قمة الـ"بريكس"..تعديل مسار منظومة الاقتصاد العالمي وخلق توازناً دوليا دون هيمنة منفردة

على ضفاف ساحل مدينة شيامن الساحرة بمقاطعة فيوجان الصينية الواقعة جنوب شرق البلاد، وتحديداً في الثالث من شهر سبتمبر القادم وعلى مدى 3 أيام، يجتمع قادة نصف سكان العالم للمشاركة في القمة التاسعة لدول البريكس (BکI«S) الخمسة الأعضاء هم: الصين، روسيا، الهند، البرازيل ،جنوب أفريقيا، والمقرر أن يحضرها الرئيس عبد الفتاح السيسي بدعوة تشى جين بين رئيس الدولة المستضيفة للقمة هذا العام، وذلك من أجل استكمال رسم خريطة جديدة لمنظومة الإقتصاد العالمي لتعديل مساره وخلق توازن دولياَ في العملية الاقتصادية يناهض سياسة القطب الواحد  المالي .
لاشك أن الظروف والصعوبات الحالية بمختلف أنواعها التي تمر بها دول العالم، أصبحت تتطلب وضع سياسات جديدة وتعاون مشترك في كل المجالات، تكون الدول النامية الساعية للتقدم والتنمية في أولى الصفوف المشاركة في ذلك، حتى تتحرر من براثن التقيد تفرضها عليها دولة عظمى تتحكم في مسيرها واختياراتها ومستقبلها.
رغم مرور أكثر من8 سنوات تقريبا على تأسيس " البريكس" ، إلا أنها لم تكن أكثر انتعاشاً  بشكل ملحوظ سوى قبل عامين تقريباً،عندما اتفقت الدول الأعضاء على إنشاء بنك التنمية الجديد برأس مال مستهدف 100 مليار دولار يقوم على  تقديم المساعدات والقروض ، وكذلك إنشاء صندوق الاحتياطي النقدي  برأس مال 100 مليار دولار ، كبديل فعال لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إلى جانب تنمية البني التحتية  للدول الخمس وتحقيق تكامل اقتصادي وسياسي وجيوسياسي بينهم ، ولا استبعد  أن تؤدي  هذه القرارات والاتفاقيات إلى تغيرات كبيرة في أوضاع السوق العالمية في المستقبل كذلك العلاقات الدولية.


 لماذا البريكس؟


 والسؤال لماذا؟ والإجابة ليست بعيدة ! حيث يبلغ سكان دول  البريكس حوالي 3مليار و600 مليون نسمة، أي 40% من سكان العالم، كما تمثل ربع قوة العالم الاقتصادية بقيمة إجمالية تصل إلى 16.6تريليون دولار ، وما تنتجه حوالي 22% من الناتج الإجمالي العالمي، لذلك تمثل قوة اقتصادية كبيرة  قد تحدث توازنات في النظام الاقتصادي العالمي ،  كما أنها تسعى وفي مقدمتها الصين إلى بناء منصة أوسع للتعاون المفتوح  المشترك ليس  فقط بين دول الأعضاء ، بل للدول النامية والساعية للتقدم والتطور  ، فالقمة  تعد منبرًا مهمًا للحوار والتعاون في مجالات عدة بين دولها الأعضاء وفرصة كبيرة أمام الدول النامية، لذلك كان الرئيس الصيني تشى جين بين حريصاً  على دعوة  الرئيس عبد الفتاح السيسي للمشاركة في القمة،  أولاً بحكم العلاقات القديمة والقوية وتقارب الحضارات بين الدولتين، وإيماناً  بدور مصر الكبير سواء على المستوى الداخلي خاصة في ظل حرصها على التقدم والتنمية ، فضلا عن  إزالة كافة المعوقات التي تعترض عمل الشركات الصينية  في البلاد وتهيئة مناخ الاستثمار أمام الشركاء الصينيين ، أو على المستوى الإقليمي والدولي هذا من ناحية، والمساهمة في تعزيز العلاقات التجارية وتبادل وتقاسم التجارب والخبرات  الناجحة  في تنمية الدول النامية والناشئة  وتحقيق مبدأ  التعاون العميق والفوز المشترك، وهي المبادئ التي تسير على خطاها مبادرة " الحزام والطريق " الصينية  من ناحية أخرى،  لذا تتطلع الصين إلى فتح حوار أكبر مع الدول النامية في إطار 5 + 9 (دول البريكس و9 دول نامية)، وإن دل هذا على شيء  فهو يدل على  إصرار تلك الدولة النامية وهى الصين على  خلق حالة من الانتعاش الاقتصادي لا يعود إليها فقط ، بل لكل الدول النامية  الباحثة والساعية للتنمية والتطور وتوفير حياة رغدة لشعوبها .


مقاطعة فوجيان :  بين الحضارة..والتطور


ما يتميز الصينيون عن غيرهم، أنهم يُقدرون قيمة الوقت والعمل،اغتنام الفرص واستغلالها جيداً، حسن التخطيط والإدارة والترويج لأفكارهم  والعمل على تعزيزها وترسيخها،  حيث يكن اختيار مقاطعة فوجيان لعقد القمة التاسعة لدول البريكس  في عاصمتها مدينة شيامن اختياراً عشوائياً بل مرتباً، أنهم" يضربون عصفورين وأكثر بحجر واحد" ، فالصين  صاحبة " مبادرة الحزام والطريق" التى تقوم على إحياء طريق الحريم القديم البرى والبحري وربط الدول ببعضها البعض عن طريق شبكات طرق  وبنية تحتية وغيرها من المشروعات والمختلفة من ناحية ،و يسهل لها فتح أسواق عالمية جديدة  لمنتجاتها وجذب الاستثمار الأجنبى بها، استغلت الموقع المتميز لفوجيان الواقعة على الساحل الجنوبى الشرقى  بطول 3آلاف و750 كم تقريبا بالمحيط الهادى، والموانئ البحرية الناشئة عليها  لتكون بداية نقطة طريق الحرير البحرى  على باقى دول العالم .


