نبض السطور

خالد ميري يكتب: عودة قوية للصديق الروسى

خالد ميري
خالد ميري
• الزعيمان السيسى - بوتين وضعا أساساً قوياً لانطلاق العلاقات فى قمتى «البريكس» والقاهرة
• القصة الكاملة لتوقيع بروتوكول عودة السياحة والطيران أول فبراير
• لماذا تأخر التوقيع ساعتين وكيف حدث التوافق الكامل؟
• كيف نجحت اللجنة الوطنية العليا لأمن المطارات فى كسب احترام وإشادة العالم ؟
• بريطانيا اعترفت بالتأمين الكامل للمطارات.. وعودة رحلاتها.. قرار سياسى


التوقيع على اتفاق عودة السياحة والطيران بين روسيا ومصر فى موسكو لم يكن مجرد بروتوكول تعاون، هذا إعلان عن بدء صفحة جديدة قوية فى علاقات ثابتة وراسخة بين البلدين، وبرهان جديد على أن مصر الجديدة مع الرئيس عبد الفتاح السيسى قادرة على أن تمضى إلى الأمام على طريق بناء المستقبل رغم كل المؤامرات وبرغم أنف الكارهين والحاقدين على مصر وشعبها العظيم.

كانت مؤامرتا مقتل الباحث الإيطالى ريجينى وسقوط الطائرة الروسية، من أكبر المؤامرات التى تعرضت لها مصر بعد ثورة ٣٠ يونيو العظيمة.. مؤامرات استهدفت علاقات مصر مع بلدين وشعبين هما الأقرب إلينا من إيطاليا إلى روسيا، مؤامرات غذتها وسائل إعلام معادية لمصر وشعبها وأثرت سلبا على علاقاتنا بدول صديقة وحليفة، برغم أن التحقيقات فى القضيتين تشهد تعاونا قضائيا كاملا بين مصر والدولتين، فمصر لا تقل حرصا عن إيطاليا وروسيا فى بذل كل الجهود للوصول للحقيقة الكاملة.

وبعد مرور الشهور نجحت مصر وإيطاليا فى تجاوز الأزمة فما يربط البلدين والشعبين الصديقين كبير جدا، وإيطاليا تأكدت من حرص مصر على بذل كل جهد ممكن وصولا للحقيقة الكاملة، وبعد عامين من حادث الطائرة نجحت مصر وروسيا فى تجاوز الأزمة، فالتحقيقات تسير بتعاون كامل بين الجهات القضائية فى البلدين، والعلاقات القوية سياسياً وعسكرياً وأمنياً  حان الوقت لأن تنطلق إلى الأمام بأقصى سرعة، خصوصا بعد أن تأكدت روسيا والعالم بأكمله أن تأمين المطارات المصرية أصبح من بين الأفضل عالميا، وهى حقيقة لا يمكن أن تنكرها أى عين، فحتى بريطانيا اعترفت بالتأمين الكامل للمطارات المصرية لكنها لم تتخذ خطوة إعادة طيرانها إلى شرم الشيخ، لأن القرار فيما يبدو يتعلق بالسياسة وليس له علاقة من قريب أو بعيد بالأمن.

وأخيرا أول أمس فى موسكو كنت حاضرا ووزير الطيران شريف فتحى يوقع مع وزير النقل الروسى سوكولوف بروتوكول ضوابط أمن الطيران المدنى، ويعلنان معا لوسائل الإعلام العالمية أن أول رحلة بين القاهرة وموسكو ستنطلق فى بداية فبراير القادم، وفى أول إبريل يتم عقد اجتماع آخر لتقييم ما تم والإعلان عن انطلاق الرحلات بين موسكو والغردقة وشرم الشيخ، قرار يفتح الباب واسعا لعودة السياحة الروسية لمصر والتى شهدت شبه توقف بعد وقف الرحلات الجوية المباشرة بين القاهرة وموسكو.. وهو ما حرم الروس من تحقيق حلمهم فى زيارة معشوقتهم الغردقة ومعها شرم الشيخ، والسياحة والاستمتاع بتكاليف قليلة وفى أجواء ساحرة، كما حرم صناعة السياحة المصرية من مصدر رئيسى للعمل.

توقيع البروتوكول سبقه عمل كبير على مدار عامين كاملين لإذابة جبل الثلج وعودة الدفء للعلاقات السياحية، وطوال هذه المدة استمرت العلاقات السياسية والعسكرية والأمنية قوية لأنها علاقة استراتيجية وتاريخية بين بلدين صديقين، وكان الزعيمان عبدالفتاح السيسى وفلاديمير بوتين حريصين على دفع العلاقات إلى الأمام، فهى تحقق مصالح شعبين صديقين وبلدين كبيرين، وفى قمة «البريكس» التى جمعت السيسى وبوتين فى الصين قبل ثلاثة أشهر كان الإصرار واضحا على منح العلاقات دفعة قوية إلى الأمام، وكانت إشادة بوتين الأولى بإجراءات تأمين المطارات المصرية والنجاح المصرى الكبير فى تحقيق ذلك، وكانت دعوة الرئيس السيسى التى وجهها لبوتين لزيارة القاهرة وتوقيع اتفاق إقامة محطة الضبعة النووية.

