"فيزيتا" العيادات .. تحقيق المكسب على حساب المرض

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

لم يعد هناك طبيب يعتمد على التشخيص بالكشف العادى على المريض، وأصبح لابد من قائمة فحوصات من الأشعات والتحاليل ليتمكن الطبيب المعالج من التشخيص وتحديد العلاج المناسب، قمنا برصد الأسعار لعدد من معامل التحاليل ومراكز الأشعة، التى من الواضح أنها أصيبت بنزيف مستمر، لايوقفه آنين أو آهات المرضى غير المقتدرين ماديا.

ففي إحدى المعامل الكبرى كان سعر تحليل "دلالات أورام شاملة" 1794جنيها، يتم عمل خصم عليه فى بعض الأوقات ليكون 1435 جنيها، وفى معامل أخرى يكون نفس التحليل بـ 900، وفي معامل أخرى أقل شهرة يصل إلى 400 جنيه.
وكانت أسعار تحاليل وظائف الكبد فى إحدى المعامل الكبرى 360، فى حين أن ثمن تحليل الكبدي الفيروسي الكمي يبلغ حوالى 700 جنية، وتحاليل وظائف الكلى 280 جنيها، وأسعار تحاليل الغدة الدرقية 180 جنيها، وكان سعر تحليل الهيموجلوبين السكري بالدم يصل إلى 80 جنيها، تحليل الدهون الثلاثية 50 جنيها، وتحليل السكر فى الدم 30 جنيها.

في حين يتراوح سعر تحليل فيتامين د بالمعامل الخاصة ما بين 880 إلى 1038 جنيها، أما المستشفيات الحكومية فكان من 300 إلى 500 جنيه، ويصل سعر فحص باثولوجي لأخذ عينة من نخاع العظام إلى 300 جنيه، وفي معمل أخر كان330 جنيها.
أما الأشعات فتختلف أسعارها بإختلاف العضو الذى سيم عمل الأشعة عليه، وبإختلاف نوع الاشعة، فهناك أشعة المسح الذري وتعد من أعلى الإشاعات سعرا، واصبحت تطلب كثيرا مع زيادة اعداد مرضى الأورام، وهذه كان سعرها للجسم كله فى إحدى المراكز الكبرى 5000 جنيه، ويتراوح سعرها للعظام والكبد من 650 وحتى 1000 جنيه تقريبا، وللغدة الدرقية من 400 جنيه وحتى 675، وتتوفر هذه الاشعات فى العديد من المستشفيات العامة، بأسعار أقل من تلك، إلا أنها غالبا مايكون بها قوائم انتظار، قد لاتحتمل الحالة المرضية انتظارها.

رنين مغناطيسي وهذه من الأشعات المرتفعة السعر، وقد تزيد فى بعض الأحيان عن 1500 جنيه، وتختلف باختلاف المركز والعضو الذى سيتم تصويره بها، والاشعة المقطعية تتجاوز الألف فى عدد من المراكز، وتتوفر فى المستشفيات الحكومية بأسعار أقل تصل إلى 300 جنيه وأحيانا أقل.
يقول محمود تهامى أنه صرف أشعات وتحاليل لزوجته فقط أثناء رحلة تشخيص وعلاج الورم الذى عانت منه مؤخرا ما يتجاوز الـ20 ألف جنيه، فهناك بعض الفحوصات مثل المسح الذرى والرنين يتجاوز الواحد منهم الاف، وهذه الفحوصات تتم أكثر من مرة لمتابعة الحالة ومعرفة الى أى مدى وصل الورم.

وتقول صباح خليل أنه عندما أصيب والدها بجلطة فى المخ، قامت بعمل أشعة رنين له ثلاث مرات، كل مرة بـ 1400 جنيه، هذا بالطبع بخلاف أشعات مقطعية وعادية على الصدر لأن والدها كان يعانى من مشاكل صدرية وتأثرت بالجلطة، متابعة ان هذا بالإضافة لعمل تحاليل بصفة مستمرة لمتاعبة معدلات التجلط والسيولة فى الدم، مؤكدة أن الأمر فى المجال الطبي أصبح فوق مقدور الغالبية العظمى من الناس.
  
الفيزيتا.. من لا يملك لا يكشف

الكشف هو أولى مراحل رحلة البحث عن مسكن للآلام، إلا أن المبالغة في أسعار كشف الكثير من الأطباء جعل الكثير يتخذ وقتا طويلا لاتخاذ هذه الخطوة، ما قد يسبب مضاعفات للمريض، وأصبح من يملك له الحق في إيجاد مسكن لآلامه، ومن لا يملك لا يستحق الحياة، وبعد أن كانت أسمى وأرقى المهن، أصبحت هي الأخرى كغيرها من المهن التي تعتمد على العرض والطلب.

