12 شهرًا على تحرير سعر صرف الجنيه المصري .. قراءة تحليلية

طارق عامر - محافظ البنك المركزي
طارق عامر - محافظ البنك المركزي
مضى عام كامل على قرار البنك المركزي المصري، بتحرير سعر صرف الجنيه تحريرًا كاملاً أمام العملات الأجنبية للمرة الأولى في تاريخ مصر.

واستهدف البنك المركزي، من تحرير سعر الصرف كإجراء إصلاحي؛ معالجة التشوهات الموجودة في سعر الصرف، والقضاء على السوق السوداء للعملة، وبناء ما فقدته مصر من فوائض ومدخرات في الاحتياطي الأجنبي، وتوفير العملة الأجنبية والذي ظهر واضحًا في ارتفاع الاحتياطي النقدي بالبنك المركزي بقيمة بلغت نحو 17.5 مليار دولار خلال الفترة من أكتوبر 2016 وحتى سبتمبر 2017 ليسجل 36.5 مليار دولار وهي مستويات ديسمبر 2010، بخلاف ارتفاع الاحتياطي الأجنبي في البنوك بقيمة بلغت 10 مليار دولار، بجانب توفير نحو 56 مليار دولار من فاتورة الواردات، وتحقيق 13.7 مليار دولار فائضًا في ميزان المدفوعات.

وبعد مرور عام كامل على القرار التاريخي بتحرير سعر الصرف .. نحلل الوضع الاقتصادي لمصر قبل إجراء التعويم وتحديدًا بداية من تولي طارق عامر مسئولية البنك المركزي المصري في نوفمبر 2015.

 ونرصد في تحليلنا المؤشرات الاقتصادية في مصر بعد التعويم، والمستهدف تحقيقه في 2018، خاصة مع إصدار صندوق النقد الدولي في أكتوبر 2017، تقريره عن آفاق الاقتصاد العالمي، والذي توقع فيه تشديد الأوضاع المالية العالمية بدرجة أسرع وأكبر، وأن ذلك قد يأتي في شكل ارتفاع في أسعار الفائدة طويلة الأجل بالولايات المتحدة وبلدان أخرى بسبب استعادة السياسة النقدية العادية بوتيرة أسرع من المتوقع أو اتساع فروق العائد على الاستثمار طويل الأجل؛ مما يتسبب في تداعيات سلبية بالنسبة للاقتصاديات الضعيفة، ولكن مصر بعد إجراء الإصلاح الاقتصادي أصبحت مستعدة بشكل أكبر لتشديد الأوضاع المالية.


حلول جذرية 

تولي طارق عامر مسئولية البنك المركزي في نوفمبر 2015، بعد 5 سنوات من تدهور ميزان المدفوعات وعجز الموازنة، الأمر الذي أدى في النهاية المطاف لفقد جزء كبير من الاحتياطي النقدي وصرف ما يتجاوز الـ 600 مليار دولار أنفقتهم مصر خلال الـ 7 سنوات الماضية لمواجهة متطلبات المواطنين دون وجود غطاء نقدي؛ لذلك قدم البنك المركزي، اقتراحا لوضع حلول جذرية لمعالجة الاختلالات النقدية وليس وضع حلول مؤقتة لتسكين الوضع.

وبدأ البنك المركزي يتحرك في اتجاه تصحيح أوضاع السياسة المالية والنقدية، وكانت باكورة القرارات؛ هي قرار البنك المركزي بزيادة الحد الأقصى للإيداع بالعملات الأجنبية في البنوك للسماح باستيراد السلع والمنتجات ومستلزمات الإنتاج في يناير 2016، أعقبها مجموعة من الإجراءات لإزالة القيود على حركة الدولار والعملات الأجنبية؛ استعدادًا لإجراءات هيكلية لحل مشكلة سعر الصرف من جذورها، بعد موافقة القيادة السياسية "الرئيس عبد الفتاح السيسي" على وضع برنامج إصلاح اقتصادي مصري قوي مدته 3 سنوات، وتم التنسيق مع وزارة المالية بعد إجراء العديد من المشاورات مع المستثمرين الأجانب الراغبين في الاستثمار بمصر والذين طالبوا بإجراءات هيكلية، وبعد ذلك بدأ التشاور مع صندوق النقد الدولي كضامن للبرنامج الاقتصادي المصري ومصداقيته أمام العالم مع وضع جدول زمني لتنفيذ البرنامج.

بدأت الإصلاحات الهيكلية بقرار البنك المركزي في 14 مارس 2016 بتحريك سعر صرف الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية بقيمة 112 قرشًا، وصاحبه رفع أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض؛ للحد من آثار تخفيض قيمة الجنيه التضخمية، ولكن ذلك لم يكن كافيا، وواصل الدولار رحلة صعوده أمام الجنيه حتى بلغ ذروته في سبتمبر 2016 ووصل سعره في السوق الموازية 20 جنيهًا في الوقت الذي كان يباع في البنوك بـ 8.85 جنيه، وبلغ التضخم 13.5%، لأن هذا القرار كان يجب أن تصاحبه مجموعة أخرى من الإجراءات وهو ما لم يتم؛ مما أدى لتفاقم الأوضاع ولم يكبح زمام الدولار ، لذلك تم التشاور مع عدة جهات في الدولة لتنفيذ برنامج متكامل لضمان نجاح الإصلاح الاقتصادي.

