ويترك لهم المالك الحرية فى المزايدة حسب مهارتهم فى رفع السعر على المشترى مادام ذلك لم ينقص شئ من نصيب المالك، وغالبا هؤلاء السماسرة الذين لا يتبعون شركة معينة او مكتب عقارات بعينه، ونظرا لأن سوق العقارات لا رقيب عليه فالكل يحاول الفوز بأى زيادة.
معدل التضخم
وبعد ان انتهينا من عدة جولات بدا فيها عدم وجود اى جهة رقابية على اسعار سوق العقارات وان الأمر يزداد سوء مع الوقت حاولنا مناقشة المختصين فيما رصدناه.
سألنا الدكتور إيهاب الدسوقى رئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات عن اسباب الارتفاع غير المنطقى فى أسعار العقارات فأجاب: « لا شك ان اسباب ارتفاع اسعار العقارات عديدة ولعل اهمها ارتفاع اسعار المواد الخام وخاصة الحديد بسبب ارتفاع سعر الدولار وهو سبب رئيسى ومباشر فى ارتفاع اسعار العقارات ، والسبب الثانى والذى لا يقل اهمية عن السابق هوارتفاع معدل التضخم مما ادى إلى إنتشار ظاهرة «التفضيل السلعى» هذه الظاهرة الاقتصادية التى تعنى الإدخار فى هيئة سلع وذلك حيث ان العقارات فى قائمة السلع الأولى التى يعود إدخار الأموال بها فى قمة الربح وخاصة الآن، مضيفا ان هذه المشكلة لن تحل إلى بتحسين الاقتصاد وإنخفاض معدل التضخم، وهذا حل يمكن تطبيقه على المدى البعيد، اما الحلول التى يمكن تنفيذها بشكل عاجل للحد من هذه الأزمة هو زيادة المعروض من العقارات كى لا يزيد المطلوب عن المعروض، والحل الأهم هو ان تخفض الحكومة من سعر الأراضى المطروحة وتبث مناطق ومرافق بأسعار معقولة كى يساهم ذلك بشكل مباشر فى خفض السعر على المواطن.
العرض والطلب
فيما اكد المهندس ممدوح بدر الدين رئيس شعبة الاستثمار العقارى بالاتحاد العام للغرف التجارية صعوبة وجود جهة رقابية على اسعار السوق العقارى الخاص، وان الوسيلة الوحيدة لضبط اسعار السوق هى العرض والطلب، مضيفا ان اسعار العقارات فى مصر هى اقل اسعار فى العالم العربى بأكمله، واوضح ان حساب سعر الشقة الواحدة داخل العقار لمعرفة الفارق بين التكلفة وسعر البيع هى حسبة معقدة ولا يمكن تنفيذها للخروج بنتائج صحيحة يمكن الأخذ بها، مشيرا إلى ان الحكومة تحاول جاهدة تغطية السوق العقارى وذلك بالطرح الدائم للوحدات السكنية حيث غطت اكثر من 500 الف وحدة للإسكان القومى وهو عدد ليس بقليل، ويرى رئيس شعبة الاستثمار ان الحل الرئيسى فى ارتفاع اسعار العقارات وهو لجوء الشباب للإسكان الإجتماعى حيث هو الأنسب فى الدفع والأمن فى ظل هذه الظروف.
 

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي

 
 

 
 
 

ترشيحاتنا