ندى البدوى
شمسٌ جديدة تُشرق على منظومة القطن المصري، ليمضى الذهب الأبيض بخطى ثابتة نحو استعادة مجده، بتضافر جهود الجهات المعنية بحل الأزمات التى ظل يئن تحت وطأتها لسنواتٍ طويلة، الأملُ الذى تجدد مع القفزة التى حققتها أسعار القطن فى الموسم التسويقى الجديد، فى ظل ارتفاع الطلب العالمى على الأقطان المصرية، وزيادة الطلب المحلى مع تطوير قطاع الغزل والنسيج، وتعميم منظومة التداول الجديدة، التى تهدف إلى تنظيم عملية تسويق الأقطان والحفاظ على نقائها ومواصفاتها فضلاً عن تحقيق سعر عادل للمُزارع، ما ينبئ بانتعاش محصول القطن وزيادة إقبال المزارعين عليه، بعد تراجع المساحات المنزرعة منه بصورة كبيرة على مدار سنوات.
يلفت المهندس صفوت الشهاوي، مدير منظومة تداول القطن الجديدة، إلى أن توحيد نظام التداول كان ضرورة حتمية للنهوض بالمنظومة وتحقيق الاستقرار المطلوب للسوق، وهناك شروط وقواعد مُحكمة وضعتها اللجنة المعنية لتداول القطن الزهر لضمان نجاح المنظومة، حيث حددنا آلية تسعير عادلة لفتح المزادات وفق معادلة سعرية تُحقق هامش ربح مُجزيا وعادلا للمزارع والشركات وفق الأسعار العالمية للقطن، الذى يتم وفق سعر اإنديكسب الذى يُمثّل متوسط خمسة أصناف معيارية عالمية، يُضاف إليه20% لمحصول القطن بالوجه القبلي، و40% لمحافظات الوجه البحري.
يضيف: كما تم تحديد قواعد تنظيمية للشركات المُشاركة فى المزادات العلنية، بأن تكون الشركات مُرخصة ومعتمدة لدى لجنة تنظيم تجارة القطن، مع ضمان جديتها بسداد خطاب تأمينى بقيمة 250 ألف جنيه، لحساب الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج يتم استرداده بعد نهاية الموسم. كما طبقنا آلية جديدة لتحصيل المزارعين ثمن الأقطان، بأن تودع الشركة التى حصلت على المزاد المبالغ المستحقة بعد انتهائه، وذلك فى حساب بنكى موحّد لمنظومة القطن، لتصدر بعدها أوامر التحصيل للمزارعين، ليتمكنوا من صرفها من فروع البنك الأهلى المصري.
ويرى الشهاوى أن ثمار أعمال تطوير منظومة القطن والغزل والنسيج ستظهر خلال الموسم المقبل، فمن المتوقع أن تتضاعف المساحات المنزرعة من المحصول إلى 450 ألف فدان يصل إنتاجها إلى ثلاثة ملايين قنطار، مشددًا على أنه لن يحدث إغراق للسوق مع استمرار أعمال التطوير، التى من شأنها أن تزيد المنافسة والطلب على القطن مع التوسع المتوقع فى تصدير الغزول والمنسوجات، وذلك بعد تطوير مصانع الغزل والنسيج بالمحلة التى ستستوعب مليونا ونصف المليون قنطار من القطن، بخلاف مجمّع المصانع الذى تم افتتاحه بمنطقة الروبيكى التابع للشركة الوطنية للتنمية الصناعية.
ومن جانبه يقول الدكتور هشام مسعد، مدير معهد القطن: إن القطن المصرى لا يزال الأفضل عالمياً، ومنذ عام 2015 بدأت الدولة فى تنفيذ خطة شاملة لإعادة القطن إلى وضعه سواء محلياً أو عالمياً، وهذه الجهود شملت خطوات عِدة، فمثلاً هناك خطة تستهدف زيادة المساحة المنزرعة سنوياً من القطن، لتتماشى مع فكر الدولة الهادف إلى زيادة التصنيع المحلي، حتى يغطى الإنتاج السوق المحلية لحماية المزارع وتسهيل عملية التسويق وتحقيق قيمة مضافة كبيرة، كما تسعى للاستفادة من زراعة القطن كمصدر للزيوت النباتية لتقليل فجوة الاستيراد، وفى المقابل توفير االكُسبب لتغذية الحيوان، كل هذه الإجراءات ستعمل على فتح أسواق جديدة للقطن المصري، مما يعود بالنفع على المزارع والناتج القومي.
