حكايات| ليلة لم تنم فيها طنطا.. ابتهال للنقشبندي في تابلوه راقص

ليلة لم تنم فيها طنطا.. ابتهال للنقشبندي في تابلوه راقص
ليلة لم تنم فيها طنطا.. ابتهال للنقشبندي في تابلوه راقص

حاصرت جماهير السيد البدوي، منزل الشيخ سيد النقشبندي في طنطا، وآلاف البرقيات من أسوان إلى الإسكندرية تنهال على عنوانه في الغربية، لم يعد الأمر تحت السيطرة، امتد سيل البرقيات ليشمل الرباط وطرابلس والكويت وبغداد ودمشق وبيروت، الكل يسأل شيخ المنشدين سؤلاً واحدًا: «أنت هترقص على خشبة المسرح يا شيخ ؟.. هل ستظهر إلى جوار راقصات فرقة طنطا للفنون الشعبية؟» 

 

سؤال نزل كالصاعقة، ماذا يفعل النقشبندي وكيف يرد على هذا السؤال الشائك، فجميع الأسئلة تتراوح بين الهادئ واللوم الغاضب الذي وصل أحيانًا إلى حد الهياج، وكلما هم سيد المنشدين بالإجابة على السؤال، فوجئ المقاطعون ليسألوه: «صحيح أم لا؟، يسكت النقشبندي تارة ويحاول أخرى الرد: «أصل الحكاية..»، ليأتي صوت من بعيد: «معنى ذلك أنه صحيح». 

 

تمالك النقشبندي نفسه ليرد بإجابة قاطعة: «لا غير صحيح»، ولسان حاله وقلبه يقولان: «استغفر الله العظيم»، ويراجع ضميره متسائلا: «هل كذبت يا شيخ؟»

 

فترات من السكون ممزوجة بالتوتر يتخللها مشاهد هذا اللقاء، الذي جمعه مع «الشيطان الظريف» كمال نعيم المشرف على فرقة طنطا للفنون الشعبية، والذي اتصل بالنقشبندي يسأله عما إذا كان يستطيع الحضور لمشاهدة بروفة لوحة فنية، كانت عبارة عن نوعًا من الحركات التوقيعية التي رآها نعيم أنها تعبر عن العبادة والابتهال، أكثر مما تعبر عن الرقص.

 

 

أدار نعيم جهاز التسجيل ليصدح صوت النقشبندي مصاحباً اللوحة الراقصة، والتي استقت كلماتها من ترانيمه المشهورة: 


يا رب أنا بناديك 
يا اللي تكالي عليك 
تقبل ركوعي إليك 
وسجودي بين أياديك 

 

هذه كلمات التابلوه الشهير، الذي أراد «نعيم» أن تصاحب النقشبندي في تجربة ربما تكون الأولى من نوعها، منتظرًا ردة فعل شيخ المنشدين على الفكرة، ليرد عليه في خشوع: «عظيم والله عظيم».

 

 

لم يصدق كمال نعيم ما وقع على مسامعه، فهل وافق الشيخ أم أنه لا يزال في حلم لم تنته سطوره، أخذ نعيم يكمل حديثه للنقشبندي بكل حذر: «إننا بهذه الرقصة نطوع الفن لخدمة الدين، وأنت تعلم يا مولانا أن بعض القساوسة في أوروبا وأمريكا يستعينون برقصات التويست والجيرك والجاز للدعوة إلى الدين بالكنائس».  

 

نظر الشيخ النقشبندي لنعيم ومشروعه الذي ينوي فيه إقامة «زواج شرعي بين الدين والفن»، ولا يزال نعيم يشرح فكرته: «أنا أريدك أن تنتزع الدموع من عيون الناس وأنت تترنم بالدعاء».

 

بدأ شيخ المنشدين في حضور البروفات متوكلاً على الله، فقد وجد النقشبندي أن اللوحة تحمل رسالة محترمة جذابة محفوفة بالجلال والخشوع، وبدأ في حفظ اللحن، لكنه لم ينس أن يشترط على نعيم ألا تضع البنات المساحيق أو يبتسمن وهن يؤدين اللوحة.

 

 

انتشر الخبر كالنار في الهشيم فخبر واحد في إحدى الصحف اليومية كفيل أن يقلب الدنيا رأسًا على عقب، وبالفعل قامت الدنيا في طنطا ولم تقعد، تحولت الأسئلة لمظاهرات عاصفة، افترش محبي النقشبندي مداخل الطرقات إلى بيته، الأمر الذي جعل الأمن في طنطا التدخل في الأمر وتوجهوا له بسؤال واحد.. هل هذا الخبر صحيح؟

 

سكت النقشبندي لحظات، مرت على من حضر كالساعات، تمالك نفسه ورد ردًا قاطعًا: «سأكذب الخبر»، وما إن سمعت فرقة طنطا ما حدث، قررت إرسال فريق من أفرادها إلى بيت النقشبندي برفقه نعيم، ليسألونه: «هل ستتخلى عنا يا مولانا».

 

كان السؤال يحمل في طياته لمسة حزينة، ففرقة طنطا للفنون الشعبية تمر بظروف عصيبة بعد نقل وجيه أباظة والذي أصبح يشغل منصب محافظ القاهرة، الأمر الذي أدى إلى خفض ميزانيتها، وموافقة النقشبندي على فكرة نعيم بمثابة «طوق النجاة» للفرقة وأعضائها. 

 

امتلأت عيون فرقة نعيم بالدموع، فموافقة النقشبندي على استكمال المشروع رغم «زمجرة» زوج ابنته أحمد الفقي  واحتشاد المتظاهرين أمام بيته، لن يوقفوا الفكرة، فقد عاهد النقشبندي كمال نعيم على عدم الانسحاب.

 

 

ساعات وتلقى كمال نعيم مكالمة هاتفية من النقشبندي يعتذر فيها عن التابلوه لينهي سيد المداحين حالة الترقب والتوتر التي سادت أرجاء طنطا، وامتدت أصدائها إلى عدد من الدول المحبة له.