 رصدنا معاناة الناس مع فيزيتا الأطباء خلال جولة على العيادات، ففي المناطق الشعبية التي كانت أسعار الكشف بها ما بين خمسة وعشرة جنيهات، لتناسب مستوى القاطنين بها، لم تعد تقل فيزيتا أقل طبيب عن 80 جنيهًا، وهذا في أقل المستويات.

في حين أن بعض التخصصات التي اشتهر بها بعض الأطباء خاصة مثل القلب والمخ والأعصاب والكبد والأورام، فتبدأ أسعار الكشف لديهم من 300 فيما أكثر، حسب شهرة الطبيب وموقع العيادة، والبعض يتجاوز كشفه الألف، ولم يقتصر الأمر على الفيزيتا وحدها إنما هناك استشارة بسعر مختلف، إضافة إلى أسعار المستلزمات المصاحبة للكثير من التخصصات مثل الأسنان أو العظام.

وفي مجال الكبد، تصل الفيزيتا لأحد الأطباء المشهورين 2000 جنيه، والاستشارة بـ500 جنيه، وآخر كان كشفه 850 جنيهًا والاستشارة 300 جنيه، والكشف يكون مع المساعدين غالبًا، والطبيب يكشف في حالات معينة فقط، وقائمة الانتظار تتجاوز الأسبوعين حتى يتمكن المريض من حجز موعد.
في تخصص الجلدية والتناسلية، كان كشف دكتور شهير بالجيزة 600 جنيه، والاستشارة بـ200 جنيه، والمستعجل يصل لـ800، وطبيب آخر في المهندسين بلغ سعر الكشف لديه 500 جنيه، وآخر في مصر الجديدة كان كشفه 400 جنيه ولغير المصريين 500 والاستشارة بـ100.
وكان أطباء المخ والأعصاب والأورام من أعلى الفئات سعرا، فهناك طبيب مشهور في المخ والأعصاب بلغ قيمة الكشف لديه 1200 جنيه، والدفع مقدما عند الحجز، والانتظار 40 يومًا للكشف، وآخر في مصر الجديدة كان كشفه 800 جنيه.

وكان سعر الكشف لدى طبيب أورام بمصر الجديدة 1000 جنيه، وآخر أستاذ بطب عين شمس كان كشفه 600 جنيه، في حين أن هناك بعضهم تتراوح أسعار الفيزيتا لديهم من 200 إلى 400 جنيه حسب المكان. 
وفي مجال العظام والأسنان، كانت أسعار الأدوات والمستلزمات المستخدمة تضاعف من مشكلة ارتفاع سعر الفيزيتا، فإذا كانت الفيزيتا بـ400 جنيه مثلا في المتوسط، فإن المريض يصرف أضعاف هذا المبلغ، سواء في الأسنان من حشوات وخلع وتركيب، وعمل طربوش أو تقويم وغيرها، وفي العظام فهناك جبيرة أو ما يشبهها من معاصم وأربطة، وفي حال العمليات يكون هناك شرائح ومسامير وغيرها.

وتقول سمر أحمد، إنه عندما أصيب والدها بجلطة توفي على إثرها بعد 6 أشهر، صرفوا خلال هذه الفترة ما يقرب من الـ40 ألف جنيه كشف وفحوصات وعلاج فقط، متابعة: "أقل طبيب مخ وأعصاب ذهبنا له كان كشفه 400 جنيه، والاستشارة كانت بـ150، وأقل روشتة كانت تتخطى الـ2000 جنيه، وكانت تتغير مع كل استشارة أو متابعة حسب الحالة، وكان هناك طبيب مشهور بهذا المجال، ولكن كان كشفه بـ1500، كان علينا الإنتظار ما يقرب من شهر ونصف لنتمكن من الكشف لديه، ودفع كامل سعر الكشف شرط للحجز.