يتابع: اكما اتخذت الدولة خطوات لتطوير صناعة الغزل والنسيج، والتى من خلالها يمكن تطوير الزراعة، وبناء على ذلك جرى وضع خطة طموحة لعملية التطوير وزيادة المساحة المنزرعة، وبالفعل زرعنا 240 ألف فدان فى الموسم الحالى مقارنة بـ180 ألف فدان العام الماضي، بزيادة قدرها 25 إلى 30%، كما أن مصانع الروبيكى التى افتتحها الرئيس عبدالفتاح السيسى تعاقدت مع وزارة الزراعة على الحصول على 150 ألف قنطار، لتصنيعها فى مصر بواسطة الأيادى المصرية، وسيتم افتتاح مصنع المحلة العام المقبل، بالتالى سيتعاقد المصنع مع وزارة الزراعة وسيكون هناك استهلاك للأقطان المصرية.
ويوضح: احصلنا أيضاً على (الرخصة الدولية) بعد اشتراك مصر فى مبادرة (القطن الأفضل) العالمية فى 2018-2019، وهى مبادرة تتعاقد مع (براندات) عالمية، بالتالى هناك طلب على الأقطان المصرية عالمياً مرة أخرى، واستعادة بعض الأسواق التى فقدتها مصر.
ويعتبر نظام زراعة القطن فى مصر من أقوى أنظمة الزراعة على مستوى العالم، حيث يصدر قرار وزارى فى شهر يناير من كل عام لتحديد أماكن زراعة الأصناف وهو ما تسبقه دراسات كثيرة، وكذلك يجرى توفير بذور القطن فى كل الجمعيات للمزارعين، لتشجيع زراعة القطن، كما أن الوصول للمستهدفات يعتمد على دراسة السوق وأزماتها وحل هذه الأزمات.
ويتربع القطن المصرى على عرش الأقطان العالمية بلا منافس لصفاته المميزة وطول التيلة ونعومته الفائقة، حيث ننفرد بإنتاج 23% من إجمالى الأقطان طويلة التيلة، فائقة النعومة، وهو نوع ينتج فى 12 دولة على مستوى العالم منها الصين والهند والولايات المتحدة وبيرو والسودان وهذه الدول تنتج حوالى 450 ألف طن، ويشكل إنتاج مصر نحو 23% من جملة الأقطان الطويلة والفائقة المنتجة على مستوى العالم. ويمتاز إنتاجنا بميزة تنافسية لكونها فائقة الطول والنعومة مثل أصناف جيزة 45 و87 و93 وفائقة المتانة مثل جيزة 92 وجيزة 96.
وكما يوضح الدكتور عباس الشناوي، رئيس قطاع الخدمات والمتابعة بوزارة الزراعة وعضو لجنة متابعة تداول القطن، فإن المنظومة الجديدة لا تُحمِّل المزارع أى أعباء بينما تحقق له أعلى سعر يمكنه الحصول عليه، بإعطاء شركات التجارة الفرصة للمُزايدة على المحصول، حيث تم تحديد 21 مركزًا للتجميع بمحافظات الوجه القبلي، بينما ستصل المراكز إلى ما يقرب من 200 مركز بالوجه البحرى الذى بدأ موسم الحصاد به. هذه المواقع تم اختيارها بالقرب من الأراضى الزراعية وداخل الجمعيات المنتشرة بالقرى والمراكز، وتتم داخلها عملية الوزن والفرز تحت رقابة كوادر وزارة قطاع الأعمال ووزارة الزراعة وهيئة التحكيم واختبارات القطن.
يواصل: يحصل المُزارع على70% من مستحقاته المالية من الشركة التى تحظى بالكميات المُنعقد عليها المزاد العلنى فى اليوم التالى لإجرائه، ويحصل على المبلغ المُتبقى خلال أيام بعد إجراء عملية الفرز وتحديد معدلات التصافى والرتب، بحيث يصله النقد الإضافى حسب جودة القطن ومواصفاته ودرجة نقائه ونظافته، قبل نقل القطن إلى المحالج المرخصة تمهيدًا لعمليات التصدير أو التصنيع المحلى بمصانع الغزل والنسيج.
