زواج القاصرات.. يغتال أحلام الصبايا

صورة موضوعية
صورة موضوعية

◄ طفلة سوهاج تنتحر قبل زفافها بأيام

◄ استشاري نفسي: الجهل والتفسيرات الدينية المغلوطة أبرز أسباب الزواج المُبكر

◄ قومي المرأة:  إجبار 111 ألف طفلة على الزواج المُبكر سنويًا

◄ ائتلاف حماية الطفل: الأب والأم والزوج والمأذون.. متهمون فى الجريمة

قد يرون أن زواج البنت وهي صغيرة سُترة، وآخرون  يعتبرونه ميراثًا من عادات الأجداد والآباء ولا جدال فيه، سُنًّت قوانين وغُلظت العقوبات، ولكن يبقي زواج القاصرات والأطفال جزءًا أصيلًا من عادات أهل الريف، سواء بقرى الصعيد أو الوجه البحري، لم يرحموا أجسادهن الضيعفة من تحمل ثقل أركان بناء أسرة وإنجاب الأبناء، ولم يشفع لهن أحلام وردية لمستقبل تعليمي مميز لفتياتهن.. استطاعوا التحايل علي القوانين وتحدي التشريعات من أجل زيجات تسقط من جعبتها يوميًا ضحايا تُسجل في دفاتر الوفيات وسجلات المطلقات دون أوراقٍ، هذا غير ما تخلفه من عشرات الأطفال بلا شهادات ميلاد. 

 

ووفقًا لآخر إحصائية أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء حول الزواج المبكر في مصر، أن عدد ممن سبق لهم الزواج في سن (10- 17 سنة) يبلغ 117220 فردًا، وهو ما يُعرف بزواج القاصرات بنسبة 0.8% من جملة السكان في هذه الفئة العمرية، وذلك وفقًا لتعداد 2017، وأشارت الدراسة إلى ارتفاع نسبة الأمية بين من سبق لهم الزواج في تلك الفئة العمرية، حيث تبلغ حوالى 40%، كما أن نسبة التسرب من التعليم بينهم مرتفعة أيضًا حيث تبلغ 36%، وقد أوضحت الدراسة أن أحد أهم الأسباب الرئيسية للتسرب يرجع إلى الزواج المبكر خاصة بين الفتيات بنسبة 25%.


انتحار قاصرات
وكان سكان منطقة الهرم بمحافظة الجيزة استيقظوا علي جريمة بشعة بانتحار زوجة قاصرة تدعي «آية» تبلغ من العمر 15 عامًا بالقفز من نافذة شقتها بالطابق الرابع وارتطمت جثتها بسيارة كانت متوقفة، ولحق بها زوجها القاصر أيضًا والذي يبلغ من العمر 17 عامًا بإلقاء نفسه من النافذة حزنًا عليها، كشفت تحريات الإدارة العامة لمباحث الجيزة أنهما تزوجا بعقد عرفي حرره محامٍ، ويقيمان بصحبة والدة الزوج بمنطقة فيصل بالهرم.


وأوضحت التحريات أن الزوجة المنتحرة تزوجت عرفيًا لمدة أسبوع قبل زواجها من العريس المنتحر، وبعد انفصالها تزوجت عرفيًا بعلم أهلهما لكونهما أقل من 18 عامًا بعدما ربطتهما قصة حب، وأنه كان من المقرر عقد قرانهما بعد إتمامهما السن القانونية، لكن العروس اختارت الانتحار وتبعها زوجها.


لم تكن تلك الواقعة الجريمة الأولي من نوعها التي كشفت عن كيفية تدمير حياة الأطفال بالزواج المبكر، ففي نفس التوقيت العام الماضي، انتحرت فتاة تبلغ من العمر 17 عامًا بقرية الشوش بمركز سوهاج، وتخلصت من حياتها قبل زفافها بـ»أيام»، لرفضها الزواج من شخص أجبرتها الأسرة على الارتباط به، قامت الفتاة بشنق نفسها مستخدمة ملاية سرير وعلقتها في سقف الغرفة، وعندما دخلت عليها والدتها وجدتها بكامل ملابسها معلقة في سقف الغرفة وملفوفاً حول رقبتها ملاية سرير، ومن سجل الضحايا أيضًا، فتاة تبلغ من العمر 15عامًا، انتحرت بتناولها صبغة الحنة السوداء بسبب عدة مشكلات مع زوجها، وذلك في مركز قفط بمحافظة قنا، ولم تشفع محاولات إنقاذها من قبل الأطباء بمستشفى قفط التعليمي، وأفاد تقرير مفتش الصحة بأن سبب الوفاة هبوط حاد بالدورة الدموية والتنفسية نتيجة تناول مادة سامة، دون وجود أي شبهة جنائية.


وتعقيبًا علي ذلك يقول أحمد مصيلحي، المحامي بائتلاف حماية الطفل، إن زواج القاصرات يعتبر جريمة استغلال للطفولة تصل عقوبتها للحبس 5 سنوات، فالمتهمون في الجريمة هم كل من شارك في الزواج ( الأب والأم والمأذون والزوج)، وكل من أسهم في ذلك يعتبر مشاركًا في جريمة تمثل استغلالًا جنسيًا وماديًا ضد الأطفال، حيث إن القاصرة تعد طفلة، وفق ما نص عليه الدستور المصري واتفاقية حقوق الطفل الدولية. 