بينما يقول محمد محمود، إن زوجته أصيبت بورم منذ عامين تقريبا، ومن وقتها وأصبحت أغلب ميزانية دخله مخصصه لهذا، قائلا: "ذهبنا لأكثر من طبيب للتأكد من الموضوع فى البداية، كان كشف أحدهم 800 جنيه، وآخر 500 جنيه، هذا بالطبع بخلاف سعر الاستشارة الأولى والثانية، والثالثة تكون كشف جديد".
وأضافت رشا محمد، أنها عانت الكثير مع أطباء الأسنان، مؤكدة: "اللي بيبدأ المشوار دا مبيعرفش يوقفه"، موضحه أنها صرفت الكثير من أجل إصلاح مشاكل أسنانها، ومع كل مرة يفتح لها الطبيب مشكلة جديدة بحاجة لتدخل منه، "وكله بحسابه"، وصرفت "كشوفات" فقط خلال هذه الرحلة حوالي 3000 جنيه، بخلاف المستلزمات المستخدمة في الحشو وحشو العصب وتركيب طربوش، ويتم كسره، وتضطر لعمل واحد آخر.
وفي هذا السياق، يقول دكتور أحمد كامل أستاذ مساعد جراحة المخ والأعصاب بطب القصر العيني، أن أسعار كشف الأطباء هي أقل مشكلة قد تواجه المريض، لأنه متاح الكثير من الأطباء في نفس المجال، ولا يوجد طبيب هو وحده من بإمكانه تحقيق المعجزة، فالعلم لدى الجميع واحد.
وتابع: "هذا بالإضافة إلى أن هناك الكثير من المستشفيات العامة والجامعية التي تضم فريقا هائلاً من الأطباء في شتى المجالات، تقدم الخدمة بأسعار رمزية وبها أساتذة كبار".

ونوه أن المشكلة الحقيقية أن الطب الحقيقي مكلف جدا، والحل هو التأمين الصحي الشامل الذي لجأت له الدولة، لافتا إلى أن الغالبية العظمى من الأطباء ثمن الكشف الخاص بهم في المتوسط، وأقل من 10% فقط منهم هم من كشفهم مرتفع، قائلا: "هؤلاء مشاهير المهنة، وفي كل مجال مشاهيره الذين تكون أسعارهم مختلفة عن البقية، فهؤلاء لديهم الكثير من المرضى ووقتهم محدود، وهذا ثمن خبراتهم وسنوات عمرهم التي أفنوها في هذا المجال، وهذا غالبا لا يكون سوى لدى الأطباء الكبار الذين تجاوزا الستين".  
واختتم: "العلم متوفر والجيل الوسط لديهم قدرات قوية جدا طبية وجراحية، ولكن هناك من يبحث عن الاسم الأكثر شهرة وهذا له ثمن"، موضحًا أن الطبيب طالما يسدد ضرائبه فلا هناك ما يمنعه من وضع السعر الذي يراه مناسبا له ولخبراته.

جلسات التأهيل..أسعارها نار

وتنقسم فاتورة المرض إلى عدة أبواب، وكل مريض حسب مقدرته وإلى أى باب منها يستطيع الوصول والعبور، ففزيتا بعض الأطباء أصبحت تتخطى الآلاف، وأسعار الدواء فقط فى متناول الأغنياء، أما التحاليل والأشعة فباتت أسعارها وكأنها مصابة بنزيف مستمر، هذا بالإضافة إلى تخصصات ومجالات "التأهيل" التى ظهرت مؤخرا خاصة بعد زيادة أعداد الأطفال المصابين بأنواع مختلفة من الإعاقات، مابين جلسات تخاطب وتنمية مهارات وعلاج طبيعي وتعديل سلوك وغيرها، وهذه كثيرا ما يتنازل عنها الأهل لعدم استطاعتهم توفير نفقاتها التى لاعلاقة لها بأحوال الناس.  
طريق مختلف محفوف بالمتاعب، يضطر الكثير للسير فيه خاصة من أهالى الأطفال ذوى الإحتياجات الخاصة، فهؤلاء الأطفال يكون لديهم قصور فى نواحى مختلفة، ويكونو بحاجة إلى أنواع مختلفة من جلسات التأهيل بشكل شبه دائم، مثل جلسات التخاطب وتنمية المهارات والعلاج الطبيعي، وهذه الجلسات تحتاج للاستمرارية لسنوات ليكون لها فائدة، الأمر الذى يكون فوق طاقة أغلب الأسر ماديا.

