كيف حكم دونالد ترامب أمريكا كرجل أعمال؟

دونالد ترامب
دونالد ترامب

"أقل من الميزانية، وقبل الموعد النهائي. هذه الكلمات القليلة الهامة لم نسمعها من الحكومات الأمريكية من قبل، لكننا سنسمعها قريبًا".. بهذه الجملة وضع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سياسته لإدارة البلاد حتى من قبل عقد الانتخابات الرئاسية في عام 2016 بشهر، وتحديدًا في أكتوبر من نفس العام عندما كان يحتفل مع ابنته إيفانكا بافتتاح إحدى فنادقه في العاصمة واشنطن. 


كان ترامب واضحًا منذ اللحظة الأولى من ترشحه بإشاراته لأنه سيدير الولايات المتحدة الأمريكية تمامًا كما يدير بقية أعماله، بخلفية رجل لم يكن يومًا سياسيًا، وإنما رجل أعمال.


وفي الوقت الذي استخدم الديمقراطيون هذه الأمر في انتخابات عام 2016 للإشارة إلى أنه لم يتمكن من إدارة الأزمات أو القضايا السياسية المختلفة، أكد ترامب أن هذا سيكون في صالحه، وبشكل خاص سياهم في إنجاح الاقتصاد الأمريكي وتوفير فرص عمل لملايين الأمريكيين، وهي واحدة من أهم القضايا التي من شأنها حسم نتيجة الانتخابات في الداخل الأمريكي.


ففي سبتمبر 2016، بينما كان يلقي أحد خطاباته كمرشح رئاسي في كارولينا الشمالية قال ترامب: "كما تعلمون، أنا لست سياسيًا. لقد عملت في مجال الأعمال والتجارة، أعلم كيف أخلق فرص عمل وأعيد بناء الأحياء، هذا ما كنت أفعله طوال حياتي".


ولا يعتبر ترامب هو الوحيد الذي حاول الوصول للبيت الأبيض برجل ذو خلفيه اقتصادية، وليست سياسية، أو قانونية أو عسكرية.

اقرأ أيضا: عدد المشاركين في التصويت المبكر لانتخابات الرئاسة الأمريكية يتخطى 90 مليونًا


فقد حاول ميت روماني، رجل الأعمال والسياسي الجمهوري منافسة الرئيس السابق باراك أوباما على حكم البيت الأبيض عام 2012، لكنه خسر السباق، في الوقت الذي تمكن فيه باراك أوباما من حكم البيت الأبيض لثماني سنوات متواصلة.


فكيف استفاد ترامب من خبرته، وكيف أستخدمها داخل المكتب البيضاوي؟

ليس دبلوماسيًا في الحديث


تجاهل الرئيس الأمريكي ترامب كل طرق الحديث الدبلوماسية والسياسية المعتادة في العالم، وانتهج سياسات واضحة تجاه كل الدول من حوله، فسمى دولاً حلفاء، وأخرى أعداء.


كما استخدم ترامب كل الطرق لإثبات ما يقول، بداية من الانسحاب من الاتفاقيات، إيقاف المساعدات المالية، وحتى تراشق الكلمات مع من أسماهم أعداءه بشكل علني.


كما أن الرئيس الأمريكي لم يتردد في الاجتماع مع زعيم كوريا الشمالية كيم كونج أون لمعرفة إذا كان سيتمكن من الوصول لاتفاق معه، في الوقت الذي أكد فيه الديمقراطيون أنهم لن يجتمعوا معه دون تخليه عن طموحاته النووية.


تمكن الرئيس الأمريكي بأسلوبه وطريقته التي كانت تعتبر جديدة تمامًا على الشعب الأمريكي، من لفت انتباه الجميع، خاصة على حساباته بمواقع التواصل الاجتماعي، وتحديدًا "تويتر"، حيث يكتب ترامب كل ما يخطر بباله، ويسمى الأشخاص بألقاب ومسميات لم يلجا إليها أي رئيس أمريكي سابق.