ويوم الإثنين الماضى لبى بوتين الدعوة بزيارة القاهرة وحضور توقيع اتفاق إقامة أول محطة نووية مصرية فى مدينة الضبعة لتوليد الكهرباء، اتفاق حقق للشعب المصرى حلم دخول النادى النووى والتعامل مع هذه التكنولوجيا المتقدمة بالتعاون مع الصديق الروسى، ولم يكن غريبا أن تكون روسيا شريك بناء السد العالى وشريك بناء مصانع الحديد والصلب بحلوان هى شريك بناء المحطة النووية الأولى.

ومع فرحة تحقيق الحلم النووى كرر بوتين من جديد ومن القاهرة الإشادة بإجراءات تأمين المطارات المصرية والجهد الجبار الذى بذلته مصر، مؤكدا قرب استئناف حركة السياحة والطيران بعد توقيع بروتوكول تعاون بين البلدين.

وقتها لم يكن أحد يعرف أو يتوقع متى سيتم توقيع البروتوكول والإعلان عن عودة السياحة، وعندما سألنا وزير الطيران بعد المؤتمر الصحفى للرئيس مع بوتين فى القاهرة كانت إجابته أنه لا يعلم متى سيتم التوقيع، ووقتها لم يكن يعرف بالفعل، لكن بمجرد عودة بوتين لروسيا بعد زيارة اليوم الواحد للقاهرة كان الزعيمان السيسى وبوتين حريصين على استكمال الخطوات فى أسرع وقت، فلم يكن هناك أى سبب للتأجيل بعد ما قاله بوتين عن أمن المطارات المصرية.

وصباح الخميس الماضى كنت فى موسكو مع الصديق والزميل عمرو الخياط رئيس تحرير أخبار اليوم لحضور المؤتمر الصحفى العالمى السنوى لبوتين، مؤتمر وافقت روسيا على ان يحضره ١٦٠٠ صحفى من الداخل ومن كل دول العالم، وتكريما لمصر كان اسما خالد ميرى وعمرو الخياط رقمى ١و ٢ فى هذا الكشف، وهى المرة الأولى التى يشارك فيها صحفيون من مصر فى هذا المؤتمر، وقبل بداية المؤتمر كان سوكولوف وزير النقل الروسى يعلن أن البروتوكول جاهز وسيتم توقيعه، وجاء الخبر بأن وزير الطيران شريف فتحى استقل بالفعل الطائرة عبر روما للحضور إلى موسكو والتوقيع.

الحقيقة أن الوصول للحظة التوقيع تطلب جهداً غير عادى، وتوجيهات واضحة محددة من الرئيس السيسى بضرورة أن يصل الأمن والأمان فى المطارات المصرية إلى أعلى المستويات العالمية، تعليمات نفذتها اللجنة الوطنية العليا لأمن المطارات برئاسة وزير الطيران بكل دقة، لجنة ضمت كل الأجهزة الأمنية والرقابية وبدلا من الاجتماع مرة كل ثلاثة شهور كما كان مكررا كانت الاجتماعات تتم بشكل أسبوعى دون راحة أو التقاط أنفاس، وكانت النتيجة مبهرة نجاحا كاملا فى تحقيق المستهدف والوصول بتأمين المطارات المصرية إلى درجة أن يشيد بها الجميع، وأن تجتاز بنجاح كبير كل اختبارات السلامة الدولية.. كما لعبت السفارة المصرية بموسكو دورا مهما فى صياغة البروتوكول وتجهيزه للتوقيع وإعطاء إشارة الانطلاق لعودة الرحلات الجوية المباشرة، وبذل السفير إيهاب نصر وأيمن موسى المستشار الإعلامى وكل طاقم السفارة جهدا كبيرا حتى لحظة التوقيع.

هذا الجهد الكبير الذى لم يشعر به أحد، كان ترجمة لإرادة سياسية تؤمن بأهمية النجاح وتجاوز أى عقبات، إرادة كانت وراء الوصول للحظة التوقيع التى شهدناها أول امس.

قبل بداية المؤتمر الصحفى وتوقيع البروتوكول كان سوكولوف قد أعلن تصريحا بأن الطيران سيتم استئنافه بين موسكو والقاهرة فى النصف الاول من فبراير وأن أمر الغردقة وشرم الشيخ سيتم تحديده فى نهاية عام ٢٠١٨ بعد نجاح التجربة، وتوقع الصحفيون وجود عقبة يمكن أن تؤجل التوقيع، خصوصا أن المؤتمر كان مقررا له الساعة الرابعة موعد أذان المغرب بتوقيت موسكو.. لكنه تأخر ساعتين كاملتين إلى السادسة، وبدأت التخمينات حول أسباب التأخير وماذا يمكن أن يحدث؟، وفى السادسة كانت الإجابة الحاسمة بدخول الوزيرين المصرى والروسى وتوقيع البروتوكول، والإعلان عن سفر أول رحلة طيران مباشر بين القاهرة وموسكو فى أول فبراير القادم، وأن البداية ستكون بشركة مصر الطيران الوطنية والشركة الروسية الوطنية، وبعدها أى شركة ستنهى الإجراءات المطلوبة ستتمكن من تسيير الرحلات بين العاصمتين، وكان إعلان وزير الطيران شريف فتحى ووزير النقل الروسى سوكولوف أنه سيجمعهما لقاء آخر فى ابريل القادم لتقييم الإجراءات التى تمت والاتفاق على تسيير الرحلات من موسكو إلى الغردقة وشرم الشيخ وأى مدن أخرى، ليتم وضع حد للتكهنات والإعلان عن جدول محدد لبداية كل الرحلات.

