مصابون بـ«متلازمة ويليامز» يحتاجون لدعم الدولة.. أنقـذوا «أطـفال السـمك»!

مروان
مروان

علا نافع

أطفال وهبهم الله بشاشة الوجه وطاقة حب كبيرة، رغم ضآلة أجسادهم والعيوب التي ولدوا بها، وأصبحوا المنحة والهدية لأمهاتهم، يلوذون بأحضانهم هربا من قلة الحيلة والعجز، فالدولة إلى الآن لا تعترف بوجودهم أو حتى تمد لهم يد العون بحجة أعدادهم القليلة.. إنهم أطفال متلازمة "ويليامز سندروم" النادرة، والذين يعانون مشكلات صحية عدة، فضلا عن الإعاقات العقلية التى تسبب لهم تأخراً عقلياً، والمؤسف أن أمهاتهم يجدن صعوبة فى إيجاد مراكز تنمية مهارات وتخاطب حكومية لإلحاق أبنائهن بها مما يدفعهن للجوء للمراكز الخاصة ذات الأسعار الغالية، بخلاف عدم دخولهم ضمن منظومة التأمين الصحى رغم إصابة الكثير منهم بأمراض مزمنة قد تودى بحياتهم فى أى لحظة.

الكثير من المدارس الحكومية ترفض استقبال هؤلاء الأطفال بحجة تأخرهم العقلى، مما يضطر الأهالى للجوء إلى مدارس الدمج التى تطالب بالكثير من الإجراءات الروتينية واختبار الذكاء فتضيع السنة الدراسية ويصبح الطفل أسيرا لإجراءات عقيمة، ولا تقف مشكلاتهم عند هذا الحد فـ"متلازمة ويليامز" ليست مدرجة ضمن التسجيل للحصول على بطاقة الخدمات المتكاملة التى تطرحها الدولة للمعاقين، ما يحرمهم الحصول على الامتيازات الطبية والخدمية.

لا تكف أمهات هؤلاء الصغار عن المطالبة بحقوق فلذات أكبادهن ومساواتهم بمرضى الضمور العضلى الذين دعمتهم الدولة ووفرت لهم العلاج المستورد بالمستشفيات الحكومية، خاصة أن عدد أصحاب متلازمة ويليامز فى مصر قليل للغاية، حيث مرضهم نادر يصيب طفلاً واحداً من كل 10 آلاف.

أبطال ويليامز

فى أحد أيام الصيف الحارة بشهر يوليو، وبعد أن قضت منى يوسف يوما عصيباً بين المستشفيات كى تجرى لطفلها "كريم" ذى الخمس سنوات فحوصاته الدورية على القلب والكلى، انتابتها نوبة إحباط واكتئاب بعد أن ضاقت بها السبل، فتلك الفحوصات باهظة الثمن، بخلاف جلسات التخاطب والعلاج الطبيعى، حاولت منى التواصل مع مسئولى وزارة الصحة لمطالبتها بحق طفلها فى العلاج على نفقة الدولة، فكان ردهم أن أطفال متلازمة ويليامز لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، لتقرر منى البحث عن أقران لكريم وتجمع شتاتهم كى يصبحوا قوة ويطالبوا بحقوقهم.

وبعد محاولات مضنية نجحت فى الوصول لأكثر من 10 أمهات من محافظات عدة يعانى أبناؤهن متلازمة ويليامز، وأنشأن مجموعة على "واتساب" وأخرى على "فيسبوك" أطلقن عليها "أبطال الويليامز" لتكون هذه الجروبات منبراً لمناقشاتهن ومخزناً لحلمهن بحياة كريمة لفلذات أكبادهن.

