لماذا لا يكفر الأزهــــر «داعش»؟!

حوار| عبد الحليم منصور عميد الشريعة والقانون: "فتح باب التكفير.. شر كبير"

الدكتور عبد الحليم منصور
الدكتور عبد الحليم منصور

لو قاتلنا داعش والإرهابيين باعتبارهم كفاراً لوجب قتال كل من يخالفنا في العقيدة

ما يصدر عن ‬داعش ظلم وفجور عقابه القتل.. والمواجهة الفكرية والملاحقة الأمنية هي الحل

يعد الدكتور عبد الحليم منصور عميد كلية الشريعة والقانون بالمنصورة واحدا من أكثر علماء الأزهر مشاركة في القضايا العامة، حيث يدلي بدلوه مبينا حكم الشرع ورأي الأزهر الوسطي دون إفراط أو تفريط.


وعندما تعالت الأصوات مؤخرا مطالبة بتكفير‬ التكفيريين وكأن في ذلك الحل للمشكلة قصدناه لنستوضح منه وجهة نظر الأزهر في عدم تكفير الإرهابيين رغم ارتكابهم لكل الفظائع، فأكد أن قضية التكفير أحاطها الإسلام بضوابط شديدة يلتزم الأزهر بها فلا يخرج الانسان من الكفر إلا جحد ما أدخله فيه وهي الشهادة وكل الأركان وما عدا ذلك فلا يمكننا أن نكفر شخصا ولو ارتكب كل الكبائر مادام لم ينكر ما أدخله في الدين ولكن كل كبيرة في الإسلام لها عقاب.


وشدد على أن التكفير لن يحل المشكلة ولكنه سيعقدها وسيدخل المجتمع في دوامة لا نهاية لها حيث تكفر الامة بعضها بعضا ويستبيح الجميع الدماء ويكثر القتل..وإلي نص الحوار..


لماذا لا يكفر الأزهر ‬داعش والتنظيمات الإرهابية رغم أن ما تقوم به من جرائم لا يمت للأديان بصلة؟


قضية التكفير قضية في غاية الخطورة لأنها تحكم علي ما في قلب الإنسان من إيمان أو كفر ورد ذلك كله إلي الله سبحانه وتعالي، لذا يري الأزهر الشريف أنه لا اطلاع لأحد علي ما في قلوب البشر، وإنما يمكن علي الحكم علي التصرفات التي تصدر من البشر وتقييمها، وما يصدر عن داعش وإخوته من الجماعات الإرهابية من قتل وسفك للدماء هي أعمال كلها ظلم وفسق وفجور ويستحقون بسببها العقاب الرادع، سواء أكان القتل قصاصا، أو حرابة علي النحو الوارد في قوله تعالي: ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدينا ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) فضلا عن أن فتح باب التكفير من شأنه أن يؤدي إلي شر كبير، حيث تكفر طوائف الامة بعضها بعضا، وكل فئة تستبيح دماء الاخري ويكثر القتل في الناس وهذا ما لايحبه الأزهر لأبناء وطنه خاصة وللأمة الإسلامية عامة.


وإن كان هناك من العلماء من يخالف الأزهر في هذه الوجهة ويري تكفير داعش ومن علي شاكلته، لأنهم مستحلون لما حرم الله، منكرون لما علم من الدين ضرورة، وقد حملوا السلاح علي الأمة والنبي عليه الصلاة والسلام يقول من حمل علينا السلاح فليس منا. فهاتان وجهتا نظر في قضية التكفير المتعلقة بداعش كل منها لها وجة نظرها المدعمة بالدليل الثابت عندها.


رغم عدم تكفير داعش فإن الإسلام يبيح قتالهم؟


الإمام الأكبر شيخ الأزهر لفت مرارا وتكرارا إلي أن داعش وغيره من الحركات المسلحة التي تقتل الناس وتمثل بالقتلي حكم الإسلام فيهم أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض، ويكون لهم خزي في الدنيا وفي الآخرة عذاب عظيم، وأوضح أن الإسلام يتصدي لهم باعتبارهم قتلة، وليس باعتبارهم كفارا؛ لأنهم لو قوتلوا باعتبارهم كفارا يجب أن يقاتل الكفار جميعا،وهذا ليس من المنطق، فالكفر ليس علة للقتال، وإنما العدوان هو علة القتال، ولذلك الإسلام يري أن غير المسلمين إذا لم يقاتلوك، وإذا لم يخرجوك، يحرم قتالهم، لأنهم مسالمون، ولو أنت تريد تكفير داعش؛ لأنهم قتلوا الناس، فعليك أن تحكم علي كل قاتل يقدم للمحكمة بالكفر، وقبل القصاص منه يُعلن كفره، وهذا لا يمكن؟ ومن ثَمَّ فإن المسألة ليست مسألة كفر ومسألة إيمان، ولا تقدم ولا تؤخر في الواقع، مؤكدًا أن قتل الآخرين جريمة أو نعتبره كبيرة، فهل الكبيرة تُخرج صاحب الكبيرة من الإيمان أو لا تخرجه؟ لو قلنا بخروج داعش من الإيمان بسبب الكبيرة التي ارتكبوها وهي القتل، فإنه يجب علينا أن نُخرج كل من يرتكب كبيرة من الإيمان، ونحكم عليهم بالكفر، وتدور ماكينة التكفير، وهذا ليس من الإسلام الذي يعمل العقل والمنطق.