وقد أكد سوكولوف أن بوتين بصدد إصدار قرار جمهورى لإلغاء قراره السابق بوقف رحلات الطيران، وأشار إلى أن المطارات المصرية تلبى جميع شروط أمن الطيران، بينما كان الوزير الوطنى والنشط جدا شريف فتحى حاسما وهو يؤكد ان مصر لديها قناعة كاملة بأهمية أمن وسلامة جميع الرحلات، وأن النقل الجوى الآمن يخدم الأفراد ويحفز التبادل الاقتصادى والتجارى بين البلدين ويلبى تطلعات الشعبين.

كلام وزير الطيران يعكس الثقة فى واقع أن مصر تستقبل ملايين المسافرين من وإلى كل دول العالم بأمن وسلامة، وعندما سألته هل حدث خلاف مع الجانب الروسى فى اللحظات الأخيرة.. رد بأن تأخير الساعتين كان بسبب استكمال المباحثات وأن التوافق كان كاملا حول كل النقاط ولم يحدث خلاف، وبعد المؤتمر أصر الوزير الروسى على أن يصاحب الوزير المصرى والوفد المرافق له حتى باب السيارة تقديرا لمصر ووزيرها.

الحقيقة أن توقيع اتفاق الضبعة النووى يوم الاثنين وبعده اتفاق عودة الطيران المباشر والسياحة الروسية، يؤكد اننا أمام مرحلة جديدة لعلاقات استراتيجية قوية ومتينة بين مصر وروسيا، والمؤكد أن التفاهم الكبير بين الزعيمين السيسى وبوتين منح الدفعة القوية المطلوبة لهذه العلاقات، التى تحقق مصالح وطموحات شعبين وبلدين صديقين.

وكما أكد السفير المصرى بموسكو إيهاب نصر فالخطوة الثالثة المهمة للتعاون الكبير فى الطريق، حيث تم الانتهاء من ٨٥٪، من الإعداد والتجهيز للتوقيع النهائى على عقود إنشاء المنطقة الصناعية الروسية بمنطقة قناة السويس باستثمارات ٧ مليارات دولار، وكانت الزيارة الأخيرة للشركات الروسية لمنطقة القناة قبل يوم واحد من زيارة بوتين للقاهرة ناجحة ومشجعة لسرعة استكمال الإجراءات وبدء العمل، كما تجرى التجهيزات على قدم وساق لإقامة صوامع لتخزين القمح الروسى بمصر ثم إعادة تصديره إلى افريقيا والدول العربية.

علاقات اقتصادية وتجارية واعدة على كل الأصعدة، تكتسب نفس زخم العلاقات العسكرية القوية والعلاقات السياسية المهمة والتى تشهد توافقا وتنسيقا حول قضايا العالم والمنطقة، من القدس إلى سوريا ومن ليبيا إلى العراق، مع الاتفاق على بذل كل الجهود لمنع انتقال الإرهابيين من سوريا والعراق بعد هزيمتهم هناك إلى ليبيا  أو دول اخرى، وأيضا العلاقات الأمنية القوية بعد أن أشادت روسيا بدور المخابرات المصرية فى إمدادهم بمعلومات منعت وقوع عمليات إرهابية فوق أراضيهم.

نجاح مصر فى إعادة الطيران المباشر مع روسيا وتجاوز المؤامرة التى استهدفت علاقات البلدين الصديقين، تم فى وقت تشهد فيه مصر للطيران انتعاشة كبيرة وتحديثا كاملا للاسطول دون تحميل موازنة الدولة أية أعباء، فبعد شراء ٩ طائرات جديدة دخلت الخدمة، تم الاتفاق على شراء ٤٥ طائرة جديدة تتسلمها مصر خلال ٤ سنوات فى صفقة بلغت ٦ مليارات دولار، وستمثل نقلة نوعية كبيرة فى عمل شركة الطيران الوطنية.

علاقات مصر مع الصديق الروسى عادت أقوى مما كانت رغم أنف المتآمرين والحاقدين والكارهين، علاقات تنطلق إلى الأمام بكل قوة وتكافؤ، فمصر الكبيرة تعرف أين تضع قدمها وكيف تبنى مستقبلها، مصر صديق قوى وروسيا صديق حقيقى.