3 نوفمبر 2016 بداية الإصلاح

قامت بعثة من البنك المركزي المصري، بتقديم تقرير لصندوق النقد الدولي، عن برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري، وتمت الموافقة على منح مصر قرض قيمته 12 مليار دولار لدعم الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية لدى البنك المركزي، بعد قيام البنك المركزي بتحرير سعر صرف الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية تحريرًا كاملًا في 3 نوفمبر 2016، وتبعه إعلان الحكومة تخفيض الدعم على المحروقات وأسعار الكهرباء، وكان لدى قيادة البنك المركزي، توقعًا لما سيحدث سواء إيجابيًا أو سلبيًا والمفاجأة أن نتائج الإصلاح كانت إيجابية بالنسبة للتدفقات المالية والنقدية التي بلغت 19 مليار دولار تدفقات مالية أجنبية غير مباشرة في صورة سندات وأذون خزانة.

2017 عام الصعوبات

شهد النصف الأول من عام 2017 آثارًا إيجابية في ميزان المدفوعات ككل، وتراجع العجز في ميزان المعاملات الجارية بقيمة بلغت 4.2 مليار دولار ليسجل في الفترة من يونيو 2016 وحتى يونيو 2017 نحو 15.6 مليار دولار مقابل 19.8 مليار دولار عن نفس الفترة من العام السابق، كما ارتفعت إيرادات السياحة في الـ 9 أشهر الأولى من 2017 ، بنسبة 200% بالمقارنة بنفس الفترة من العام 2016 ، لتسجل 5.3 مليار دولار، بالإضافة لـ 56 مليار دولار حصيلة تنازلات المصريين عن العملة الأجنبية، وارتفاع تحويلات المصريين العاملين بالخارج لـ 17.4 مليار دولار خلال الفترة من نوفمبر 2016 وحتى سبتمبر 2017، بالإضافة إلى تراجع الواردات وارتفاع الصادرات لبعض القطاعات، كنتيجة أساسية لارتفاع سعر الصرف، وإعادة ضخ الغاز للمصانع نتيجة التزام البنك المركزي بدفع مستحقات الشركات الأجنبية علما بأن باقي المستحقات لا تتجاوز الـ 2.3 مليار دولار، سيتم سدادها بالكامل في 2018، ومع بداية 2019 لن تكون هناك مستحقات للشركات الأجنبية .

 وتبقى النتيجة السلبية الأساسية والرئيسية لقرار تحرير سعر صرف الجنيه وتطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي، هي ارتفاع الأسعار بشكل كبير تراوح من 30 إلى 100% لبعض المنتجات، وبالتالي ارتفاع التضخم السنوي العام الذي وصل لمعدلات غير مسبوقة مسجلاً نحو 31.6 %، بنهاية سبتمبر الماضي، ولكنه سجل في نفس الشهر تراجعًا شهريًا بلغ 1% ، ومن المتوقع أن يسجل التضخم مع نهاية العام الجاري نحو 26% وهو ما يتوافق مع مستهدف البنك المركزي الذي أعلنه في يوليو الماضي والذي يدور حول 13% بنهاية العام المالي 2018، ثم انخفاضه بصورة أحادية في 2019.

3 مهام للمجموعة الاقتصادية لجني الثمار 

تستهدف وزارة المالية في 2018، تحقيق فائض أولي لأول مرة منذ 10 سنوات بالموازنة العامة للدولة؛ بما يؤدي إلى تحقيق طفرة وتغير جذري في نظرة المستثمر الخارجي لمصر، خاصة وأنه من المقرر إجراء انتخابات الرئاسة في منتصف 2018، وفي حالة استمرار مصر في تنفيذ برنامجها للإصلاح الاقتصادي؛ مما يعطي رسالة قوية للعالم الخارجي أن مصر جادة في خطوات الإصلاح الاقتصادي التي بدأتها في 3 نوفمبر 2016 .

وينتظر من وزارة الاستثمار، القيام بدورها في جذب المستثمرين من القطاع الخاص محليًا وأجنبيًا، خاصة بعد اعتماد لائحة الاستثمار، وقيام الدولة بإنشاء بنية أساسية ضخمة من طرق وكهرباء وغاز ، بجانب مجموعة من التشريعات، من المتوقع أن تؤدي إلى انطلاق القطاع الخاص في الاستثمار.

كما يستهدف البنك المركزي، تخفيض الدين العام الخارجي، وتخفيض التضخم لـ 13% وهي معدلات ما قبل التعويم، ولذلك يعمل البنك المركزي بصورة دورية مع البنوك وهذا يشمل القانون الجديد لإحكام الرقابة والتوسع في تمويل مشروعات القطاع الخاص؛ وخاصة الصغيرة، والمتوسطة، ومتناهية الصغر، والتأكد من تطبيق البنوك لمعايير بازل "3" والتي تتضمن كفاية رأس المال والسيولة، ليكون للبنوك رأسمال قوي، كما يسعى البنك المركزي؛ للتوسع في تطبيق الشمول المالي بهدف جذب فئات المهمشين ماليًا إلى فتح حسابات بنكية؛ للقضاء على ظاهرة النصب وتوظيف الأموال .