استخدم خبرته الدعائية


لا يوجد شركة أو عمل ما ناجح دون تطبيق سياسة دعائية ناجحة ومدروسة، وبشكل ما أو بأخر هذا هو ما طبقة الرئيس الأمريكي منذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها نيته للترشح للرئاسة.


ففي شعاره الذي أطلقه عام 2016: "جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى"، لم يخاطب ترامب سياسيين أو مثقفين في الداخل الأمريكي، لم يخاطب فئة اجتماعية بعينها، وإنما خاطب الجميع بشعار بسيط وواضح ورنان، دون الدخول في تفاصيل، وقام بتطبيقه على كل آرائه في كل المجالات.


وفي الوقت الذي يتميز فيه الخطاب السياسي بالاتزان والدبلوماسية، يتميز الخطاب الدعائي بالمبالغة ووضع الكثير من صفات المبالغة والوصف، وهو تحديدًا ما يلجأ إليه الرئيس ترامب، سواء في خطاباته أو من خلال تغريداته على موقع "تويتر"، فمثلا يقول ترامب: "حققت بلادنا نجاحًا مذهلا في مواجهة كورونا"، أو "حققنا نجاحًا كبيرًا في الاقتصاد الأمريكي" أو "أمريكا تمتلك الاقتصاد الأفضل في العالم".


وذلك فعلا عن وصف الأشخاص بصفات وألقاب مثل الإشارة لإليزابيث وارن بـ"بوكاهانتس"، وتسمية جو بايدن بـ"بايدن النائم".

سياسته تجاه الاعلام


كأي رجل أعمال، يعرف ترامب ما الدور الذي يمكن أن تلعبه وسائل الإعلام في حياة أي شخص، وكيف يمكن أن يكون تأثير ذلك على أعماله، ولذلك كان في البداية محافظًا في علاقاته معهم إلى حد كبير، ففي العام الأول من رئاسته، عقد مؤتمر صحفي واحد، مقارنة بـ 11 مؤتمر عقدهم باراك أوباما في عام رئاسته الأول، على سبيل المثال.


كما يتجنب ترامب مواجهة مراسلين من وسائل إعلام يعلم أنها لا تؤيده مثل "سي إن إن" و"نيويورك تايمز"، ويفضل عقد مقابلات أحاديه مع صحفيين من وسائل تناصره مثل "فوكس نيوز".


كما يلجأ ترامب إلى التقليل من مصداقيه أي إعلامي يتعمد الهجوم عليه ووصفه هو ووسيلته الإعلامية بـ"الاعلام المزيف".


والحقيقة أن ترامب قبل دخوله البيت الأبيض كانت علاقاته الإعلامية جيده إلى حد كبير، وكانت حفلاته غالبًا ما تحظى بتغطية إخبارية جيدة.

فن عقد الاتفاقيات


كان انسحاب ترامب من عدد من الاتفاقيات التي أبرمتها الإدارة السابقة لباراك أوباما ومن التحالفات المختلفة مبررة تمامًا بالنسبة لأي رجل أعمال.


فترامب – الذي يرى نفسه صانع صفقات ناجح- لا يحب إبرام الصفقات إلا بشكل فردي مع الأشخاص والدول، تمامًا كإجراء المقابلات بشكل فردي حتى تكون له اليد العليا، كما أنه يرى أنه يملك من الخبرة في إبرام الصفقات ما سيعطيه الامتيازات خلال خوض النقاشات.


وربما لنفس السبب كان ترامب دائمًا يقف وراء انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ويراه موقفا صائبًا دون دعم فكرة الاتحاد، وإنما الاتفاقيات الفردية.


وبالتالي فإن سمات ترامب في الترويج لنفسه كرجل سيدفع عجلات الاقتصاد في البلاد، ودخوله في حرب كلامية ومباشرة مع المنافسين، واستخدامه لغة واضحة وبسيطة لمخاطبة الجميع ومبالغته في الدعائيات بالإضافة لعداءة مع وسائل الإعلام، كل هذا يحدث ببساطة لأن "رجل أعمال" هو من يحكم أمريكا.