رسم الشباب أحلاما، وتخيلوا منزل العمر المملوك لهم.. أخذ كل واحد منهم يجمع المال من هنا وهناك.. أقنعوا أنفسهم بأن "وجع ساعة ولا كل ساعة".

باع بعضهم كل ما يملك واقترض البعض الآخر لأن بيت الأحلام سيقضي على استنزاف دخله في الإيجار الجديد، لكن الغالبية استيقظوا ليكتشفوا أن حلمهم تحول إلى كابوس، فهناك مناطق بالمشروع ليست صالحة للإقامة أساسا، الحياة غير آمنة، تفتقر لكل معاني الإنسانية، بلطجة الأعراب والخارجين على القانون جعلتهم يواجهون تهديدات لا حصر لها، فرض إتاوات وإذا لم يرضخوا عليهم دفع الثمن من أمنهم وبعضهم استبدل اسم المشروع بـ"ابني تربتك".

منهم من فر هربا ومنهم من رضخ، الأمن ليس المشكلة الوحيدة، فالخدمات غير موجودة والمواصلات الداخلية حلم صعب المنال، والمرافق تعاني من مشكلات في المنطقة السابعة، الطرق غير ممهدة والمرافق التي تم تركيبها ثبت وجود عيوب بها.

ملاك "ابني بيتك" لا يجدون بديلا سوي استكمال حياتهم بمناطق المشروع المختلفة بمدينة 6 أكتوبر، ويحاولون إقناع أنفسهم بأن تصريحات المسئولين عن قرب اكتمال الخدمات سوف تتحقق، وأن مغامراتهم اليومية لتجنب المخاطر المتزايدة ستنتهي، وينتهي معها الكابوس ليستعيدوا أحلامهم الوردية.

مأساة يعيشها سكان "ابني بيتك" بمدينة ٦ أكتوبر، بسبب غياب الأمن مما أتاح الفرصة للعربان والبلطجية والخارجين علي القانون لفرض سيطرتهم علي بعض المناطق وقطع الطرق وفرض الإتاوات بالقوة.

من جانبها، قالت رحاب الدين الهواري: "منذ خمس سنوات أنفقت كل ما أملك على بناء منزلي في المشروع، لكنني لم أستطع السكن فيه وأصبحت كمن رقص علي السلالم وراء عدم إعمار منازل "ابني بيتك" حتى الآن.

وأضافت: "لو كانت خطوات المشروع قد مضت في نطاقها الطبيعي لانتهت كل مراحله منذ ثلاث سنوات، خاصة أن العمل بالمناطق الأولي والثانية والثالثة انتهى قبل ثورة يناير، وكان سيفتتح بها فرع لمتحف الحضارة، لكن جاءت الثورة ليتوقف العمل وينتشر الغياب الأمني الذي أدى لأزمة ظهور العربان ليسيطروا على مناطق المشروع، ويسرقون كل شيء هناك في حالة امتناع مالكها عن دفع "الإتاوة" لهم، وهو الأمر الذي أدى إلى خوف المالكين من الانتقال إلى منازلهم وأدى لعدم إقبال العمال على العمل للانتهاء من التشطيبات، حتى من يقبل ذلك يطلب مقابلا ماديا مرتفعا جدا لأنه سيذهب إلى هناك ويعود إلى منزله في نفس اليوم خوفا من البقاء في المكان ليلا.

تركت منزلي

أما محمد كامل "موظف علي المعاش وأحد الملاك" فيقول: تركت منزلي هناك وعرضته للبيع بعدما أنفقت "اللي ورايا واللي قدامي"، سكنت هناك سنتين، وكانت أسود فترة في حياتي بسبب المشاكل مع العربان والبلطجية والخارجين عن القانون، حيث كان يأتي فرد منهم يطلب نقودا، وعندما أعطيه يأتي شخص آخر في اليوم التالي ليعيد الطلب، وإذا أعطيت أحدهم خمسين جنيها، يستنكر ويريد أكثر، وعندما شكوت للشرطة لم تتخذ أي إجراءات، وهو الأمر الذي جعل هؤلاء البلطجية يفرضون سطوتهم بشدة، خاصة أن المعلومات كانت تتسرب إليهم بأنني قمت بشكواهم في القسم".