  لا يختلف اثنان على  الطفرة الاقتصادية والتنموية المتقدمة  التي تشهدها مدن المقاطعة ذا مساحة 124 ألف كم مربع ، والتى لا يفصلها عن تايوان ( ذات الحكم الذاتى والتابعة لجمهورية الصين الشعبية ) سوى المضيق البحرى "مضيق تايوان" ، حيث أن 80% من التيوانيين أصلهم من فوجيان ، لذا نجد ان أكبر نسبة استثمار بها  مستثمرون تايوانيون ،


الأسبوع الماضي نظمت وزارة الخارجية الصنية زيارة لعدد من الصحفيين من لدول أجنبية  من 4 قارات ضمت 20 صحفياً تحت مسمى" القمة التاسعة لدول البريكس" ، وذلك للتعرف على معالمها التاريخية والتراثية ، فضلاً عن  حجم البنية التحتية والاقتصادية التى  تشهدها المقاطعة ، وأيضا كنوع  تشجيع الاستثمار الأجنبى الذى تسعى إلية الصين .


مدينة الشاى الصينى


      مدينة فوجو كانت أولى المدن التى قمنا بزيارتها ، تشتهر بإنتاج الشاى الصينى ،وأقدم المدن تاريخياً، وأقدم معالمها المدينة القديمة التى يطلقون عليها  3 ممرات و7 أزقة ، كونها تحتوى على أكثر من 200 منزل قديم فى عهد الأسرتين مينغ وشينغ ،  أما مدينة تشوانغو التى تقع على بعد 160 كم تقريبا من فوجو ، تعد من أكبر المدن بالمقاطعة والمواجهة لمضيق تايوان البحرى على الساحل الجنوبى الشرقى وتحديداً حى تينتيانج بالمدينة الى الأكثر حظاً فى المدينة لموقعة البحرى التمز والفريد، هذه المدنية  بها أكبر شركة لانتاج الملابس الرياضية فى الصين والمملوكة للحكومة الصينية وتسمى " أنتا" ويسعى الصينيون فى أن تكون واحده من أكبر الشركات المنافسة فى العالم .


  وجهتا الثالثة كانت لمدينة جانغجو ، يقع على ساحلها اثنين من أكبر الموانئ البحرية فى المقاطعة ، لذا تعتبر هذه المدنية تحديداً نقطة بداية طريق الحرير البحرى ، لذا فهى تحتوى على اكبر المناطق الصناعية  ذات الصناعات المتنوعة ، كما بها أكبر الشركات انتاجاً للتكنولوجيا  الحديثة المملوكة للدولة  كشركة " كيخوا"  المنتجة لمحولات الطاقة ، كذلك شركة جوانغو الشرقية للتكنولوجيا  المنتجة لأجهزة القياس الالكترونية وكشف المعادن ، هذه الشركات عمرها لا يتعدى 30 عاما وهى مملوكة للدولة التى تسعى لترويج  وتسويق منتجاتها خارج الحدود  لصبح منافسة لأكبر الشركات العالمية الأخرى ، وليس لغلقها أو بيعها للقطاع الخاص كما تفعل بعض الدول!


مدينة الرومانسية


    ختام زيارتنا كان لمدينة شيامن عاصمة فوجيان ،  ثان أكثر المدن الصينية  ملائمة للعيش فيها أو المدينة الأكثر تمتعاً بالرومانسية ، لكونها تقع بين الجبال الخضراء وساحل المحيط الهادى ،  هى مدينة السحر والجمال  كما يطلق عليها ، تجمع بين الحياة الراغدة  وعبق التاريخ القديم وصفاء الجو كما تعتبر قوة اقتصادية كبيرة ، حيث بلغ اجمال النتاج المحلى لها العام الماضى حوالى 379 مليار يوان صينى  ويزداد بنسبة 7.9% كل عام  بالاضافة الى ارتفاع نسبة السياحة بها ، لكونها مدينة تتمتع بالعديد من المظاهر السياحية وتجمع بين سحر الطبيعة ولمسات الانسان المعاصر،وبحسب مبادرة الحزام والطريق الصينية  من المقرر ان  تصبح مدينة شيامن مدينة  محورية استراتيجية  للقرن الحادى والعشرين لطريق الحرير البحرى خلال هذا العهد الجديد .


  على ساحل المدينة تقع أكبر الشركات الصينية لصناعة السفن بانواعها المختلفة وهى شركة شيامن لصناعة وتصليح السفن ، تحوى 3 خطوط انتاج وتصدر منتجاتها لأوروبا وأمريكا وجنوب شرق آسيا ، وتنظر خلال العشر سنوات القادمة فى صناعة سفن  الرحلات البحرية .


جزيرة جولانجيو


  والأجمل من كل هذا جزيرة "جولانجيو" التى تقع قبالة ساحل  مدينة شيامن ، تبلغ مساحتها 2 كيلو متر تقريبا ، تعتبر موطنا لـ20 ألف مواطن صينى ،وتعتبر واجهة سياحية أساسية للسياح الأجانب والمحليين ، تعتبر هذه الجزيزة قطعة من الجنة لما تحتوية من انواع مختلفة من الأشجار والنباتات ، وسيلة المواصلات إليها هى المعديات ، لا يسمح فيها استخدام أى نوع من السيارات ، لذا ان كنت تريد زيارتها فعليك ان  تكون جاهزا للسير والتجول داخلها على قدميك ، وقد وضعتها منظمة اليونسيكو فى قائمة التراث العالمى .