أسعار الجلسات تتغير وفق عدة معايير، منها أسم الطبيب أو المعالج وشهرته، وهل هو أخصائي أم طبيب، ومدة الجلسة، ومكان المركز، وكذلك نوع الجلسة هل هى تخاطب أم تنمية مهارات أم علاج طبيعي، وتبدأ فى المناطق الشعبية بـ 40 جنيه للنصف ساعة، وتصل فى بعض المناطق لـ 300 جنيه فى الـ 20 دقيقة، وعادة ماتكون هذه الجلسات من 3 إلى 5 جلسات اسبوعيا، حسب حالة المريض وإمكانيات أسرته المادية، وهناك بعض المستشفيات تقدمها بأسعار أقل من المراكز المتخصصة.
وتقول ولاء السيد أم لثلاثة أولاد، أصغرهم "داون"، عرفت منذ اليوم الأول لولادته أنه يعاني من مشكلة، تشخصت بعد ذلك أنه مصاب بمتلازمة داون، وبدأت ولاء رحلتها فى البحث عن علاج بعد أن فاقت من صدمتها، قائلة " فى البداية اجرينا الكثير من الفحوصات من اشعات وتحاليل للتأكد من التشخيص السليم، وبعدها بدأت فى رحلة العلاج".

وأوضحت أنه مع العام الثانى بدأت مشوار جلسات التخاطب وتنمية المهارات، والتى كانت الواحدة منها بـ 40 جنيه منذ حوالي 8 أعوام، والآن وصل ابنها لعمر التسع سنوات ولم تتوقف عن الجلسات، متابعة "طبعا الأسعار زادت والجلسة اللي كانت ساعة بـ 40 جنيه، دلوقتى نص وبـ 50 جنيه، ولو اضطررت أن أوقف الجلسات لأي سبب حتى لو شهر، تتراجع حالة مالك، فهؤلاء الأطفال لايمكنهم الاستغناء عن الجلسات التأهيلية.
وتقول رشا كرم أم لطفل ولد بضمور في المخيخ، اكتشفت اصابته وهو في عمر السبعة أشهر، وبعد أن قطعت مشوارا كبيرا في الكشف والفحوصات كلفها عشرات الآلاف، بدأت في المرحلة الثانية من الرحلة وهي العلاج، وأجمع الأطباء أن علاج ابنها الرئيسي يتمثل فى جلسات تأهيل حركي وسمعي وحسي بشكل دائم.

وبدأت رشا رحلة جديدة محفوفة بالصعاب والعقبات، فحالة ابنها لم تكن عادية، أغلب الأطفال يعانون من مشكلة تسبب لهم ضعف فى إحدى الوظائف، أما أبنها فاصابة المخيخ أثرت على الحركة والسمع والكلام والاتزان، ماجعلها بحاجة الى عمل جلسات مكثفة متنوعة من علاج طبيعى وتخاطب وتنمية مهارات وتكامل حسي.

وبلغ ابنها عامه الخامس، قضت منهم رشا أربع سنوات بين المراكز المختلفة، اخذت إجازة بدون مرتب من عملها لتتمكن من الذهاب بنها لجلساته، كان ابنها يأخذ في الاسبوع  3 جلسات على الأقل في كل جانب تأهيلي، لكل منهم سعره، بالإضافة الى المتابعة من الاستشاريين فى كل مجال، وفى كل مرة كشف مختلف، مؤكدة أن الأمر مرهق ماديا بصورة لايمكن تخيلها، لافتة إلى أن ألكثير من الأطفال يبقون عاجزون بسبب عدم قدرة أهلهم على نفقات هذا العلاج.

وقال د.محمد نادى عبدالحميد أخصائي تخاطب، أن هناك الكثير من المتغيرات التى تحكم أسعار الجلسات، منها الحالة نفسها ونوع الجلسة التى تحتاجها، وأحيانا يكون هناك خصومات للحالات الإنسانية، قائلا "الجلسة في العموم تتحدد حسب المستوى الثقافي والمعيشي لمكان المركز، فلايوجد تسعيرة ثابتة فى المطلق"، متابعا أنه عندما كان يعمل فى مركز فى حدائق الأهرام كانت الجلسة مدتها 40 دقيقة بـ 150 جنيه، وفي العياط يصل سعر الجلسة لـ 20 أو 30 جنيه، وهذا بالطبع بناءا على المستوى المعيشي للمكان.

