ورقة وقلم

ياسر رزق يكتب ..«ريس المركب» .. في «غليون» الخير

الكاتب الصحفي ياسر رزق رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم
الكاتب الصحفي ياسر رزق رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم

مئات الأسماك كانت تتقافز من ثنايا شبكة عملاقة يجذبها نحو دستة من الصيادين الشبان الطيبين في مياه أحد أحواض مشروع «غليون»‬ للاستزراع السمكي، ومعها فرحة عارمة تقفز من صدور حضور المشهد وفي قلبهم الرئيس عبدالفتاح السيسي، لا تلجمها هيبة موقف، ولاحساسية منصب، ولا اعتبارات بروتوكول.
المكان ينبض بالحياة، الوجوه تضيء بالبهجة، الألسنة تلهج بالحمد، والقلوب مترعة بالأمل.
»‬الأمل المصري» هو عنوان الملفات الثلاثة لبرنامج المرشح الرئاسي عبدالفتاح السيسي، التي نقل إليها منذ قرابة 4 سنوات، حلمه لبلاده، وأمله في تقدمها، ورؤيته لمستقبلها، في صورة برامج مدروسة ومشروعات مرتبة بمراحل، وموقوتة بزمن، ومحددة بتكاليف، استعان في وضعها بخبراء مصريين استمع إليهم في جلسات نقاش مطولة حول واقع مصر ومستقبلها.
في هذه الملفات، التي أطللت عليها بسرعة، في لقائي مع المرشح الرئاسي عبدالفتاح السيسي منذ 42 شهراً بالضبط، كل ما شاهدناه من إنجازات، وما سوف نشاهده - بإذن الله - في الشهور الستة المقبلة في كل المناحي.
ومنها مشروع استصلاح مليون ونصف المليون فدان، ومشروع الصوب الزراعية، ومشروع تربية المليون رأس، وكذلك مشروع الاستزراع السمكي وواسطة عقده مزرعة »‬غليون» السمكية العملاقة.
• • •
كان الصيادون الشبان، ينادون الرئيس السيسي وهو يقف خلفهم قائلين: »‬يا ريس»، اعتادوا هم استخدام الكلمة في مخاطبة ربان سفينتهم أو ريس المركب، الذي يبحر بهم في عباب البحر، بحثا عن الرزق، وسط العواصف والأنواء، يمسك الدفة، ويرشدهم إلي مكان الخير الوفير، يشرف عليهم ويعمل معهم بيديه، ولا يتركهم أبداً، حتي يرسو بهم في المرفأ، محملين بما يجود به عليهم الرزاق.
هؤلاء الصيادون، ومعهم الجانب الأكبر من 5 آلاف عامل في مزرعة »‬غليون»، يعرفون أن هذا المشروع أنقذهم من مراكب الهجرة إلي الموت غرقاً في عرض البحر، وأوجد لهم باب رزق تحت شمس بلدهم وسط أهاليهم، في منطقة كانت أكبر مراكز تصدير الهجرة غير الشرعية، ثم ودعتها إلي غير رجعة.
لهذا السبب، ومعه عوامل الموقع واقتصاديات المشروع، اختيرت منطقة »‬غليون» لتكون مركزاً لأكبر مشروع سمكي في الشرق الأوسط.
تلك المنطقة كانت منطلقاً إلي الموت، وصارت مصدراً للحياة.
• • •
حينما سألت المرشح الرئاسي السيسي في مايو 2014 عن المهمة المباشرة التي يريد إنجازها خلال السنوات الأربع للرئاسة إذا فاز بثقة الشعب.. أجاب بالحرف: »‬المهمة المباشرة هي الخروج بملايين الفقراء من دائرة الفقر، ثم تأتي بعد ذلك المهمة الرئيسية وهي بناء الدولة الحديثة، والانطلاق نحو المستقبل الذي يستحقه المصريون علي صبرهم إزاء الفقر والعوز».
يؤمن السيسي بأن توفير فرص العمل هو السبيل الحقيقي لخروج الفقير من دائرة العوز. لذا كان تركيزه علي مشروعات البنية الأساسية كأولوية متقدمة من زاويتين.
