«عدني يا أبي».. بوابة فضح التدخل الأمريكي بدول العالم

جون بايدن ودونالد ترامب وباراك أوباما
جون بايدن ودونالد ترامب وباراك أوباما

«عالم القطب الواحد» سياسة انتهجها الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان ليُعلي من شأن بلاده على حساب الدول الأخرى، فضغط بشكلٍ كبيرٍ على الاتحاد السوفيتي حتى أسهم في تفككه عام 1991، لتصبح الولايات المتحدة من حينها القطب الأوحد في العالم.

تلك الوضعية التي يعتقد السياسيون في الولايات المتحدة أنها تخول لهم التدخل في شئون الدول بدعوى إحلال الأمن والسلم بها، دون أن يتم تسمية هذا الأمر تدخلًا، فهو يدور في إطار الشرعية الدولية، وربما يكون مصبغًا بصبغةٍ أممية من مجلس الأمن الدولي، مثلما حدث عام 2011 في ليبيا، حينما تدخل حلف شمال الأطلسي "الناتو" في ليبيا لمحاربة ميليشيات الزعيم الليبي معمر القذافي إبان الانتفاضة الشعبية في البلاد.

وحاولت الولايات المتحدة أن تحاكي الوضع ذاته في سوريا، وعبر بوابة مجلس الأمن بعينها، إلا أنها اصطدمت بحق النقض "الفيتو" الروسي، الذي ظل عصيًا في وجه الإجراءات التي كانت واشنطن تنوي تمريرها ضد النظام السوري من خلال مجلس الأمن.

وفي السادس من ديسمبر من هذا العام، دشن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرحلةً جديدةً من الخصام بين الولايات المتحدة والعالم العربي، بإعلانه الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وتوجيه وزير خارجيته ريكس تيلرسون بالبدء في إجراءات نقل السفارة الأمريكية لدى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس.

ومع إحالة القضية إلى مجلس الأمن استخدمت الولايات المتحدة حق النقض "الفيتو" لإبطال مشروع قرارٍ مصريٍ يلزم الولايات المتحدة بإلغاء قرار ترامب حول القدس، واعتبرت حينها مندوبة الولايات المتحدة الدائمة لدى مجلس الأمن ،نيكي هايلي، أنه لا يمكن لأحد أن يتدخل في شئون بلادها أو يملي عليها أين تضع سفارتها لدى البلدان الأخرى.

وفي إقرار ترامب بالقدس عاصمةً لإسرائيل إنكارٌ من قبل واشنطن باقترافٍ تدخل في شئون الغير، فهايلي اعتبرت الأمر شأنًا داخليًا للولايات المتحدة، وأن بلادها الوحيدة صاحبت القرار في شأن مكان سفارتها لدى إسرائيل.

اعتراف "بايدن"

لكن وعدًا أعطاه نائب الرئيس الأمريكي السابق في حقبة باراك أوباما ، جون بايدن ، لنجله حينما كان يصارع الموت، جعله يتحلى بالشجاعة والصدق ويكشف ما خفي وراء ستار تدخل أمريكا في شئون البلدان الأخرى.

وفي مذكراته الشخصية التي حملت عنوان "عدني يا أبي: عام من الأمل والصعوبات والمغزى"، يتطرق بايدن في أحد فصولها إلى الانتفاضة الشعبية الأوكرانية ضد الرئيس الأوكراني آنذاك فيكتور يانوكوفيتش، حيث يعترف بايدن بأنه تدخل بشكلٍ مباشرٍ في الشؤون الداخلية لأوكرانيا، وطالب يانوكوفيتش بمغادرة منصبه خلال مكالمةٍ هاتفيةٍ جمعته معه، هرب بعدها الرئيس الأوكراني إلى روسيا في اليوم التالي.

اعترافٌ صريحٌ ممن شغل منصب الرجل الثاني في إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بالتدخل في شئون دولةٍ أخرى مر مرور الكرام دون أي تعقيبٍ من إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب، التي طالما اتهمت إيران وروسيا على وجه التحديد بالتدخل في الشئون الداخلية لسوريا.

التدخل الأمريكي في سوريا

ومع ذكر سوريا، نسترجع تصريحاتٍ أدلاها وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، التي اعتبر أكثر من مرة أنه لا يوجد مستقبلٌ للرئيس السوري بشار الأسد ولا لأسرته في حكم سوريا في المستقبل، وهي التصريحات التي تهكم عليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إحدى المرات، بقوله أن تيلرسون ليس مواطنًا سوريًا كي يحدد مصير الأسد، وأن مصير الرئيس السوري بيد الشعب السوري وحده.

ليس هذا فحسب، فالولايات المتحدة تقود تحالفًا دوليًا في الأراضي السورية تقاتل من خلاله عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي، إلى جانب دعمه فصائل المعارضة السورية خلال مواجهاتها مع قوات الجيش السوري.

الصعق الروسي

وكما وقفت في وجه مشاريع أمريكية في مجلس الأمن، كان رد موسكو صاعقًا في وجه الولايات المتحدة، وكأنه كان عقابيًا على عديد من التدخلات التي أحدثتها عندما تم اختراق حسابات كبار الشخصيات في الحزب الديمقراطي الأمريكي من خلال منصات روسيةٍ، بحسب نتيجة التحقيقات التي أجراها مكتب التحقيقات الفيدرالي في الولايات المتحدة.

هذا الاختراق ساهم بشكلٍ كبيرٍ من تحويل وجهة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة من مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون إلى المرشح الجمهوري دونالد ترامب، وهو ما قالته كلينتون نفسها فيما بعد، التي تحدثت عن أنه لولا تدخل موسكو في الانتخابات الرئاسية لكانت هي رئيسة الولايات المتحدة وليس ترامب.

ورغم إنكار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمزاعم التي تتحدث عن تدخل الكرملين في التأثير على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، إلا أن هذا لم يكن مقنعًا للأوساط السياسية في الولايات المتحدة، التي بدت تتعامل مع التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الماضية على أنه أمرٌ مسلمٌ يجرى التحقيق خلاله لبيان مدى تورط حملة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في التواطؤ مع موسكو في هذا الشأن.

"كما تدين تُدان" قد يكون عنوانًا بارزًا لما حدث في الانتخابات الرئاسية الأمريكية من تدخلات روسية، حسبما يؤكد مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، فإن الولايات المتحدة تكون قد تجرعت من الكأس الذي أذاقته لبلدانٍ أخرى.