مهرجان بغداد السينمائي الدولي يكشف أسباب توقفه المفاجئ

كشف مهرجان بغداد السينائي الدولي عن أسباب عدم انعقاد الدورة الجديدة لهذا العام.
وأصدرمؤسسي المهرجان د.طاهر علوان ود.عمار العرادي، بيانا كشفا فيه عن الأسباب وجاء كالتالي: "لقد جاهدنا طيلة 13 عاما هي عمر المهرجان على إقامته تحت أصعب الظروف وقد لا يعلم البعض أنه يوم أقيمت الدورة الأولى كانت الدبابات الأميركية تجول في شوارع بغداد وعدد السيارات المفخخة التي ضربت بغداد في ذلك النهار زادت على عشرين سيارة مفخخة ومع ذلك كان تحدينا للظلام أكبر وواصلنا إقامة المهرجان عاما بعد عام.
وأضاف البيان: " ثم واجهنا قوى ظلامية أخرى هي التي تجاهلت المهرجان وكرهت السينما والإبداع مع أنها تمتلك زمام السلطة والقرار ولهذا بقينا نكافح  بمفردنا من خلال نخبة طيبة ومخلصة ووطنية من المتطوعين من السينمائيين والأكاديميين وكان المهرجان يقهر قوى الظلام بأشكالها من خلال الإصرار على الانعقاد دورة بعد دورة ويرتقي ويكبر ويتضاعف عدد الدول والسينمائيين المشاركين فيه.
لقد عملنا بجهود ذاتية وتطوعية باعتبارنا مؤسسة غير حكومية على إنجاح المهرجان عاما بعد عام ووثقنا علاقات المهرجان مع عشرات المهرجانات والمؤسسات والشركات والسينمائيين من أنحاء العالم وعرضت في المهرجان أفلام من دول لم يكن أحد يتوقع أن تأتي أفلامها لبغداد.
وعرض المهرجان أحدث التجارب السينمائية وأقام تظاهرات وأقساما خاصة للدول وحظى بتقدير عالمي مميز من مهرجانات رصينة مثل مهرجان سياتل في الولايات المتحدة ومهرجان أمستردام في هولندا ومهرجان كليرمونت فيران في فرنسا ومهرجان كراكوف في بولونيا ومهرجان جيهلافا في التشيك وغيرها حتى زاد عدد الأفلام التي تقدمت للمشاركة في المهرجان في الدورة الأخيرة وهي الثامنة 2016  أكثر من 3000 فيلما من جميع القارات ووصلت جوائز المهرجان إلى سينمائيين في جميع القارات وقدم المهرجان وعرف بعشرات المواهب السينمائية العراقية والعربية والأجنبية وهو ما لم تصل إليه أي مؤسسة ثقافية سينمائية عراقية من قبل.
خلال ذلك كانت معاناة المهرجان مزمنة بسبب ضعف التمويل والميزانية الضئيلة التي لا  تكفي لإقامة نشاط صغير في قرية أوربية فما بالك بمهرجان يمثل دولة ثرية كالعراق بما له من تاريخ وموارد هائلة ويحمل اسم بغداد لما لها من دلالة عظيمة.
 لكن كل ذلك لم يحرك شعرة لدى كثير من أصحاب القرار الذين قابلنا كثير منهم وبعضهم مازال في قمة هرم السلطة ولكنهم كانوا يعطوننا كما يقول المثل أذنا من طين وأخرى من عجين وكثيرا ما كذب بعضهم علينا بوعود لم يلتزم بها وتهرب منهم من تهرب ونحن نحتفظ بذلك في أرشيف المهرجان.
وفي كل مرة كنا نطرح فيها محنة المهرجان من ناحية انعدام التمويل، كان  الكثيرون يشيرون علينا أن نطرق باب وزارة الثقافة، وتلك لعمري من المضحكات المبكيات فأي باب هو ذاك الباب الصدئ المتهالك المهلهل.
لقد تعاقب على سدة الحكم في هذه الوزارة كثير من الوزراء قابلنا أغلبهم وكنا ننقل لهم تجارب الشراكة بين المؤسسات غير الحكومية ومنها مهرجانات السينما وبين وزارات الثقافة وأمثلة ذلك كثيرة في المغرب ومصر وتونس فضلا عن العديد من دول العالم وكنا نذكرهم بمبدأ أساس من مبادئ منظمة اليونيسكو التي يزورونها بانتظام وهو مبدأ التنمية الثقافية المستدامة وأهمية دعم النشاطات الثقافية المستدامة وهو ما كانوا يغفلون عنه أو يجهلونه.