ولفت إلى أنه في بعض المناطق مثل التجمع وأكتوبر ومدينة نصر تصل إلى 300 أو 500 جنيه، إلا أن هذه الأسعار ليست كثيرة. 
وأيضا من معايير السعر المتخصص الذى يقدم الجلسة، هل هو معه تأهيل وماجستير أو دكتوراه يكون له سعر مختلف عن المتخصص العادي، لافتا إلى أنهم يعانون من مشكلة أنه لاتوجد لهم جهة متخصصة مسئولة عنهم، فمن يريد أن يفتح مركز عليه إما أن يكون تابع لمركز علاج طبيعي، أو ان يؤسس لجمعية خيرية من أهدفها رعاية شئون ذوى الإحتياجات الخاصة، وهذا يقف عائقا أمام الكثير منهم فى انشاء مراكز متخصصة رسمية، ولا توجد نقابة مسئولة عنا، تتراوح أسعار الجلسات فى المراكز من 50 وحتى 150 جنيه حسب المنطقة، ومدتها من 40 دقيقة الى ساعة، والتي مدتها أقل من هذا فمن 20 الى 70  مدتها نصف ساعة.

سلع ذات طبيعة مختلفة  

أصبحت أسعار الدواء فقط في متناول الأغنياء، فمع انتشار الكثير من الأمراض، زاد احتياج الناس للعقاقير الطبية المختلفة، إلا أن الشركات المنتجة تتعامل مع منتجاتها كغيرها من السلع، دون الإعتبار لكونها سلع ذات طبيعة مختلفة، وترفع أسعارها بشكل مستمر بغير رأفة أو رحمة بآلام المرضى.

تقول بوسي أحمد، أنها عندما أصيب والدها بجلطة في المخ، وبدأت رحلة العلاج، كانت لاتقل الروشتة عن ٢٠٠٠ جنيه، وكانت تتجدد كل أسبوع تقريباً، وأحيانا بعد شراء الدواء، يتضح أنه غير مناسب للحالة أو يسبب أعراض جانبية كبيرة، ما يضطرهم إلى تركه وشراء غيره، مؤكدة "الموضوع فعلا صعب جدا، ومرهق ماديا خاصة لو أن الشخص لايتبع تأمين صحي يساعد في هذه التكاليف".
ويضيف أحمد سليمان، أنه عانى كثيرا مع والدته بعد أن اكتشف إصابتها بورم في القولون، خاصة مع إرتفاع تكاليف كل جوانب العملية الطبية، متابعا "رغم أن هناك قرار على نفقة الدولة بجرعات الكيماوي، إلا أن باقى الأدوية تكاليفها تتخطى الآلاف شهريا، فهناك نوع واحد فقط للمعدة عبارة عن ١٠ أقراص ب ٢٠٠ جنيه، وفيتامين عبوته بجرعة واحدة ب ١٥٠ جنيه".
في قال دكتور علي عبدالله رئيس جمعية الدراسات الدوائية، أن أسعار كل ماهو متعلق بالعملية الطبية أصبح في تزايد مستمر، سواء أسعار الكشف أو التحاليل أو الإشاعات، وانتشرت ثقافة أنه كلما زاد سعر الكشف زادة كفاءة الطبيب أو المركز، لافتاً إلى أنه وصلت فزيتا الكشف لدى طبيب قلب شاب 3000 جنيه.

الهم الأقل

متابعا "بينما تمثل أسعار الدواء الهم الأقل في الأمراض الحادة والمزمنة، خاصة فى حال مقارنتها بالأسعار العالمية"، لافتاً إلى أن هناك أدوية مازالت بأقل من 3 جنيهات لأمراض مزمنة كالسكر والضغط.
وأوضح عبد الله، أن الأدوية الحديثة هي الأغلى سعرا، والدولة تشجع الصناعة المحلية المماثلة للمستورد لحل جانبا من المشكلة، وبأسعار أقل بكثير من المستورد، منوها إلى أن الشركات الأجنبية تنفق ملايين الدولارات من أجل الترويج لادويتها، والتقليل من كفاءة الأدوية المحلية، قائلا "هناك مضاد حيوي مستورد شهير سعره في مصر 90، و900 في السعودية، في حين أن المماثل المصرى له سعره 30 جنيها".
مستكملا أن هذا لاينفي أن أسعار الدواء بصفة عامة مرتفعة، فتتراوح أسعار الروشتات العامة ما بين 100 إلى 200 جنيه، وتصل إلى 500 جنيه مع انتشار كورونا،  بينما تصل إلى الآلاف أو عشرات الآلاف في أدوية الأورام صاحبة التكنولوجيا العالية، والتي لا نستطيع تصنيعها في مصر.