صعوبة التشخيص

تقول منى: بعد ولادة كريم بعدة أشهر أصيب بألم مفاجئ عجز الأطباء عن تشخيصه بوضوح، فتلك المتلازمة من الصعب تشخيصها أو معرفة دلائلها بسهولة، فقد أصيب فى البداية بخلل فى وظائف الغدة الدرقية، ومشكلات فى عضلة القلب مع نقص فى عنصرى الكالسيوم والزنك، ما أثر فى قدرته الحركية والعقلية وباتت قدراته الذهنية أقل من عمره الطبيعى، ما تطلب التحاقه بأحد مراكز التخاطب وتنمية المهارات.

تضيف: ونظراً لقلة أعداد الأطفال المصابين بالمتلازمة فى مصر قررت البحث عن أمهاتهم لتكوين جروب على "فيسبوك" لكى يكون بوقا ننشر من خلاله مطالبنا.

وعن المعوقات التى تواجههن تقول: يعانى هؤلاء الأطفال مشكلات صحية فى القلب والكلى والمخ وهذا يتطلب علاجا دوريا وفيتامينات باهظة الثمن قد لا تستطيع الكثير من الأسر توفيرها، إضافة لعدم اعتراف مراكز التخاطب أو حتى المدارس بإعاقتهم فيتعاملون معهم بشكل خاطئ، ما يضاعف معاناتهم، مؤكدة أن البعض يدرجهم ضمن فئة متلازمة داون.

وتطالب منى بأن يشمل التأمين الصحى هؤلاء الأطفال، خاصة أن أغلبهم لا يلتحق بالمدارس، وذلك أسوة بمرضى الضمور العضلى الذين يعالجون على نفقة الدولة بمبادرة من رئيس الجمهورية.

كروموسوم 7

أما لمياء فتحى والدة الطفلة ريتاج ذات الاثنى عشر عاما، فتقول: منذ ولادة ابنتى لاحظت وجود مشكلات صحية كصغر حجم الرأس والضعف العام وعند وصولها سن العامين وجدت تأخرا فى المشى فضلا عن صعوبة التواصل اللغوى والتعبير عن احتياجاتها بالكلام فقمت بعرضها على أحد الأطباء والذى شخص حالتها بنقص فى "كروموسوم 7"، ونصحنى بإلحاقها بأحد مراكز التخاطب الخاصة لتنمية مهاراتها وعلاجها من التوحد المصابة به، مشيرة إلى أن ابنتها تحب الحياة وتعشق التعامل مع الناس.

وتتابع: بعد تفشى فيروس كورونا انقطعت عن إرسالها للمركز خوفا من العدوى، إضافة لرسومه المرتفعة، ما سبب لها انتكاسة وأضعف ثقتها بنفسها، مشيرة إلى قلة المراكز الحكومية أو حتى دعم الدولة لهم سواء من حيث إجراء اختبار الذكاء أو الحصول على بطاقة الخدمات المتكاملة للمعاقين.

وعن المعاناة التى تواجهها أوضحت: صعوبة إيجاد حالات متلازمة ويليامز من أصعب المشكلات التى أواجهها، خاصة أن عدد الحالات قليل فى مصر، ما يصيبنى بإحباط، خاصة أن ابنتى تواجهها مشكلات نفسية وحركية لا أستطيع التعامل معها، ما يستلزم الاستماع لتجارب آخرين، ناهيك بعدم وجود أقران لابنتى من نفس حالتها، خاصة أنها لا تذهب إلى مدرستها خوفا عليها.

قرار الدمج

فى حين تقول والدة الطفل مروان خالد: يعانى ابنى أمراضاً مزمنة مثل ضيق الشريان الأورطى، ونقص نسبة الكالسيوم، ما أضعف قدراته العقلية وجعله غير قادر على التواصل مع أقرانه، ما استلزم إلحاقه بمراكز التخاطب، ورغم أنه وصل لسن المدرسة الأولية فإن قرار التحاقه بمدرسة الدمج لم يصدر حتى الآن من وزارة التربية والتعليم مما يحرمه من حقه فى التعليم.