وتابع «مصيلحي»: لا نحتاج لقوانين جديدة، لكننا بحاجة لتنفيذ القوانين الموجودة بالفعل، مؤكدًا أن زواج القاصرات يتسبب في الكوارث لم يتوقف علي تحميل أطفال مسئولية أكبر منهم، ولكن أيضًا ظلم الأطفال المواليد بعدم القدرة علي تسجيل شهادات ميلادهم والصحة الإنجابية للأمهات القاصرات، بما يحرمهم من المتابعة مع الوحدات الصحية والحصول علي التطعيمات اللازمة.

 


أبشع الجرائم
بينما تقول سناء السعيد، عضوة المجلس القومي للمرأة، إن زواج القاصرات تظهر وكأنه جريمة بسيطة ولكنها من أبشع الجرائم التي يتم ارتكابها، لما تسببه من ضرر للأطفال وتدمير لنفسيتهم وخراب للبيوت، مؤكدة أن الأرقام والإحصائيات تؤكد علي أن ما يقرب من 111 ألف طفلة من عمر 13 إلى 17 عامًا، يتم إجبارهم علي الزواج المبكرسنويًا.


وأضافت «السعيد» أن الزواج المبكر أحد أشكال العنف التي ترتكب في حق الأطفال الصغار، لأنه يمثل تحميل لطفلة غير مكتملة العقل والمشاعر لمسئولية أكبر منها، ويحرمها من أبسط حقوقها وهو التعليم، بما يساعد علي انتشار الجهل بصورة كبيرة، الأمر لم يتوقف علي ذلك فحسب، بل إن الزواج المبكر للفتاة وفق ما أكدته الأبحاث الطبية يسبب لها أمراضاً خطيرة وأحيانًا إجهاضًا بوفاة الطفل المولود أو تدهور حالة الأم أثناء الولادة ووفاته في الحال لضعف صحة الأم وصغر سنها.


واختتمت: هناك تعاون بين جميع أجهزة الدولة للحد من هذه الظاهره والقضاء عليها فى أسرع وقت ممكن عن طريق التوعية وتطبيق القانون، وهذا يتضح من خلال موقف النيابة العامة فى واقعة وفاة طفلة حى الهرم بحبس والد الطفلة المتوفاة وزوجها وهذه خطوة كبيرة فى حماية حقوق المرأة والطفل وإعطاء لهن الفرصة لعيش حياة مستقرة نفسيًا واجتماعيًا وصحيًا.

 


إتجار بالبشر
قالت بسمة محمود، استشارى نفسى وعلاقات أسرية وناشطة نسوية، إن  ظاهره زواج القاصرات من الظواهر الاجتماعية الخطيرة التى تؤثر على المجتمع بالسلب، وللأسف الشديد مازالت مستمرة رغم التقدم التكنولوجى والاجتماعى والثقافى ولم يقتصر انتشاره على مصر فقط  بل منتشر فى جميع الدول العربية، مشيرة إلى أن الزواج المبكر يعتبر انتهاكًا واضحًا وصريحًا للدستور والقانون المصرى والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الأطفال التى صدقت عليها الدولة المصرية، كما أنه يعتبر صورة من  صور الإتجار بالبشر فى مصر. 
وعن أسباب انتشار زواج القاصرات أوضحت بسمة أن الجهل الفكرى والعادات والتقاليد والتفسيرات الدينية المغلوطة التى تحث على زواج القاصرات التى يقوم بها بعض الشيوخ فى الزواية والقرى أبرز هذه الأسباب، فضلاً عن الفقر عدم تنفيذ القانون بشكل وأضح أو معلن ووجود بعض الثغرات به بما يتيح الفرصة للبعض لإتمام الزواج فى ظل غياب الرقابة، خاصة على  المناطق الريفيه، بجانب إنخفاض المستوى التعليمي والثقافي للكثير من هذه الأسر.


وأشارت إلى أن هناك أطرافًا كثيرة مشتركة فى هذه الزيجات التى لا يمكن أن تتم إلا من خلالها بداية من الأسرة مرورًا بالمحامى الذى يوثق العقود، ختامًا بوجود أحد الأئمة أو المشايخ من رجال الدين.


وأوضحت أن الزواج المبكر للفتيات ينتج عنه حدوث اضطرابات نفسية وسلوكية خطيرة نتيجة للانتقال إلى التغير المفاجئ من مرحلة الطفولة إلى مرحلة النضج وتحملها مسئولية زوج وأسرة، فضلاً عن تلبية الرغبات والاحتياجات الجنسية للزوج، رغم عدم اكتمال النمو الجسدى لديها، والتى  يصعب على عقلها أن يدرك هذه التغيرات أو يستوعبها، وبالتالى تحدث لديها اضطرابات وصراعات نفسية وسلوكية ما ينتج عنها اكتئاب أو وسواس قهرى ما يجعلها تقدم على الإنتحار فى بعض الأحيان.
 متابعة: لم تقتصر مشاكل الزواج المبكر على هذا فقط، فكثير من الفتيات فارقن الحياة أثناء الولادة وفى بعض الأحيان أثناء ممارسة العلاقة الزوجية، لأن أجسادهن هزيلة ولا يتحملن. 


وطالبت بسمة بتغليظ العقوبة وتطبيق القانون بشكل صارم وحازم وتنفيذة بشكل سريع وضرورة التوعية بمخاطر زواج القاصرات بالمناطق الريفية وفى القرى والأسر المصرية بشكل عام عن طريق دور العبادة سواء المساجد أو الكنائس والأدارات الصحية بمختلف محافظات الجمهورية ومراكز الشباب والجمعايات الأهلية.