عاجل

القاهرة - نيقوسيا - أثينا

كرم جبر يكتب: لماذا حرص الرئيس القبرصي على مخاطبة الرئيس السيسي بـ«الأخ العزيز»؟

 الكاتب الصحفي كرم جبر رئيس الهيئة الوطنية للصحافة
الكاتب الصحفي كرم جبر رئيس الهيئة الوطنية للصحافة
قبرص تشرح لأوروبا وجهة نظر مصر في ملف حقوق الإنسان

المشروعات التي تم الإعلان عنها بشائرها طيبة على الشعبين

 الاحتفاء بالرئيس تتويج لدور مصر ومكانتها وزعامتها

زيارات الرئيس لطمة قاسية للذين يقامرون بمقولة «دور مصر»

تشامين ونيويورك وباريس ونيقوسيا محطات تؤكد أن مصر مقبلة

إشادة كبيرة بتجربة مصر فى مكافحة الهجرة غير الشرعية

القاهرة مفتاح الحل والربط في مـلفات الشرق الأوسط

اتفاق الرؤى حول ضرورة أن ترفع الجيوش الأجنبية يدها عن المنطقة

مصر تؤكد دعمها لقبــرص في نزاعها مع الأتراك


إنها مصر.. أينما ذهب رئيسها لأي مكان في الشرق أو الغرب، كان استقباله غير عادى بالحفاوة والترحاب، زيارته الأخيرة لقبرص كانت خير شاهد على ذلك، ويساعد على ذلك العلاقات التاريخية الممتدة منذ سنوات طويلة، فالرئيس جمال عبدالناصر سعى لتوطيد العلاقات مع قبرص، وكان يحمل تقديراً كبيراً للرئيس مكاريوس، ويدعم حرية واستقلال بلاده، وكذلك الرئيس السادات الذى أظهر حفاوته باستقبال الرئيس القبرصى فى منزله سنة 1974، وأعلن دعمه الكامل لتحرير واستقلال جزيرة قبرص، وضمان حقوق اللاجئين واحترام حقوق الديمقراطية لكل القبارصة.. ولنا بعض الملاحظات المهمة التى يجب أن نسجلها حول الزيارة.
أولاً: رسوخ العلاقات الوطيدة بين الرئيس المصرى والرئيس القبرصى، والصداقة الحميمة، لا ينطق الرئيس القبرصى اسم الرئيس عبدالفتاح السيسى إلا مسبوقاً بـ«الصديق العزيز» أو «الأخ العزيز» وكذلك الرئيس عبدالفتاح السيسى، الرئيس القبرصى زار مصر ست مرات، وكان أول رئيس يزور مصر بعد ثورة 30 يونيو، لتقديم الدعم والتأييد والمساندة، وشكل الرئيسان مظلة قوية لأوجه التعاون المشترك بين البلدين فى كافة المجالات، وامتد التحسن فى العلاقات إلى اليونان فأصبحت الدول الثلاثة حائط صد قوى يواجه مختلف الأزمات بروح التعاون والود والتفاهم.
ثانياً: المشروعات التى تم الإعلان عنها وبروتوكولات التعاون التى تم توقيعها، شملت مجالات الاتصالات والبترول والسياحة والغاز، وفيها بشائر طيبة تعود بالخير على الشعبين، والاجتماع الذى عقدته لجنة الأعمال المصرية القبرصية ساده تفاهم كبير، للعمل على زيادة الصادرات والواردات بأضعاف الرقم الحالى الذى لا يعبر عن عمق ومتانة العلاقات.
ثالثاً: رسخت القمة الثلاثية المصرية اليونانية القبرصية، أهمية التعاون المشترك فى مجالات هامة جداً، أهمها الاتفاق فى مجال الغاز الطبيعى والاكتشافات المنتظرة، والتنسيق ما بين الدول الثلاثة، لقطع الطريق على دول كثيرة جداً متآمرة وتحاول أن تعبث فى هذا الملف، فالصراع من أجل الغاز هو المقبل فى السنوات المقبلة، والحروب والصراعات والمنازعات التى كانت تنشأ من أجل البترول، ستصبح من أجل الغاز، الاتفاق بين الدول الثلاثة يسهل استغلاله وتصديره، وكان من الضرورى الاتفاق حول ترسيم الحدود، حتى لا تبقى قضايا متنازع عليها فى المستقبل، وهى خطوة جيدة ومبادرة جريئة قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسى ليحسم هذا الملف مبكراً، لأنه من المعروف أن هناك دولا كثيرة جداً تحاول العبث فى هذه القضية، وتثير فتناً وصراعات، مثل تركيا وقطر وإسرائيل، ودول أخرى تقف وراء هذا المشهد.