لكن المشكلة التي واجهتنا سنة بعد أخري أن هؤلاء القوم  مجمعون بشكل غريب على تجاهل المهرجان تماما وعدم مساندته بل زاد على ذلك أن من المهازل التي لم تحصل في أية دولة في العالم أنه ولا وزير ثقافة من الوزراء الستة أو السبعة الذين تعاقبوا على وزارة الثقافة العراقية حضر لا افتتاح ولا ختام المهرجان ولا كلف نفسه التعرف على المهرجان الأضخم في برامجه والأول في التأسيس بل أن أحدهم  أرسل مساعدا له فألقى كلمة عصماء أمام الإعلام بدعم المهرجان بالمبلغ الفلاني فلما حانت ساعة الجد اكتشفنا أنهم كانوا يخدعوننا ويكذبون علينا وكانت غايتهم الظهور الإعلامي فحسب.
والحاصل أننا عانينا الأمرين من جراء تلك السلوكيات غير المهنية وغير المسؤولة وفي كلّ مرة كنا نصدم بكم البيروقراطية والتخلف المؤسسي في وسط دوامة من الفوضى الحقيقية والترهّل الإداري والفشل المزمن.
وبصدد وزارة الثقافة أيضا والشيء بالشيء يذكر ، كانت وزارة الثقافة تتحجج دائما ومنذ 13 عاما بحجة أزلية هي عدم توفر الميزانية لكنها عندما كانت تموج في بحر من الأموال إبان مشاريع بغداد عاصمة الثقافة أغدقت الملايين لعشرات المشاريع الفاشلة والوهمية والأخرى بحسب الوجاهة والوساطات الشخصية كما هو معلوم للجميع  ولكنها لم تدعم المهرجان بدينار واحد وفي تلك الأثناء تكررت مرة أخرى مشاهد الكذب والخداع وتضييع الملفات وطمس طلبات المهرجان والتسويف والمماطلة.
وها نحن على أعتاب الدورة التاسعة وقد وجدنا أنفسنا أمام مسؤولية اكبر وأعباء تتضخم فالمهرجان صار يحتاج إلى كادر ثابت مدفوع الأجر أسوة بباقي المهرجانات ، وصار من غير المعقول التنصل سنة بعد أخرى عن دعوة الضيوف ومنح الجوائز المالية أسوة بباقي المهرجانات العربية والأجنبية فضلا عن نفقات إدارية أخرى متعددة لم نستطع الحصول على قطرة منها وحيث وجدنا أن الجهات الحكومية منذ 2003  وحتى الساعة متنصلة عن مسؤوليتها تجاه المهرجان ولا يعنيها سواء أقيم أو لا ،لسبب بسيط وواضح أنها مؤسسات بلا استراتيجيات للتنمية الثقافية وبلا رؤية للمشاريع الثقافية المستدامة ،  وحيث لا يوجد أمامنا بديل آخر لهذا  ورغم محاولات قام بها بعض الأصدقاء لإيجاد داعم  بديل لميزانية  المهرجان إلا أن تلك الجهود لم تكلل بالنجاح وهو امتداد لتنصل شركات القطاع الخاص  الثرية والمصارف الأكثر  ثراءا عن دعم المهرجان.
وبناءا على ذلك يؤسفنا أن نعلن لجميع السينمائيين والمثقفين عن توقف هذه الدورة اضطراريا ولسنا نعلم حقا عن الدورة أو الدورات المقبلة.
شاكرين كل من ساند المهرجان ووقف معه وحيث سننشر إصدارا خاصا يوثق مسيرة المهرجان طيلة 13 عاما ويتضمن قائمة شرف بأسماء من ساند المهرجان ووقف معه في مسيرته .
لاشك أن المهرجان قد حفر اسمه عميقا وصار علامة مشرقة في أصعب الظروف وكان رسالة حضارية ونشاطا مستداما مشرقا وسط عتمة من الجهالة والتخلف وسرقة المال العام و الانشغال بالمصالح الشخصية والفئوية مع جهل فاضح ومخجل بقيمة السينما والإبداع في الفنون وتحولها إلى عمل ارتزاق مؤسساتي بيروقراطي متخلف غير منتج بينما نجحت مؤسسة غير حكومية صغيرة نجاحا باهرا في إقامة مهرجان عجزت عنه دولة بأكملها ووزارة ثقافة بكل إمكانياتها الضخمة  عن إقامة مثيل له أو حتى أقل منه".