صفقة في ميدان التحرير

مجنونة أم انتابتها لوثة، لم تتذكر يوماً بأنه كان حملا في أحشائها، ونسيت ضعف طفولته ومسكنة صغره، ولا يزيدها نموه إلا ثقلًا وضعفاً.
مشادة كلامية نشبت بين الزوجة وزوجها، تركت على إثرها المنزل، ورأسها مثقلة بالتساؤلات تحتضن طفلها الصغير البالغ من العمر (عام وشهرين) بينما تمسك طفلتها الصغيرة أيضا ابنة الـ 3 سنوات، بذيل فستانها تتطلع إلى المارة والسيارات ببراءة شديدة ولم تكن تعلم بأنها ستكون السبب في كشف ستر أمها التي تجردت من كل مشاعر الأمومة.
جلست الأم فوق أحد مقاعد موقف الأتوبيس بميدان التحرير، تتقاذف الأفكار في رأسها، وعصفت بها رغبة جامحة في التخلص من الطفل الصغير الذي أصبح شبحاً يهدد حياتها ويعوق عملها بمحل الكوافير الذي تمتلكه حيث أنه دائم الصراخ واللهو داخل المحل أو المنزل وتسبب في خسائر وتهشيم معظم أدوات عملها بالكوافير، وازعاج الزبائن.
راودت مخيلتها بأن تلقي به أمام أحد المساجد، كي تتخلص من شقاوته وصرخاته التي كانت تصيبها بالعصبية الشديدة، لكن لعبت الصدفة دورها واعتبرت أن القدر ساق إليها أحد الأشخاص والذي اعتبرته طوق النجاة بالنسبة لها، ومن ناحية أخرى هدأت ثورة تفكيرها حيث فوجئت به يقترب منها على استحياء مداعباً الطفلين، وتبادلت معه أطراف الحديث، وفجأة علت وجهه الابتسامة وارتجفت أساريره من شدة الفرح معتقد أيضاً بأن القدر ساقها إليه لتحقيق حلم عمره بعد أن عرضت عليه أن يقوم بتبني الطفل خاصة وأنه عقيم وغير قادر على الإنجاب وأن كل حلمه أن يكون له طفل أو طفلة تحرك لديه غريزة الأبوة التي حرم منها.
اتفق كليهما على المبدأ، وقدمت إليه الطفل بعدما علمت بمكان إقامته والاطلاع على هويته، واستعداده التام بإحضاره وقتما تشاء لرؤيته.
وبدموع التماسيح عادت إلى منزل الزوجية تروي للزوج قصة من وحي خيالها بأن أحد الأشخاص طلب منها مساعدته لإفاقة زوجته التي وقعت مغشيا عليها داخل سيارته، لكنها اكتشفت بأنها وقعت ضحية عصابة لخطف الأطفال وقاما بتخديرها وخطفوا ابنها الصغير وفروا هاربين.
وأمام العميد عبد العزيز سليم رئيس مباحث قطاع القاهرة الجديدة الذي صدرت تعليماته بسرعة التحريات عن الواقعة، برئاسة الرائد أيمن عبد الحافظ رئيس مباحث بدر، للوقوف على حقيقة الأمر بعد أن تشكك رجال المباحث في رواية الأم، وبجمع المعلومات لم يستدل على صحة الواقعة، لمعت أعين رجال المباحث وتأكد لهم بأن هناك لغز وراء رواية الأم، حيث اقترب العقيد محمد العربي مفتش المباحث من الطفلة الصغيرة، وبروح الأب أخذ يداعبها حتى اعترفت بحقيقة الأمر وأوضحت بأن الأم قدمت الطفل إلى أحد الأشخاص ولم يكن هناك من قام باختطافه.
انهارت الأم في البكاء أمام اعترافات ابنتها الصغيرة، وبتضييق الخناق عليها، اعترفت بحقيقة الأمر وباستدعاء .الشخص الذي تبني الطفل أقر بصحة الواقعة، وتبين أنه يدعى "محمد.ج" عامل بمصنع أثاث مكتبي، وأنها أخبرته برغبتها بالتخلي عن الطفل والقاءه أمام أحد المساجد لأنه يعيقها عن عملها بمحل الكوافير، فعرض عليها تبني الطفل، واتفقا معا بأنه في حالة رغبتها في رؤيته سوف يقوم بإحضاره.
تم تحرير محضر بالواقعة وأحالهما اللواء عزت زهران حكمدار العاصمة إلى النيابة التي تولت التحقيق.