الدول الثلاثة توجه رسالة واضحة وقوية، بأن مصر واليونان وقبرص اتفقوا على أطر التعاون الوثيق فى مجال استغلال الغاز الطبيعى وكيف يمكن تسييله وتصديره، بما يعود بالمنفعة الكبيرة على الدول الثلاثة، وتأتى الثمار فى منتصف العام المقبل.
وفى مجال مكافحة الإرهاب، الدول الثلاثة هى الأقرب لدول شمال أفريقيا، وتلعب دوراً مهماً فى تنسيق تبادل المعلومات وتجفيف منابع الإرهاب وفى ضبط خلايا إرهابية، وتوافقت وجهات النظر تماماً على ضرورة تسوية النزاعات فى الأماكن الساخنة فى المنطقة مثل البؤر الليبية والسورية، وعدم فتح المجال لحروب جديدة أو صراعات جديدة، وضرورة أن ترفع الجيوش الغازية والدول الأجنبية يدها وتترك الشعوب هى التى تقرر مصيرها.. ولم تصبح مسألة التسوية خصوصاً فى الملف السورى تتوقف على ضرورة الإطاحة ببشار الأسد فقد أصبحت قضية ثانوية، المهم حماية الشعب السورى، وأن تكون هناك مناطق آمنة يتحقق فيها وقف لإطلاق النار، وتسهيل حياة المدنيين، وإقرار حقه فى أن يختار نظام الحكم.
قبرص واليونان لهما دور مهم جداً كمدخل لأوروبا من ناحية الجنوب، وتعهد الرئيس القبرصى أن تكون بلاده وسيطاً ينقل رسالة مصر إلى الاتحاد الأوروبى لتفسير بعض المواقف خصوصاً فى ملف حقوق الإنسان.. فالدول الأوروبية تأخذ مواقف ضد مصر غير مبررة وغير مفهومة، الدور القبرصى والدور اليونانى هو نقل الصورة الحقيقية والواقعية حول حقيقة الأوضاع فى مصر واحترام حقوق الإنسان، وأن مصر تعانى حرباً ضروساً وضارية، وأن الدول الأوروبية أحياناً تستخدم هذا الموضوع كنوع من الضغوط السياسية أو الابتزاز السياسى.
فى المقابل تساند مصر قبرص بشدة فى صراعها ضد الأتراك، وليست المشكلة القبرصية وليدة عام 1974، بل هى أقدم من ذلك بكثير إذ يعود عمرها الحقيقى إلى العقد الثانى من القرن التاسع عشر، آنذاك كانت الامبراطورية العثمانية هى رجل أوروبا المريض، وكانت أشبه بصيد ثمين لكل القوى الاستعمارية الطامعة، وأولها روسيا القيصرية.
بدأت الكنيسة القبرصية اليونانية بإثارة الاضطرابات، من أجل تحقيق الوحدة مع اليونان منذ عام 1825، غير أن الوالى التركى أخمد بسرعة استعداداتها للقيام بعصيان ضد الحكم التركى. واستأنفت الكنيسة اضطراباتها السياسية مع مجىء الحكم البريطانى، فمع وصول أول حاكم بريطانى فى 1878 طالب اليونانيون بتوحيد قبرص مع اليونان، لكن زعماء القبارصة الأتراك عارضوا هذا الأمر، مؤكدين أن قبرص ليست يونانية.
وفى ذلك الوقت قررت الولايات المتحدة ضرورة العمل على التقارب بين اليونان وتركيا. وتحت ضغط منها، وبنية البحث عن حل لمشكلة قبرص، قام المندوبون اليونانيون والمندوبون الأتراك، فى ديسمبر 1958، بأول اتصالات دبلوماسية بعد تبادل وجهات النظر الأولية، على أساس استقلال جزيرة قبرص واستبعد أمر اتحادها مع اليونان، وكذلك استبعاد أمر تقسيمها بين اليونانيين والأتراك.
وتعيش قبرص التركية عزلة اقتصادية وتجارية، كما لا يمكن السفر إليها بواسطة الطيران سوى عبر تركيا. وتحديداً عبر الخط الجوى الذى يربط مطار إسطنبول بمطار إيرجان فى الشطر القبرصى التركى من نيقوسيا. كما يوجد خط ملاحى يربط مدينة أضنة التركية بميناء كاريينا القبرصى، الذى يبعد نحو أربعين كيلومتراً.
وخلاصة، فإن القوى الحية فى المجتمع الدولى معنية بالدفع قدماً باتجاه بلورة وإنجاح المؤتمر الدولى حول القضية القبرصية، وذلك لمصلحة القبارصة أولاً، ومصلحة الأمن الإقليمى ثانياً وترى القاهرة أن حل القضية القبرصية لم يعد مصلحة دولية عامة وحسب، بل أضحى إحدى ضرورات الأمن القومى لعدد متزايد من دول شرق المتوسط.
