قصة هروب السادات.. أغنية أسمهان أنقذته من «أزمة الحج»

الرئيس الراحل محمد أنور السادات
الرئيس الراحل محمد أنور السادات

قبل أن يحكي الرئيس الراحل أنور السادات قصته مع سائق من دمرو، عاد بذكرياته الى أحداث مهمة وقعت في حياته في ديسمبر عام 1944، والتي تستعيدها «بوابة أخبار اليوم» في ذكرى توليه مقاليد الحكم 17 أكتوبر 1971.

 

يحكي الرئيس السادات: «كنت في معتقل الزيتون، فقد اعتقلتني حكومة 4 فبراير 1942 التي أرغم  السفير البريطاني الملك فاروق على قبولها بعد أن حاصر قصر عابدين بالدبابات، وعندما تم الإفراج عن جميع المعتقلين ولم يبق في المعتقل إلا أنا سألت المسئولين عن السبب في عدم الإفراج عني وكان ردهم الذي أحزنني" (أنت معتقل بأوامر من السلطة البريطانية ولا تسطيع الحكومة المصرية الإفراج عنك).. فقلت لنفسي ما فيش فايدة».

 

ويمضي في روايته: «هنا قررت الإضراب عن الطعام وبعد أربعة أيام حسب القواعد والقانون وضعت تحت الإشراف الطبي ونقلت إلى مستشفى قصر العيني الجديد، وعدلت خطة الإضراب إلى خطة الهروب وكانت خطة هروبي بسيطة جدا.. اتفقت مع زميل لي أن يحضر سيارة صغيرة وكانت ماركة أوستن من مخلفات الجيش الإنجليزي اشتراها بـ50 جنيها وأن ينتظرني في مظلة سيارات الأطباء في اليوم المحدد الساعة 11 صباحا وأن يترك موتور السيارة دائرا».

 

في نفس الوقت جعلت العسكري المكلف باصطحابي أثناء نزهتي اليومية يطمئن لي، خصوصا عندما أختفي من أمام عينيه لعدة دقائق ثم أعود .. وهكذا، وفي اليوم المحدد خرجت في نزهتي اليومية مع العسكري وكالعادة لم يهتم عندما اختفيت من أمامه وذهبت فورا إلى مظلة السيارات حيث وجدت زميلي في السيارة فركبت بجانبه وتحرك هو بهدوء.

 

خرج زميلي بالسيارة من الباب أثناء زحام الخارجين والداخلين إلى قصر العيني.. وكان الجانب المظلم في قصة هروبي هو ذلك العسكري المكلف بحراستي.. أحسست بذنب تجاهه لكنني لم أتركه فبعد قيام الثورة مباشرة بحثت عنه فوجدت أنه قد توفي وبعد ذلك قابلت ابنه الذي أصبح مدرسًا .

 

اقرأ أيضًا| في ذكرى توليه الرئاسة.. مقال نادر للرئيس السادات

 

بعد هروبي من المعتقل اضطررت إلى العمل فقد كنت تحت خط الصفر في الفقر وفي نفس الوقت مسئولا عن عائلة فعرض علي صديقي الذي اشترك معي في عملية الهروب أن أعمل معه على سيارة لوري قديمة وكان للسيارة سائقا فاشتغلت شيالا ولبست الجلابية البلدي وأطلقت لحيتي وغيرت إسمي إلى الحاج محمد نور الدين.

 

وفي يوم من أيام شهر ديسمبر عام 1944 ذهبنا إلى شارع الأزهر وكان سوقا تتجمع فيه سيارت النقل ومكاتب النقل وطلب منا أن نقوم بنقلة اسمنت حمولتها 3 أطنان إلى بلدة بشبيش بجوار المحلة الكبرى لبناء وحدة حكومية بها.. الرحلة تستغرق ساعتين من القاهرة إلى طنطا ومن طنطا إلى المحلة الكبرى وبشبيش لن تزيد على ساعة.

 

لكن في هذا اليوم تصادف أن استغرقت الرحلة 48 ساعة فقد حدثت ظاهرة لم تر مصر مثيلا لها منذ خمسين عاما وهي نزول المطر المستمر لمدة ثلاثة أيام متتالية ومعنى ذلك أن الطرق الترابية كان من المستحيل معها التحكم في عجلة القيادة وبعد مشاكل وأهوال الطريق وصلنا طنطا في الفجر.

 

كنا نريد أن ننام فاحتمينا من المطر بأحد الكباري واستغرقنا في النوم وبعد هذه المعاناة دخلنا قرية بين المحلة وبشبيش ونحن في حيرة أي طريق نسلك يمينا أم يسار فإذا بمواطن يقبل علينا ويسأل عن وجهتنا فسألناه أولا عن اسم هذه القرية فقال إن اسمها «دمرو» فسألناه عن بشبيش قال من المستحيل أن تصلوا إليها الليلة رغم قربها بسبب الطريق.

 

وبكل تلقائية وأصالة قال إنتم ضيوفي الليلة بعد ما علم بقصتنا منذ خروجنا من القاهرة حتى اللحظة التي نقف فيها أمامه، فقال الرجل أنتم ضيوفي الليلة ولم ينتظر أن نرفض أو نوافق وقضينا الليلة في ضيافته وعرض علينا البقاء عنده ليوم آخر حتى أشفى تماما من الأزمة الصحية التي تعرضت لها بسبب الدوسنتاريا وقال معاتبا يا حاج محمد لا إحنا ولاد كار واحد ومهنتنا واحدة والناس لبعضها.

 

سرنا بهدوء شديد من دمرو إلى بشبيش وعندما وصلنا إلى مكان الوحدة التي تقوم الحكومة ببنائها نزلت وفي يدي البوالص والأوراق  وسألت عن المسؤول قيل إن الأفندي لم يحضر بعد، بحسب ما نشرته جريدة أخبار اليوم في مارس 1981.

 

وبعد فترة من الانتظار حضر الأفندي وطلبت منه أن يوقع على الأوراق فنظر لي من فوق لتحت وقال بكلمات مسترخية ممطوطة: أنت مستعجل على أيه يا أخي الدنيا طارت .. وعلى فكرة أنت اسمك أيه.. قلت: إسمي الحاج محمد نور الدين فقال إجلس واحكي لنا عما شاهدته في الحج وأسقط في يدي فأنا لم أكن حتى ذلك الوقت قد حججت ولم أجد شيئا أقوله إلا ما سمعته من أسطوانة المطربة اسمهان مسجل عليها أغنية عليك صلاة الله وسلامه وتذكرت أنها كانت تقول وأمتى عيني تشوف منظركم يا نخلتين فوق الحرمين وجلست أحكي له عن النخلتين الموجودتين فوق الحرمين .


المصدر : مركز معلومات أخبار اليوم