- الأولي أنها توفر ملايين فرص العمل للمؤهلين وغير المدربين علي السواء، وقد وفرت حتي الآن قرابة 4 ملايين فرصة عمل، بينما إنشاء مصنع حديد جديد مثلاً يستغرق حتي تشغيله ما بين 3 إلي 5 سنوات، ويتكلف عدة مليارات من الجنيهات، ويوفر في حدود 3 آلاف فرصة عمل لا غير.
- والثانية أنها تهيئ المجال لجذب الاستثمار وإقامة المناطق الصناعية فضلاً عن تحسين مستوي حياة الناس، سواء في الكهرباء والطاقة أو الطرق أو المواني أو المطارات أو المدن الجديدة.
يدرك السيسي أيضاً أن مشروعات التشييد وبناء المدن الجديدة، فضلا عن ضرورتها الحتمية لاستيعاب الطلب علي الإسكان من الشباب ولخلخلة التكدس السكاني في العاصمة والوادي، هي قاطرة للتوسع في الصناعات القائمة وإنشاء مصانع جديدة لتلبية متطلبات هذه المدن والمساكن، سواء في مواد البناء ومستلزمات التشطيب والتأثيث والفرش والأجهزة الكهربائية والمنزلية وغيرها.
بمعني آخر.. إن صناعة التشييد بجانب توفيرها فرص عمل كثيفة، تفتح فرص عمل غير مباشرة في الصناعات المرتبطة بها.
لذا.. كان الرئيس السيسي واضحا في ردوده علي أسئلة مراسلي وكالات الأنباء العالمية والإعلام المصري في لقائه معهم في شرم الشيخ مؤخرا، وهو يؤكد ضرورة المضي في هذا النهج، من أجل توليد ملايين فرص العمل للمصريين، وضمان فتح أبواب الرزق لهم ولأسرهم في وقت لا نملك فيه ترف الانتظار.
أما من لا يقوي علي العمل أو غير قادر علي الكسب من كبار السن والأرامل وربات الأسر وذوي الإعاقة، فقد كانوا الهدف من وراء إطلاق معاش كرامة وتكافل وتوسيع مظلته ليشمل مليوني أسرة حتي الآن.
• • •
يعرف الرئيس السيسي معاناة الأسر المصرية من الطبقة المتوسطة ومحدودة الدخل من ارتفاع الأسعار، وزيادة حدة الغلاء خاصة بعد تحرير سعر الصرف، في بلد يستورد معظم غذائه من الخارج، ويعلم أن ضبط الأسواق بالأسلوب التقليدي ليس كافيا، وأن هدف خفض أسعار السلع أو علي الأقل تثبيتها وعدم جموحها، يتطلب عرض السلع الغذائية بكميات تلبي حجم الطلب المتزايد عليها، مما يحد من انفلات أسعارها، بل يؤدي إلي خفضها، ويكبح جشع المغالين ونهازي الفرص.
لذلك.. انتهج السيسي مسارين متوازيين، الأول هو قيام الدولة عن طريق القوات المسلحة باستيراد كميات من السلع الغذائية وعرضها في المجمعات، أو من خلال العربات المتنقلة لبيع السلع، والثاني هو إنشاء مشروعات عملاقة لتوفير اللحوم والدواجن والأسماك والخضر والفاكهة والحاصلات.
وعلي هذا الدرب، تم البدء في استصلاح مليون ونصف المليون فدان، وإنشاء 20 ألف صوبة حتي يونيو المقبل تعادل إنتاج 200 ألف فدان، كمرحلة أولي لإنشاء 100 ألف صوبة تعادل إنتاج مليون فدان، وتوفير الخضر والفاكهة بأسعار معقولة في الأسواق.
واستيراد نحو 200 ألف رأس ماشية حتي يونيو الماضي ضمن مشروع استيراد مليون رأس، لتوفير اللحوم والألبان بأسعار في متناول الأسرة المصرية، بجانب إنشاء سلسلة من المزارع السمكية في منطقة القنطرة شرق وشرق بورسعيد وجربوب بمطروح، وأقفاص الأسماك بالبحر المتوسط، بهدف توفير أسماك ذات جودة عالية وأسعار معقولة، ربما تغير العادات الغذائية للمصريين.
• • •
الأرقام التي أعلنها اللواء مصطفي أمين مدير عام جهاز مشروعات الخدمة العامة للقوات المسلحة في الاحتفال بافتتاح المرحلة الأولي لمشروع »‬غليون» تكشف حجم الفجوة الغذائية من اللحوم الحمراء والبيضاء.