وفى ملف الهجرة غير الشرعية، التى تعانى منها أوروبا كلها فقد بدأت كثير من الدول تفكر فى اتخاذ إجراءات عنيفة ضد المهاجرين  غير الشرعيين، ومعظمهم من دول شمال أفريقيا، على سبيل المثال فرنسا تنوى إصدار قانون أول العام المقبل فى منتهى القسوة، يسمح للسلطات المحلية توقيف المهاجرين والقبض عليهم وترحيلهم، وفرنسا تعرض بدائل بأن تقدم للمهاجرين خصوصاً من دول المغرب العربى مساعدات نقدية لإعادة الحياة من جديد فى دولهم.
مصر لها تجربة رائدة نالت الاستحسان، وهى افتتاح مزارع غليون السمكية والتى ستوفر كثيراً من فرص العمل، فقد كانت هذه المستنقعات أماكن هروب مراكب الموت إلى أوروبا محملة بالمهاجرين غير الشرعيين، تحولت الآن لأكبر مزارع سمكية فى المنطقة، وبدلاً من تصدير شباب يموتون فى البحر، توفر لهم نحو 15000 فرصة عمل.
أوروبا تفكر بهذه الطريقة، وأنها تعطى منح للمهاجرين بحيث إنهم يعودون لوطنهم الأصلى ويبدأون الحياة من جديد، لكن المشكلة أن الدول الأصلية ترفض عودة مهاجريها، بعكس مصر هنا كلما تحسنت الحياة الاقتصادية والظروف تتراجع معدلات النزوح إلى الدول الأوروبية.
زيارة الرئيس لقبرص جاءت لتتوج زعامة مصر، والمكانة الرفيعة التى يتمتع بها رئيسها أينما ذهب، فأدوار الدول لا تُشترى بالأموال ولا بالمؤامرات، وإنما بالتاريخ والجغرافيا والزعامة والشعب والرموز، ومصر تتوافر لديها كل إمكانيات الصعود، رغم أنف الحاقدين والمتآمرين، الذين كانوا يعايرون بعبارة «أين دور مصر».. وأعداء الداخل أشد كراهية من أعداء الخارج، وزيارات الرئيس الناجحة واستقباله بهذا الحجم لطمة قاسية على كل من يزايد على دور مصر.
دور مصر حاضر أينما ذهب رئيسها، فمنذ أسابيع كان فى الصين فى قمة بريكس، واستقبله زعماء الصين وفيتنام وجنوب أفريقيا والهند، بالحفاوة والتقدير، وأشادت القمة التى عقدت فى تشامين بالتقدم الذى تشهده البلاد، خصوصاً فى مجالات البنية الأساسية والمشروعات الكبرى.. وأصبحت مصر مرشحة بقوة للانضمام لهذا التكتل الاقتصادى العالمى الجديد، الذى سيغير موازين القوى الدولية، ويبشر بمولد نظام اقتصادى جديد، لن تتخلف عنه مصر، خصوصاً وأن دول التحالف تمد يدها للتعاون معها.
ثم كانت زيارة الرئيس لنيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة، وملخص الاجتماعات المكثفة التى عقدها الرئيس، هى أن مصر رقم حاضر بقوة فى كل ما يحدث فى منطقة الشرق الأوسط، وفى يدها الحل والربط، فلم تتحرك القضية الفلسطينية من قفصها الحديدى إلا بعد تدخل مصر بقوة فى ملف المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، وأدركت جميع الأطراف أن مصر هى الدولة الوحيدة القادرة على رأب الصدع الفلسطينى.
وفى نيويورك تغيرت مفاهيم وسادت سياسات جديدة فى الأزمة السورية، وأصبح الجميع مدركاً لضرورة عدم توسيع دائرة الحرب ووضع حد لمعاناة الشعب السورى، ونجحت مصر فى تحقيق وقف إطلاق الغاز فى جنوب دمشق برعايتها وثقة مختلف الأطراف فى وساطتها.
واستكملت التحركات المصرية دورها الفاعل فى زيارة الرئيس لباريس، ووقوف فرنسا الحاسم والحازم بجانب الموقف المصرى فى كل الملفات المطروحة، وأهمها حقوق الإنسان، وإدراك الرئيس الفرنسى أن مصر تواجه حربا غير مسبوقة، ولا يملك أحد أن يتدخل فى شئونها، أو أن يُملى عليها إرادته.
إنها مصر وهذا هو دورها وهذه هى مكانتها، مهما حاول أهل الشر أن ينالوا منها، ولكن رايتها ترتفع دائماً فى السماء.