وتابع: "تعدد هجومهم على منزلي وتهديدي، وذات مرة قاموا بالهجوم علي المنزل وقرع الأبواب بشدة، وقمت بتصويرهم وأعطيت الصور لمأمور قسم أول أكتوبر، ولم يتخذ أي إجراء ضدهم، وعندما ظللت مصرا على عدم دفع الإتاوة قاموا بتكسير زجاج سيارتي بالكامل، وفي مرة أخرى أحضروا خشبا ليقطعوا علي الطريق، وفي المرة الأخيرة حرقوا السيارة، وبعدها قررت ترك منزلي وعرضه للبيع لأعيش ما تبقي من حياتي بعيدا عن المشاكل، لأنني لن أجد من يحميني، كما أن السيارة هي الوسيلة التي كانت تجعلني أستطيع الدخول والخروج من المنطقة، خاصة في ظل عدم توافر وسيلة للنقل الداخلي، وحصلت على أحكام ضدهم ولكنها لم تنفذ".

في السياق ذاته، أضاف نادر جلال "محاسب وأحد الملاك" وترك منزله لنفس الأسباب: "ذهبت لأسكن في منزلي بعدما أنفقت الكثير عليه، وبالفعل قمت بالاستقرار هناك لمدة سنة، كانت مليئة بالتعديات من قبل البلطجية، حيث كانوا يريدون فرض إتاوة علي لكنني رفضت وتقدمت بشكوى وحررت محاضر في قسم الشرطة، دون أن يتم اتخاذ أي إجراءات معهم، ووصلت أعمال البلطجة إلي أنهم تهجموا عليَّ داخل منزلي، ولم تقم الشرطة بأي إجراء كالعادة، فقررت ترك المكان وتأجير شقة في مكان آخر لأعيش فيها مع أسرتي في أمان".

كما قال محمود الأسواني أحد سكان المنطقة الثانية: "تواجدت في المنطقة منذ بداية المشروع، وبالرغم من أن الحياة الآن أفضل بكثير من السنوات الماضية إلا أنني مازلت أواجه العديد من الصعوبات التي تؤرق حياتي ولعل أهمها غياب القبضة الأمنية عن المكان مما يجعلنا نعيش تحت رحمة "العربان" تحكمنا دولتهم الظالمة، يفرضون اتاواتهم بغير حق ويغتصبون ما ليس لهم ،وهو الأمر الذي جعل القلة القليلة الموجودة من السكان في المنطقة فيقلق دائم بسبب التهديد المستمر الذي يتعرضون له".

ويضيف محمد كامل أحمد أحد سكان ابني بيتك بالمنطقة الرابعة، أنه استيقظ على اقتحام منزله من قبل 14 بلطجيا يحملون السلاح وذلك لرفضه دفع الإتاوة لهم، مؤكدا أنه وجد سيارته محطمة تماما.

وأكمل: "توجهت لقسم شرطة أول 6 أكتوبر وقمت بتحرير محضر بالواقعة يحمل رقم 4637 ووجدت تعاونا ملحوظا من مأمور القسم بعدما شاهد فيديو مصور للبلطجية يقتحمون فيه منزلي وقاموا بتشكيل قوة أمنية لمعاينة السيارة".

صعوبة المواصلات

ويتطرق جمال عبده "موظف" إلى نوعية أخري من المشكلات التي تواجه سكان ابني بيتك، فيقول: صعوبة المواصلات تجعل كل من لا يمتلك سيارة من السكان يعاني معاناة شديدة ، فلكي يستطيع الدخول بسيارة الي داخل المنطقة يدفع مالا يقل عن خمسة عشر جنيها ومثلها في العودة، بخلاف مصروفات المواصلات الخارجية، ولا يستطيع دخل الموظف البسيط تحمل هذا.

وتابع: "مازلت حتى الآن أعاني من مشكلة المواصلات اليومية وبالرغم من الوعود العديدة من الجهات المختصة بتوفير المواصلات إلا انه حتى الآن لم يحدث جديد".

من جانبه، أكد عبد الكريم محمد "أحد السكان" ان مشكلة العربان تحتاج الي تدخل أمني سريع وإلا سيستمر الملاك في العزوف عن المنطقة، فمن يتواجد الأن بها يعتبر مغامرا قرر حماية نفسه بنفسه.

ويضيف: "مررت بتجربة عصيبة وكدت على إثرها أن اترك المنطقة، ولولا وقوف جيراني بجانبي لتركتها بالفعل، فقد حاول "العربان" الاعتداء على محل البقالة الذي املكه وهو مصدر رزقي الوحيد، بعد أن رفضت أن أعطيهم طلباتهم دون مقابل، وتعدوا على سيارتي وقاموا بتكسيرها تماما بالشوم ونجوت منهم بأعجوبة".