ما موقف الدين وحكمه الشرعي في هذه التنظيمات؟


الدين بريء من كل هذه التصرفات من قتل وإرهاب وخلافه، الدين يأمر بحفظ الحياة، وهؤلاء يقضون عليها، الدين يأمر بحفظ النفس والدين والمال والعرض وهؤلاء يفسدون كل ذلك، هؤلاء محاربون خارجون علي الحاكم يستحقون أن يطبق عليهم حد الحرابة الوارد في سورة المائدة حيث يقول تعالي: ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدينا ولهم في الآخرة عذاب عظيم ).
هل تكفير هذه التنظيمات هو الحل كما يدعي من يطالب بتكفيرهم؟


قطعا ليس الحل في تكفير هذه الشرذمة فهناك من علماء الأمة يكفرهم، والمشكلة ما زالت قائمة، وإنما الحل في تطبيق العقاب الرادع وإنزاله به، الحل أيضا يكمن في تحصين عقول الأمة وشبابها من هذا الفكر المنحرف، الحل في تتبع أوكار هذا الإرهاب حيث كان حتي تنعم البلاد بالأمن والأمان والاستقرار، وتظل عصية علي السقوط وتبقي وكما قال الله عز وجل (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين).


ما الحل الأمثل لاقتلاع جذور الإرهاب؟


المواجهة الفكرية لتحصين شبابنا قبل أن ينجرفوا خلف كل ناعق من المجرمين القتلة سفاكي الدماء، ثانيا في الملاحقة الأمنية وتتبع أوكارهم في شتي الاماكن للقضاء عليهم ثالثا في تجفيف منابع الدعم سواء من الداخل أو الخارج وسواء كان الدعم ماديا أو معنويا بالمال أم بالسلاح رابعا تعاون المجتمع الدولي ونبذ الدول الداعمة للإرهاب وإنزال العقوبات عليها، من أجل أن يعم الخير والأمن أرجاء المعمورة.


ما دور الأزهر في مواجهة الإرهاب؟


المواجهة الفكرية هي دور الأزهر من خلال تفكيك هذا الفكر المتطرف وبيان عواره للناس، وبيان سماحة الاسلام من خلال خطاب ديني متجدد قادر علي استيعاب أمور الحياة، من خلال تحصين عقول الأمة من المفاهيم الملتبسة، من خلال عمل مراجعات لهؤلاء الناس علي النحو الذي تم في الماضي، من خلال نشر كتب تلاحق هذا الفكر وتهدم ما فيه، من خلال برامج تعد لهذا الغرض، من خلال عمل منظومة كاملة للإعلام الديني يساهم فيها كل علماء الأمة المخلصين.


ماذا تقول للذين يتهمون الأزهر بالتقاعس؟


الذين يتهمون الأزهر بالتقاعس ليسوا علي دراية كاملة بكل ما يجري فيه وفي أروقته من خلال ما يتم من محاضرات للتوعية في شتي ربوع جامعته وأروقته، من خلال القوافل التي تتم كل اسبوع، من خلال مراكز الرصد للفتاوي الضالة والرد عليها سواء في الأزهر أو دار الفتوي، من كل ما يتم طباعته من مؤلفات لتنوير جموع المواطنين كل هذا لا يعلمه إلا المتابع والقريب من المؤسسة بشكل فاعل، أما الذي يهاجم دون أن يدري فهذا ظلم بين للأزهر وللمؤسسة بشكل كامل.


ماذا عن مناهج الأزهر والعقيدة التي يدرسها للطلاب؟


العقيدة الصحيحة التي يدرسها الأزهر لطلابه تقوم علي عدم تكفير أحد من المسلمين بذنبٍ حتي لو كان من الكبائر، ونحن نحذر من الوقوع فيما وقعت فيه «‬داعش» الإرهابي وإخوته من تكفير المجتمع حكامًا ومحكومين والأزهر الشريف يولي شباب الأمة مزيدًا من الاهتمام والرعاية باعتبارهم مستقبلها وعماد نهضتها وتقدمها، ويتبع الأزهر في ذلك الحكمة التي تقول »‬الوقاية خير من العلاج»، وبالتالي فإننا نحرص علي تحصين هذه الفئة المهمة في المجتمع من الأفكار الهدامة، وعلي تصحيح المفاهيم المغلوطة لديهم، ويتم ذلك عبر مبعوثيه إلي مختلف دول العالم، وقوافله الدعوية التي تلتقي بالشباب في النوادي ومراكز الشباب والمساجد بل تجاوزت هذه القوافل حدود مصر تحت اسم »‬قوافل السلام» إلي آسيا وأوربا وأمريكا وإفريقيا، بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين.


ونحن نؤكد علي ضرورة محاصرة القواعد العقائدية التي تنطلق منها الجماعات الإرهابية، وبخاصة: قاعدة التكفير، التي ضللوا بها قطاعًا عريضًا من الشباب المسلم في الشـرق والغرب، حيث نري جماعات الإرهاب المسلح اليوم تستند إلي أحكام تنص علي أن النطق بالشهادتين لا يكفي للحكم بإسلام الشخص، بل لابد من اقتران العمل بهما والخضوع الكامل لأحكام الإسلام، فإذا خرج المسلم أو المسلمون عن هذه الشـروط فهم كفار يجب قتالهم، وحقيقة الأمر أن هذا فهم مغلوط، وذلك أن الإيمان يقوم علي أركان هي: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، ولا يرتفع عن صاحبه إلا بإنكاره ركنًا من هذه الأركان، فإذا لم ينكر المؤمن بها واحدًا منها، فهو لا يزال في دائرة الإيمان، حتي لو ارتكب الكبائر، ولا يخرجه من هذه الدائرة إلا جحد ما أدخله فيها، ويكون هنا مسلماً عاصياً أو مسلماً آثمًا.