ولم تكن والدة مروان وحدها التى ذاقت الأمرين لتوفر لولدها حق التعليم، فوالدة الطفل معتمر فتحى ذى الأربع سنوات لم تعلم بمرض طفلها إلا منذ عدة أشهر أثناء زيارتها لطبيب القلب الذى يعالجه، خاصة أن المرض يصعب تشخيصه ومعرفة أعراضه لتنتابها نوبة بكاء وتبدأ بالبحث عن معلومات حولها.

تقول: يعانى معتمر من ضيق فى الشريان الرئوى مع تأخر فى المهارات الكلامية والقدرة على النطق ولكن رغم ذلك فإنه يعشق التعامل مع الناس ويستطيع عقد صداقات بسهولة معهم فضلا عن لعب الكرة، مشيرة إلى أنه من الصعب عليها المداومة على واحد من مراكز التخاطب الخاصة لارتفاع سعرها الذى يصل إلى 50 جنيهاً فى الجلسة الواحدة، وهذا لا يتناسب مع ظروفنا المادية.

وتتابع: المؤسف أن الدولة لا تعترف بتلك المتلازمة وتعتبر هؤلاء الاطفال غرباء عن المجتمع الذى هو نفسه يحتضن أصحاب الإعاقات الأخرى مثل متلازمة داون والضمور العضلى وغيرها، مطالبة الدولة بتوفير مراكز تخاطب ومستشفيات بالمجان لهم، فأغلب أدويتهم مستوردة وغير متوفرة.

وعن أعراض هذا المرض، يقول الدكتور أحمد نبيل، أستاذ الأمراض الوراثية للأطفال: يتسم طفل الويليامز بملامح خاصة أهمها الجبين العريض والأنف القصيرة والفم الواسع الذى يشبه فم السمكة لذا فإن بعض الأطباء يطلقون عليهم اسم "أطفال السمك"، فضلا عن الخدود المنتفخة والمؤسف أنه عند الولادة يصعب تشخيص المرض، مشيراً إلى أن اكتشاف المتلازمة كان من قبل عالم اسمه ويليام بعد فحصه لأربعة أطفال مصابين بها وليس بينهم أى صلة قرابة.

يضيف: يصاحب المتلازمة أمراض عضوية كخلل فى الأوعية الدموية والأنسجة الضامة مع ضيق فى الشريان الأورطى، وتلف فى "الكروموسوم 7"، المسئول الأول عن المرض، فضلا عن مشكلات النمو فقد لا ينمو الطفل أو يكتسب وزنا سريعا مثل أقرانه، والغريب أن أغلبهم يحب المرح ولا يخاف من الغرباء.

ويرى نبيل أن المتلازمة ليس لها علاج عضوى إنما علاجات تهدف لتخفيض ضغط الدم وعلاج الأوعية الدموية إضافة لتنمية المهارات اللغوية والخضوع لجلسات العلاج الطبيعى.

غياب الإحصائيات

أما خليل محمد، مدير عام إدارة التأهيل بوزارة التضامن الاجتماعى، فيقول: لا توجد إحصائية بعدد الأشخاص من متلازمة ويليامز، خاصة أن معظمهم لا يعانى إلا أمراضاً عضوية فقط وليس إعاقات عقلية، ما يجعلنا لا نحتسبهم ضمن المعاقين، مؤكداً أن اختبار الذكاء والتكيف السلوكى الذى تجريه الأسرة للطفل فى المراكز الرسمية هو الفيصل، فضلاً عن تعاملنا مع النتائج التى ترتبت عليها من توحد أو إعاقة ذهنية وليست المضاعفات الطبية.

وبخصوص الدعم الذى تقدمه الوزارة للأطفال، يقول: يحصلون على الدعم والمزايا الممنوحة لهم من قبل قانون الأشخاص ذوى الإعاقة بمحض بطاقة الخدمات المتكاملة، مؤكدا أن الضغط الشديد على موقع الوزارة لاستخراج البطاقة هو سبب تأخير حصول الأهالى على بطاقاتهم الذهبية.