ويروي "السيد.ع.ب" أحد سكان المنطقة الثانية مأساته فيقول: "تعرضت لحادث، حيث اعتدى نجل كبير العربان بالمنطقة على ابني 6 سنوات، واغتصبه، وحين اخبرنا الطفل بذلك بعد مرضه الشديد نتيجة للحادث أسرعت بعمل محضر لمغتصب الطفل وأرفقت معه تقرير الطبيب الشرعي الذي أكد ذلك، ومنذ ذلك الحين بدأ العربان في مساومتي تارة بعرض المال وتارة بالتهديد وحين رفضت المساومة نهائيا أطلقوا عليَّ أكثر من مرة، ولن أتنازل عن حقي، ولكن ما اطلبه فقط هو التواجد الأمني حتى لا تتكرر مأساته مع أحد آخر".

ويري شريف عبد العزيز "مدير حسابات" أن تواجد السكان قد يعالج التقصير في الناحية الأمنية بالمنطقة، ويدل على ذلك بأن المنطقة الثانية أفضل حالا بكثير من بقية المناطق، نتيجة لتواجد بعض السكان بها والذين كونوا "عزوة" أمنية وأصبحوا يواجهون جشع العربان، ويقول: "من المعروف أن العربان لا يتواجدون وسط الزحام، وهو ما جعلهم يتركون أماكن عديدة كانوا يتواجدون فيها بكثرة مثل التجمع الخامس والشيخ زايد وغيرهما".

ويضيف: "لذا أناشد جميع ملاك المشروع أن يعيشوا في منازلهم، لأن العديد من الخدمات متوقفة على التواجد السكاني ومنها الوحدات الصحية المجهزة على أعلى مستوى وحتى الآن لم يتم افتتاحها، وكذلك المواصلات التي تعد مأساة سكان المنطقة وغيرها من الخدمات".

وناشد وزارة الداخلية بضرورة تشغيل القسم الذي تم إنشاؤه بالفعل أو حتى توفير عربات للتدخل الأمني السريع تتجول بالمنطقة كي يشعر المواطنون بشيء من الأمن، وحتى يختفي العربان في جحورهم.

نقص الخدمات

أما محمود سلامة فيشكو من الانقطاع المتكرر للمياه حيث يقيم بأحد الطوابق المرتفعة، والكهرباء دائمة الانقطاع وكلما انقطعت نتج عنها انقطاع المياه أيضا الأمر الذي يؤرقه طوال الوقت ويحتاج إلي حل سريع.

كما قال طه جادو "أحد السكان ونائب رئيس جمعية ابني بيتك": "من أجل حل مشكلة الحشرات قمنا بعمل مبادرة،وطالبنا أهالي المنطقة الثالثة بتجميع اكبر كمية زيت مستخرج من السيارات لإلقائه في بركة الصرف خلف مدينة الفردوس، لأنها تعد مصدر الناموس للمنطقة، وقد استجاب عدد كبير من السكان لهذه المبادرة وجمعنا 160 لتر زيت، وقمنا بإلقائها في بركة الصرف، وبالرغم من أننا تأكدنا بأعيننا من تأثير الزيت على يرقات الناموس لكننا صعقنا من الحجم الذي وصلت له البركة التي أصبحت تضاهي البحيرات الصناعية، لدرجة أنها تحتاج لكميات ضخمة من الزيت لتغطي اكبر مساحة من البركة، لذا نناشد وزير الإسكان بردم البركة لأنها مصدر للأمراض".

في المنطقة السابعة كان الحال أسوأ بكثير من جميع المناطق التي قمنا بزيارتها، عدد سكانها لا يتعدى العشرات، اجمع معظمهم على صعوبة المعيشة بها، بسبب عدم توافر العديد من الخدمات رغم أنهم انتهوا من بناء منازلهم قبل ثورة يناير، فالطرق الداخلية لم تصبح ممهدة بعد، حتى المرافق التي تم تركيبها غير مطابقة للمواصفات مما جعلها في عطل دائم، بالإضافة لعدم التنسيق بين شركات الكهرباء والمياه للانتهاء من تنفيذ المرافق ، كل هذا جعل المنطقة شبه خالية، ويعيش السكان القلائل في حالة قلق دائم وعدم شعور بالأمان ، فالمنطقة حسب وصف سكانها وما شهدناه لم تصبح مؤهلة للعيش بعد.