نحن نستورد قرابة 70٪ من احتياجاتنا من لحوم الماشية والأغنام، و6٪ من احتياجاتنا من الدواجن، و13٪ من احتياجاتنا من الأسماك.
إذا أخذنا نموذج الأسماك، فإن وارداتنا منها تصل إلي ملياري دولار سنوياً، أي حوالي 36 مليار جنيه، ولو علمنا أن المزارع السمكية الجديدة ستؤدي إلي خفض الواردات بنسبة 25٪، لأدركنا بحسبة بسيطة أنها ستوفر علينا نصف مليار دولار أي حوالي 9 مليارات جنيه بالعملة الصعبة، فضلاً عن فرص العمل التي توفرها هذه المشروعات.
ومع تلك المزارع الصناعية السمكية، يجري العمل في تطوير المزارع الطبيعية وهي بحيرات مصر علي ساحلها الشمالي كالبردويل والمنزلة والبرلس وغيرها في الجنوب كبحيرة ناصر.
تطوير بحيرة المنزلة وحدها يتكلف 50 مليار جنيه لتطهيرها وإزالة التعديات عليها وإنشاء محطات معالجة مياه الصرف الصحي والزراعي والصناعي التي تلقي في المصارف المؤدية إليها، وتدمر الثروة السمكية بها.
• • •
فكر مختلف عما عهدناه في المشروعات علي أرض مصر، وجدناه في مشروعات الاستزراع السمكي واستصلاح الأراضي وتربية الماشية.. هو تكامل منظومة الإنتاج بكل عناصرها وتحقيق أعلي قدر من القيمة المضافة لكل مشروع.
علي سبيل المثال.. رأينا في مشروع »‬غليون» مراكز البحوث والتطوير، يعكف علي العمل فيها باحثون مصريون ينهضون بأبحاثهم وأفكارهم بعملية استزراع الأسماك وفق أحدث التكنولوجيات، رأينا مصانع الأعلاف، لتغذية زريعة الأسماك ويرقات الجمبري، ومصانع التجهيز، ومصانع انتاج الشكائر عبوات الفوم، ومصانع انتاج الثلج بأنواعه.
مثلما رأينا في مزرعة الفرافرة، المجتمعات المتكاملة الزراعية والصناعية والسكنية، ومثلما سنري في باكورة مشروع المليون رأس ماشية أحدث المجازر للذبح والتقطيع والتبريد والتعبئة وتجهيز الجلود للتصنيع، وحلب الألبان وتصنيع منتجاتها وتعبئتها وتغليفها.
• • •
هذه المشروعات العملاقة متكاملة العناصر، ما كانت لتري النور، لولا أنها أسندت للقوات المسلحة، تماماً كمشروعات الطرق والمرافق والتشييد والبناء، ما كانت لتنجز بهذا القدر الذي رأيناه من كفاءة، ولا في هذا الزمن القياسي الذي تحقق، لولا أنها كانت تحت إشراف الجيش.
ولا أظن أن ملايين المصريين ومئات الشركات، كانوا سيجدون فرص التشغيل بهذا الحجم، ومجالات العمل بهذا الاتساع، لولا ثلاثية الانضباط والدقة وكفاءة الإدارة التي تتحلي بها العسكرية المصرية.
وليس عندي أدني شك في أن الذين لا يروقهم دور الجيش المصري المملوك لشعب مصر في دفع عجلة التنمية بمصر، هم أنفسهم الذين يكيدهم تعاظم قدرته علي الدفاع والردع وصون المصالح الحيوية المصرية، ويملأ قلوبهم غيظاً إيمانه برسالته المقدسة الأبدية في حماية إرادة الشعب.
• • •
يعتبر الرئيس السيسي كل ما تحقق في مصر بفكره وتحت قيادته، مجرد خطوة علي طريق الألف خطوة لبناء مصر الحديثة. ربما هو يبخس حقه، لكنه يرفع الأسقف عن طموحاتنا وتطلعاتنا لهذا البلد.
لست أظن السيسي يحتاج بهذه »‬الخطوة الواحدة» التي قطعها، من شق قناة السويس الجديدة إلي شق أحواض غليون وما بعدها، لتقديم كشف حساب.
بل ننتظر منه ملفات جديدة في سلسلة »‬الأمل المصري».