من جانبه، يقول الدكتور ربيع محمد، وكيل وزارة الزراعة بمحافظة الفيوم: االقطن محصول استراتيجى مهم، خاصة (طويل التيلة)، لذا ننظم دورات للإرشاد الزراعى بجميع القرى التابعة للمحافظة بالتعاون مع معهد بحوث القطن ومتابعة المزارعين ومدهم بأفضل أنواع البذور التى تعطى إنتاجية أعلى، وبالفعل تم عمل إحلال وتبديل للبذور الموجودة بأخرى مستوردة تعطى إنتاجية أعلى، وتطبيق نظام الزراعة التعاقدية وتوعية المزارعين بالفوائد التى تعود عليهم من تطبيق هذا النظام، حرصاً من الدولة على تشجيع الفلاحين.
من ناحية أخرى، وفى خطوة جديدة، طبّقت وزارة الزراعة نظام التجميع أو التشوين وأقامت مزادات علنية لتوصيل قنطار القطن لأعلى سعر، مما يشجع الفلاح على الاستمرار فى الزراعة،مما أدى لزيادة سعر قنطار القطن إلى ٣٨٠٠ جنيه مقارنة بـ1700 جنيه العام الماضى.
أما حل مشكلات الجمعيات الزراعية، فيكون بتطبيق الكارت الذكى للفلاح، والذى يُحمّل بجميع المعلومات الخاصة بالمزارع كالاسم والرقم القومى والحيازة الزراعية، ومن خلاله يستطيع صرف جميع احتياجاته من أى ماكينة زراعية، كما أن هناك خطة لإعادة توجية الإرشاد الزراعى عن طريق عمل شاشات عرض ووضع أفلام بالأنظمة الجديدة التى سيتم التعامل بها.
ويشير الدكتور محمد غريب مهدى، أستاذ الاقتصاد الزراعى بكلية الزراعة بجامعة قناة السويس، إلى أننا حين ننظر لتاريخ زراعة القطن نجد أننا كنا نغطى احتياجات الســــوق المصـــرية فــــى حقـبـتــــى الثمــــانينيـــات والتسعينيات، لكن بعد صدور القانون 210 لعام 1994 الخاص بتحرير تجارة القطن، حدث عدم اتزان فى السوق، لأن الدولة حينها تخلت عن مسئولية تسويق الأقطان كأحد شروط اتفاقية التجارة الحرة، ما أدخلنا فى أزمة نتيجة فقدان أسواق كثيرة كانت تستورد القطن المصرى، بالتالى لم يجد المزارع طريقة لتسويق محصوله، وفاقم المشكلة أن القطن ليس محصولاً يمكن استهلاكه داخلياً مثل القمح أو الذرة، إلى أن صدر القانون رقم 4 لعام 2015 الذى ألزم وزارة الزراعة بمسئولية تسويق أقطان أكثر .
وتابع: انأمل حالياً فى إعادة فتح الأسواق التى فقدناها خلال العشرين عاماً الماضية، ففى السابق كنا نصدِّر القطن إلى 50 دولة، والآن يتراوح عدد الدول المستقبلة للقطن المصرى بين 20 و25 دولة.
يضيف: افى عام 1950 كنا نزرع مليونى فدان من محصول القطن، علما بأن إجمالى المساحة الزراعية فى مصر كانت 6 ملايين فدان، وهذا يدل على أهميته فى ذلك الوقت، حيث كان محصولاً استراتيجياً لدى المزارع، وكان يتكفل بسد جميع احتياجاته المالية حتى أن البعض كان يقوم بتزويج أبنائه وبناته بعد موسم الجني، لكنه للأسف لم يعد سلعة رائجة.
ويعزو الدكتور مهدى أسباب تراجع إنتاج القطن طويل التيلة إلى عدم تطوير الآلات المستخدمة فى زراعته محلياً، فحتى الآن مازال المزارع يعتمد على الأيدى العاملة لجنيه وجمعه، وهى عملية تمثل مع النقل 90% من تكلفة الإنتاج، بخلاف عدم وجود مراكز للتجميع قريبة من أماكن الزراعة، وهذا يجبر المزارع أن ينقل محصوله لمسافة قد تصل إلى 50 كيلومترا حتى مركز التجميع.. وغالباً ما تتحدد الأسعار فى بورصة القطن خلال شهر أكتوبر، أى بعد جمع المحصول، فلماذا لا يتم تحديدها والاتفاق عليها مسبقاً فى يناير؟ حتى يطمئن المزارع إلى وجود سعر مناسب للمحصول ويقبل على زراعته، وهذا الأمر يجب أن يتم فى إطار الزراعة التعاقدية، بحيث يعلم المزارع الجهة التى ستشترى محصوله وتمده بمستلزمات الإنتاج.