خلال الجولة في مناطق ابني بيتك التقينا مع أحمد العرباوي "أحد العربان من بدو المنطقة" دافع عن نفسه وأقرانه قائلا: "ما نتقاضاه من الملاك يعد مقابل حماية منازلهم من السرقة، حيث أن هناك أشخاصا يقومون بسرقة الكابلات والمواسير والأبواب والحلوق وغيرها من الأشياء، لذا قمنا بتقسيم المناطق إلي حروف، بحيث يتولي كل شخص حرفا ويحمي المنازل المتواجدة فيه من أي سرقة تتعرض لها، كما قمنا بإغلاق كل المداخل، وخصصنا مدخلا واحدا فقط للمنطقة نجلس عنده لمعرفة أي شخص أو شيء يدخل أو يخرج من المنطقة، ونتأكد من أوراق ملكية أي شخص غير معروف بالمنطقة.

استكمال المطلوب

توجهنا إلى المهندس محمد عبد المقصود نائب رئيس جهاز مدينة 6 أكتوبر، وأكد أن كل الخدمات التي وضعها الجهاز في حسابه وخصص لها أماكن، حيث قام ببناء 22 مبنيا خدميا على مستوى مناطق ابني بيتك، وتحتوى كل منطقة على مبنى وحدة صحية أو أكثر ومدرسة ومول للوحدات الإدارية والتجارية.

وتابع: "بدأ العمل وتقديم الخدمات في إحدى الوحدات الصحية بالمنطقة الخامسة منذ فترة، أما الوحدات المتواجدة في المناطق الأولي والثانية والرابعة والسادسة فيتم التفاوض حاليا مع وزارة الصحة على تشغيل اثنتين منها في المنطقتين الأولي والثانية، خاصة أن الكثافة السكانية فيهما أكثر من المناطق الأخرى، كما سيتم إنشاء أندية ومراكز شباب وملاعب بعد إتمام الاتفاق مع وزير الشباب على ذلك.

وأكمل: "بالنسبة لغياب التواجد الأمني أوضح أن الجهاز سيوفر الأماكن المطلوبة لأفراد الشرطة في الوحدات الإدارية المجهزة بالمولات، بجانب وجود قسم متكامل في هرم سيتي التي تبعد عن مشروع ابني بيتك بمسافة بسيطة، ولكن ينقصنا تواجد أفراد الأمن".

وعن مشكلة المواصلات يقول المهندس محمد: "لقد خصص مجلس الأمناء بجهاز 6 أكتوبر مبلغا لشراء أتوبيسات تخدم مناطق ابني بيتك، وسيتم تسليمها لهيئة النقل العامل تشغيلها، كما أن الجهاز يسعي حاليا لترخيص 25 سيارة صغيرة بهدف النقل الداخلي، وإلى أن تتم هذه الإجراءات في أقرب فرصة وفر الجهاز سيارات مجانية للطلاب لنقلهم إلى مدارسهم المتواجدة في مناطق المشروع".

كله تمام

وعندما عرضنا مشكلة الغياب الأمني على اللواء طارق نصر مدير أمن الجيزة، فوجئنا بأنه ينكر المشكلة رغم شكاوي السكان، وأكد تواجد دوريات أمنية تشمل سيارة نجدة وسيارة مسلحة تنزل إلى مناطق ابني بيتك على مدار 24 ساعة، بالإضافة إلي وجود أكمنة وتمركزات أمنية في المداخل والمخارج ويتم تغييرها كل فترة".

وأكد القبض على أي بلطجي تثبت التحريات إدانته، أما عن عدم توافر أي أقسام أو نقاط شرطة في جميع مناطق المشروع فيقول: "إذا وفر لنا جهاز المدينة الأماكن التي نستطيع عمل نقاط شرطة بها، فستقوم مديرية الأمن بتجهيزها خلال أسبوع".

وعندما وجهنا له السؤال: "إذا كان الأمر بهذه السهولة.. فلماذا لم يعمل قسم الشرطة التابع لهرم سيتي حتى الآن رغم أنه مجهز من كافة النواحي ومن الممكن أن يخدم مناطق ابني بيتك نظرا لقربه منها، وكانت إجابته: "سيتم تشغيله في أقرب وقت".