سن القلم

• أعرف اللواء حمدي بدين منذ ثلاثين عاماً أو أكثر. هو رجل موقف وكلمة، ومقاتل بطبعه.
هكذا كان في قوات الدفاع الجوي طوال مشوار عمره، وفي الشرطة العسكرية التي تولي إدارتها في أصعب مرحلة مرت بها البلاد أثناء ثورة يناير وما بعدها، وكان خروجه من منصبه واحداً من أول مطالب محمد مرسي بعد أسابيع من تسلله في جنح الأوضاع إلي قصر الاتحادية.
لكني في الحقيقة لم أكن أعرف عن اللواء بدين هذه المقدرة الرفيعة - في إدارة الشركة الوطنية للثروة السمكية وباكورة إنجازاتها مشروع »‬غليون» - التي تضارع قدرته علي إدارة أعمال القتال ضد الأهداف الجوية المعادية. رأيت اللواء بدين أمس الأول بعد افتتاح مشروع »‬غليون» السمكي العملاق، أكثر شباباً مما رأيته قبل ثلاثة عقود، وأشد تصميماً علي العمل والإنجاز. تسلم يداك يا »‬أبومحمد».

• الفريق يونس المصري قائد القوات الجوية، حفر لنفسه بعطائه وفكره وقدراته القيادية، مكانة رفيعة كأحد أهم قائدين لسلاح الجو المصري عبر تاريخه.
يحظي الفريق يونس بمحبة واحترام رجاله، وبتقدير كل من عرفه واقترب منه، لتواضعه الجم وأناقته في الحديث ورقيه في التعامل.
أتوقع أن نسمع قريباً أخباراً سارة عن قواتنا الجوية التي شهدت في عهده طفرة كبري تدريباً وإعداداً.. وتسليحاً.

•  التقيت مؤخراً باللواءين نبيل شكري قائد قوات الصاعقة في حرب أكتوبر، ومحمود عبدالله قائد المظلات، وشعرت بالخجل لأني نسيت اسميهما وأنا أكتب عن رجالات أكتوبر. عزوت النسيان إلي السرعة، لكن يبدو أنه السن وأنا أعدو بعنف بين سنوات الخمسينات من العمر.
النسيان كلمة ليست في قاموس الرجلين اللذين يتمتعان بذاكرة فوتوغرافية تحفظ الأسماء والأشياء والمعارك خاصة معارك أكتوبر كما لو كانت مشاهدها تدور أمامهما.
وجدتهما شابين في سنوات الثمانين، حماساً وعشقاً لتراب هذا البلد وأملا دافقاً واثقاً في مستقبله، وأيضا قبضة رجال القوات الخاصة المعروفة عند المصافحة!
متعهما الله بالصحة والعافية.

• أعتز كثيراً بصداقة الدكتور هشام الشريف وزير التنمية المحلية، منذ عرفته قبل سنوات، خبيراً رائداً في مجال المعلومات، ومثقفاً موسوعياً، ومتذوقاً راقياً للآداب والفنون.
الدكتور هشام كان دينامو مؤتمر أخبار اليوم الاقتصادي، وأحد عناصر نجاحه، بالمشاركة الفعالة في جلساته بحكم منصبه كوزير، وبمداخلاته القيمة في النقاش حول مختلف القضايا، ولعلي استغللت صداقتي له في إصراري علي حضوره جلسات اليوم الأخير، حتي قرب منتصف الليل، رغم علمي أنه بدأ يومه من الخامسة صباحاً بمهمة عمل ومتابعة في الإسماعيلية وبورسعيد.

• عفو الخاطر.. أذكر الأستاذ محمد حسنين هيكل وأنا أكتب الآن. دائما أتذكره في اللحظات السعيدة، وفي المواقف الصعبة علي السواء. أفتقده كثيراً، أفتقد بغيابه رؤية المستقبل من قراءة التاريخ، وحكمة الفيلسوف المفكر في حومة الجهل والادعاء.
أظنه لو كان بيننا أسعد الناس بما تحقق علي أرض مصر، علي يدي الرئيس السيسي. لقد كان أول من راهن علي شخصية الجنرال الشاب عبدالفتاح السيسي منذ رآه لأول وهلة، وأول من تنبأ بأن قدر مصر سيكون مع هذا الرجل الذي أصفه دائما بأنه رجل الأقدار.