عاجل

"الحب فوق رؤوس الموتى".. سكان المقابر يتحدثون عن الجنس والفقر والعفاريت

تربوا على أصوات صراخ توديع الموتى، ولم يجدوا بديلا سوى أحضان الهياكل العظمية للعيش معها، يدفنون الجثث صباحًا، ثم يشاهدون طوابير متعاطي المخدرات والدعارة ليلا، فهم أحياء عند ربهم أموات بين البشر.

سكان مقابر «باب النصر» يعيشون خلف سور يفصلهم عن العالم الحقيقي، والذي مثل جدارًا عازلا عن تنفس هواء الأحلام، وأصبح حلمهم الوحيد أن يشق الفجر ليلهم دون أن يعتدي عليهم أحد المدمنين.

الحب وحده لا يكفي

بعيونها اللامعة وشعرها المتطاير، قالت »ندى - 28 عامًا» إنها تعرفت على زوجها منذ 10 سنوات، وكانت تعلم أنه يعمل تربي ورغم رفض أهلها لها إلا أنها أًصرت على الزواج منه والعيش معه في المقابر.

وأضافت «ندى» أنها تعيش مع زوجها أسعد أيام حياتها، ورزقت منه بطفلين إلا أنها دائمًا ما تشعر بالقلق، عندما يأتي الليل وزوجها خارج المنزل فلا تستطيع أن تنام من الخوف على أطفالها.
وأكدت ندى أنها كانت لا تتخيل أن تعيش في غرفة مترين في مترين داخل المقبرة، ولكن الحب يفعل المعجزات، ورغم ذلك فالحب لم يمح شعورها بالخوف ليلة واحدة، في وجود المدمنين حولها.

الرذيلة داخل المقابر

في البداية، قال «عادل - 28 سنة – تربي» إنه يعمل في هذه المهنة، منذ أن كان عمره 14 عامًا وورثها عن أبيه، ولديه طفلين يعيشان في محافظة ثانية؛ حيث أنه لا يستطيع أن يحضرهما للعيش معه خوفًا عليهما من مخاطر المقابر.

وأضاف: «المقابر ليلا تنقلب وكرًا لتعاطي المخدرات بجميع أنواعها»، مؤكدًا أن كثيرًا من الرجال والنساء يمارسون الأعمال المنافية للآداب والتي تحدث أحيانًا داخل المقبرة، قائلا: «كنا في مرة بنفتح قبر عشان ندفن حد ميت وفوجئنا باتنين بيمارسوا الرذيلة سوا جوه القبر».

واستكمل التربي حديثه، قائلا: «أسعار المقابر في هذه المنطقة يتراوح ثمنها ما بين 30 و40 ألف، وليس لها أجر ثابت فهي تختلف حسب أهل الميت»، موضحًا أن كل تربي يكون مسئولا عن عدد من المقابر يدفن فيها الموتى ولا يمكنه دفن جثة في مقبرة غير مسئول عنها.

ومن ناحية الطقوس الغربية التي شهدها أثناء الدفن، قال عادل إنه كثيرًا ما يرى بعض السيدات يدفن معهن بعض المشغولات النحاسية، اعتقادًا من أهل المتوفى بأن هذه المشغولات يجب أن ترافقه في مماته مثلما كانت معه في الدنيا وأنها ستحميه من العذاب.

حلم الشقة والمعاش

بينما ذكرت «الحاجة فوزية - 77 عامًا» أنها تعيش في مقابر باب النصر منذ 50 عامًا، وكانت تقوم بتنظيف المقبرة، وزوجها كان يعمل تربيًا؛ لكنه توفي منذ 15 سنة، ولا تجد أحدًا يهتم بها، حتى أولادها مشغولين بحياتهم الشخصية ولا يسأل أحدهم عنها، وفي وقت سابق أصيبت بجلطة، فأصبحت عاجزة عن الحركة ولا تستطيع أن تعمل، ولكن بعض أهالي المقابر يهتمون بها ويصرفون عليها.

وأضافت أنها بمجرد أن يأتي الليل، تسمع المدمنين يتعاطون المخدرات بالخارج بجميع أنواعها، وتعرضت للأذى من أحدهم عندما كسر باب غرفتها وحاول سرقتها؛ لكن لم يجد معها شيئا فضربها وهرب.
وأعربت عن رغبتها الشديدة في مساعدة الحكومة لها، قائلة: «كل طلباتي معاش وشقة صغيرة عشان أحس بالأمان».

جيرة الثعابين والعقارب

تشقق وجهها وعلامات الزمن تحاصرها من كل الجوانب، ليس فقط في الملامح وانحناء جسدها؛ لكن أيضًا بما تعلمته من دروس وتجارب روتها الحاجة «أم فاطمة» البالغة من العمر 60 عاما.

بدأت أم فاطمة كلامها، قائلة: «ولدت في المقابر وعشت وتزوجت فيها، ومنذ 10 سنوات توفي زوجي التربي، ولكنني لست وحيدة فمعي 5 بنات وأحفادي».

وأضافت أم فاطمة أنها تعمل منظفة للمقابر، وجيرانها في المكان العقارب والثعابين؛ حيث إن الثعابين تظهر دائما لها في الصيف، وتلدغ من يأتي أمامها لا تفرق بين صغير أو كبير.

وقالت إنها عايشت الكثير من المواقف المؤثرة على مدار حياتها في المقابر، ومن بينها وفاة شاب قبل زفافه بيوم واحد فقط، حتى أن عروسه حضرت الجنازة بفستان الزفاف.

ما عفريت إلا بني آدم

«ما فيش حاجة اسمها عفاريت».. جملة أكدها طارق صاحب الـ49 عامًا، والذي يعمل تربي، قائلا: «ده كلام أفلام ما عفريت إلا بني آدم».

وأضاف طارق أن الجميع يعيش في المقابر منذ سنوات عديدة، لم يحدث وأن يتحدث أحدهم عن مشاهدة أي شيء غريب أو التحدث بشأن وجود الجن أو العفاريت.