التسعير الجبري

وعلق الدكتور هاني سامح الخبير الدوائي ،على زيادة أسعار الأدوية والمكملات قائلا "إن قوانين وقرارات الصيدلة قد نظمت التسعير الجبري للمستحضرات الصيدلانية بتحديد أقل سعر عالمي للمستحضر الأصلي كأساس للتسعير، وهو مايوجب التسعير وفق سعر دولة الهند كمثال، وللمستحضرات المثيلة للشركات المحلية والخاصة بما يقل بنسبة 35% عن أقل سعر عالمي، وبتحديد هامش ربح لا يجاوز 25% للمصنع بعد استبعاد التكاليف، و7% للموزع، و25% للصيدلية لباقي المستحضرات ومنها المكملات الغذائية المسجلة على شكل صيدلي.

وأوضح أن صناعة الدواء غير مكلفة في خامتها وطرق التصنيع، حيث أن الخامات هي أقل المدخلات في تلك الصناعة، لأن العالم المتقدم بأسره يعتمد على الخامات الصينية والهندية والشرق اسيوية، والكيلو جرام الواحد لأي خامة لايزيد سعره عن المائة دولار في الأغلب، وهذا الكيلو ينتج ملايين الأقراص والعبوات الدوائية، وغالب العبوات الدوائية يتم وزنها بالملي جرام بل وأقل.

وفي مثال ذكر سامح أن مادة «الكلوبيدوجريل» المضادة للتجلطات يبلغ سعر المستحضر منها التابع لشركة أجنبية 205 جنيه، بينما هو ذاته لشركة محلية يبلغ خمسة جنيهات، بنفس الخامة وطرق التصنيع والمكونات وبنفس الكفاءة والخضوع للتحاليل والرقابة الدوائية للجودة.

وذكر دكتور هاني أن سعر الخامات يشمل التوصيل إلى مطار القاهرة أو الموانئ البحرية، بما يؤكد أن هذا المدخل غير مؤثر ولا يصح التحجج به لزيادة أسعار الأدوية والمكملات.

أرباحا مهولة

ولفت إلى أن شركات الأدوية تحقق أرباحا مهولة من تجارة الأدوية والمرض، مشيرا إلى قيام العديد من الشركات بتنظيم رحلات ترفيهية لجميع موظفيها من مندوبي الدعاية الطبية بما يسمى الاجتماعات الدورية وكذلك إهداء الرحلات للأطباء وأسرهم لحضور مؤتمرات عالمية تنعقد في منتجعات بحرية وسياحية كنوع من الرشاوي الطبية، لكتابة مستحضراتهم ذات السعر المرتفع، رغم صدور أحكام مغلظة ضد تلك الشركات وتغريمها مليارات الدولارات عن هذا .

وطالب سامح وزارة الصحة وهيئة الدواء المصرية وإدارة سلامة الغذاء بالتصدي لالأعيب الشركات الدوائية، مطالبا بإعادة تسعير المستحضرات بما يحمي حق المريض في العلاج، وبما يضمن تنفيذ القانون في تحديد هامش الربح المناسب للشركات بدون تغول، ولمنع تحول تلك الشركات الى مافيا للدواء لا هم لها إلا الربح من دماء المرضى.

وأشاد الخبير الدوائي، بنهج الدولة في التصدي لمافيا الدواء وما يمس الأمن الدوائي، حيث تم تعديل العديد من القوانين، وكان نتاجها أحكاما رادعة ضد أباطرة الدواء بتغريمهم مايقارب الأحد عشر مليار جنيه، وكذلك إنشاء مدينة الدواء المصرية لمجابهة أي نقص في السلع الدوائية، وفتح أبواب التصدير وقيام الدولة بالتدخل لتوفير الأدوية الهامة مجانا، كما تم في حملة علاج الكبد الوبائي والحملات الصحية وتوفير ألبان الأطفال.

ويقول إبراهيم محمود صيدلىي، أن الكثير من المرضى عندما يأتون بحثا عن علاج بمجرد معرفة الأسعار يصابوا بحالة هلع، ومنهم من يترك الدواء بالكامل ومنهم من يختار الأنواع الأكثر أهمية بالنسبة له.

ويؤكد أنه يتعامل يوميا مع عشرات الحالات التي بقف عاجزا أمام الامها بسبب عدم قدرتهم على شراء الأدوية، خاصة وأنه يعمل في منطقة شعبية، قائلا "من أصعب المواقف عندما يقف أمامى أب أو أم تسأل عن أدوية لطفلها ولاتجد معها مايكفى للروشتة".

أقرأ أيضا: ارتفاع أسعار أم استغلال تجار..؟!