«لا تصالح»| قالها أمل دنقل بالأمس.. ويؤكدها «ترامب» اليوم

تداعيات نقل السفارة الأمريكية
تداعيات نقل السفارة الأمريكية

«لا تصالحْ! .. ولو منحوك الذهب .. أترى حين أفقأ عينيك .. ثم أثبت جوهرتين مكانهما.. هل ترى..؟ هي أشياء لا تشترى».. سيف من الكلمات، أخرجه الشاعر أمل دنقل من غِمده في شهر نوفمبر 1976، للتحذير من موقف إسرائيل المعادي للسلام مع العرب، وذلك في خضم زيارة الرئيس الراحل محمد أنور السادات إلى القدس لإلقائه خطابا في الكنيست.

أمل دنقل الذي عايش نصر أكتوبر العظيم سنة 1973، كان يعلم جيدا أن الصهاينة لا يمدون يدا بالسلام؛ إلا ويمدون الأخرى للغدر؛ فصرخ صرخته لعل هناك من يستمع لتلك الصرخة المتجسدة في قصيدة «لا تصالح»؛ ولكن الأذان حينها لم تستمع؛ أو تغاضت عن السمع؛ ليدفع الشعب الفلسطيني؛ ومن ورائه الوطن العربي؛ ثمن تلك الأذان الصماء.

اليوم وفي الثامنة مساء؛ يترقب العالم خطابا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ الذي يرجح أن يعلن خلاله نقل السفارة الأمريكية إلى القدس؛ هذا القرار الذي ينسف كل جهود استئناف عملية السلام؛ التي توقفت يوم 24 أبريل من عام 2014، وقد يشعل المنطقة ويدخلها نفق أكثر ظلمة؛ مما هي فيه الآن.

الهروب والثور

«هرب عنترة من ثور فسئل أين شجاعتك.. أتخاف من ثور وأنت عنترة؟ قال وما يُدري الثور أني عنترة؟».. ربما تلك الحكمة تجسد طريقة التعالي التي يتعامل بها دونالد ترامب؛ مع العرب؛ فهو يتعامل مع القضية الفلسطينية؛ وكأنه الوصي الشرعي عنها؛ دون مراعاة للمسئولين الحق عن تلك القضية؛ لأنه رأى في نفسه أنه الثور الذي لا يدري أن من أمامه عنترة؛ وله كل الحق في اعتقاده؛ فكيف يلام الثور على تجاوزه؛ في ظل أن الواقف أمامه؛ يقف موضع الضعف.

ترامب؛ الذي اعتبر نفسه الشخص الأكثر تأهيلا لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وأنه سيكون محايدًا بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، خلال المرحلة التحضيرية للانتخابات داخل الحزب الجمهوري؛ مؤكدا أن إسرائيل لا تريد السلام؛ سريعا ما تحول بعد ذلك لتبنى الأجندة اليمينية الإسرائيلية بالكامل، ووعد بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وذلك بعد أن جلبت عليه تلك التصريحات مشاكل من قبل اللوبي اليهودي، ما دفعه للتصريح علانية أمام «الإيباك» بأنه سينقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس.

مخالفة الأعراف

خالف التقاليد الأمريكية المتعارف عليها، والتي لم يجرأ أي رئيس أمريكي على مدار تاريخها، بالتصريح أو التلميح إلى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس؛ ولكنه تعدى كل تلك الأعراف؛ وربما كان بداية مؤشرات ذلك عندما قام في ديسمبر 2016 بإدانة قرار إدارة الرئيس السابق باراك أوباما بالامتناع عن نقض قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2334 الذي دان التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية، واعتبر الأراضي المحتلة بعد الرابع من يونيو 1967 أراضٍ محتلة، وكل المستوطنات التي بنيت فيها غير شرعية، وللتأكيد على أنه ملتزم بوعوده نحو إسرائيل، تحادث ترامب هاتفيًا مع نتنياهو بعد يومين من تنصيبه رئيسًا، وأكد التزامه بعلاقات وثيقة مع إسرائيل والتزامه غير المسبوق بأمنها.

فطنة الشعوب

الأمر الذي يدعو للتوقف أمامه؛ أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعد مشاركته في القمة العربية التي عقدت في الأردن، يوم الأربعاء 30 مارس من عام 2017؛ قال إن الإدارة الأمريكية الجديدة تفكر جديا بحل القضية الفلسطينية». ما يعكس مدى غرابة تعاطي القيادات الفلسطينية مع تصريحات الإدارة الأمريكية؛ التي لن ترجح أو تساوي بين كفة الفلسطينيين والإسرائيليين؛ فهي بمثابة الحاكم الفعلي لإدارة الاحتلال..

ولكن الذي يدعو للأمل والتفاؤل؛ أن شعب المقاومة – الفلسطينيين – كان يعي جيدا أن الإدارة الأمريكية الحالية؛ لن تختلف عن سابقيها؛ بل وقد تكون الأسوأ في تعاملها مع ملف القضية الفلسطينية؛ ففي استطلاع للرأي العام الفلسطيني أجري قبل الانتخابات الأمريكية بثلاثة أشهر، أعربت الغالبية العظمى 70 في المائة من الفلسطينيين، بأنه لا يوجد فارق ما بين المرشحة هيلاري كلينتون ودونالد ترامب تجاه القضية الفلسطينية.

تداعيات خطيرة

خطوات كنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ستكون لها تداعيات خطيرة؛ ربما يكون أبرزها؛ إغلاق صفحة استئناف مفاوضات السلام؛ في ظل أن هذا القرار ينسف فكرة أن تكون الولايات المتحدة وسيطا في المفاوضات؛ لتخرج من المعادلة؛ وتصبح القضية دولية بامتياز؛ وربما تلك الخطوة تعكس مدى الابتزاز الذي تنتهجه الإدارة الأمريكية الحالية؛ للضغط على العرب والفلسطينيين للقبول بأي تسوية يتم وضعها على الطاولة.

المؤكد أن خطوة كتلك؛ ستفتح بابا من النار؛ لن تستطيع أي قوى أيا كانت؛ على إخماده؛ في ظل أن المنطقة برمتها؛ تعاني من حرب مستعرة منذ ما يقارب الـ 7 سنوات؛ وربما هذه النار ستطول الولايات المتحدة بطريقة أو بأخرى؛ فهل يستطيع ترامب؛ الوقوف أمام هذا اللهب الذي قد يشعله بيده اليوم؟