حكايات| أكلات العيد عمرها مئات السنين.. «على كل شكل ولون»

العيش في مطروح
العيش في مطروح

عادات وتقاليد وموروثات تاريخية قديمة، يحرص المصريون على ممارستها في عيد الفطر المبارك، ورغم اختلافها من محافظة إلى أخرى وما يحملها بعضها من مظاهر احتفالية غريبة، إلا أن جميعها تربطها مناسبة واحدة.

وما بين العصيدة، والمفروكة، والشخرم، والمريسا، تتنوع الوجبات المعدة خصيصا احتفالا بقدوم العيد، والتي تحمل بعضها طابعًا تراثيا، فيما يرى آخرون فيها محاولة للهروب من الوجبات الدسمة التي كانت ضيفا دائما على موائد الإفطار خلال شهر رمضان.

خيل الشرقية

البداية من الشرقية، حيث احتفال بطابع خاص ونكهة مميزة، بسبب طبيعتها المتنوعة التي تجمع بين المجتمعات البدوية والريفية والحضرية، وبالرغم من تغير الظروف المجتمعية إلا أن الشراقوة يحرصون خلال العيد على العادات والتقاليد المتوارثة من العهود السابقة، فالمجتمعات البدوية لها طقوس خاصة، حيث لا تزال القبائل العربية المنتشرة بالمحافظة حريصة على ممارسة عاداتها الموروثة عن الآباء والأجداد. 


حفلات سمر

يقيم شباب القبائل حفلات السمر التي يتنافسون فيها في إلقاء الأشعار البدوية والغنائية طوال ليلة العيد، ويسهرون حتى الساعات الأولى من الصباح، ثم يسارعون بارتداء الثياب العربية الجديدة المصنوعة يدويا لأداء صلاة العيد في الساحات الكبيرة المقامة في الخلاء، وعقب ذلك يتوجه شيخ كل قبيلة إلى "المربوعة" المصنوعة من أصواف الأغنام ليتلقى التهنئة بعيد الفطر المبارك من أبناء القبيلة، وتبادل الحديث عن الأمور الخاصة للقبيلة، خاصة المتعلقة بتربية الخيول العربية الأصيلة التي تشتهر بها الشرقية، والسباقات المحلية والعالمية التي شاركت فيها والجوائز التى نالتها.


ثم يلتف أهل كل قبيلة حول موائد الطعام التي تضم وجبات الأسماك الشهية التي جلبوها من بحيرة البردويل، وتكون تلك الموائد فرصة لصفاء النفوس دون همسات عتاب.. ويكون العيد فرصة لشباب القبائل لاختيار العروس المناسبة لهم ففي عصر يوم عيد الفطر يمتطي شباب القبيلة خيولهم ويطوفون بها في أرجاء القبيلة ويترقبون الفتيات اللاتي يرتدين الملابس البدوية المشغولة بالألوان الزاهية ويختار كل شاب العروس التي مال لها قلبه، كما تقوم نساء وفتيات القبائل بوضع الحنة على أيديهن وأقدامهن والرقص في حفلات السمر المقامة في أماكن مخصصة لهن، ومن العادات الموروثة في تلك القبائل ألا يتم عقد مجالس عرفية للنظر في المنازعات الأسرية إلا بعد مرور أيام عيد الفطر المبارك.

قطع العيش

وفي مطروح تخرج الأُسر البدوية لصلاة العيد في الساحات الشاسعة في الصحراء بما فيهم النساء اللاتي يسمح لهن بالصلاة خارج المنزل، وبعد عودتهن يقمن بإعداد وجبة الإفطار عند كبير العائلة.

وتُعد وجبة «العيش المقطع» في البيت كوجبة للإفطار في أول أيام العيد، ويسمى عيد الفطر في البادية بــ«عيد العيش»، نسبة إلى أكلهم العيش المقطع، وهو شبيه للمكرونة "الاسباجيتي" أو "المخروطة"، ولكن حجمه أكبر، ويعد الوجبة الرئيسية لإفطار غالبية البدو، ويقدم معه طبقان صغيران من العسل الأسود والسمن أو الرب أو عسل التمر.



«العصيدة» و«المفروكة».. أشهر الأكلات

ومن أبرز أكلات أهل البادية في عيد الفطر «العصيدة»، ويتم تجهيزها بعد طحن الشعير أو الدقيق بالرحى وغربلته، وتأتي سيدة المنزل بإناء كبير الحجم خاص بعمل العصيدة ويسمى «القدرة»، وتضع فيها قليل من الماء على النار حتى يغلي، ثم تضيف بعض الملح وقليل من الطحين، وتبدأ بعجن الدقيق مع الماء بواسطة «المنشاز»، وهو عبارة عن خشبة طويلة تستخدم في عجن العصيدة، وطول المنشاز ضروري كي يقي ربة المنزل من النار، ثم تضيف الطحين تدريجيا مع العجن المستمر فوق النار حتى تنضج العصيدة، ثم تقلب في «قصعة»، وعند التقديم يضاف إليها «السمن» أو «الرُّب» أو «الرغيدة» وهي عبارة عن حليب مطبوخ مع قليل من الطحين، كما يقدم البعض المكسرات المتنوعة التي ترش فوقها ويتم تقديمها ساخنة.


وكذلك «المفروكة» وتتكون من «المجردق» وهو عبارة عن عيش يتم تسويته على نار الحطب، ويتم تقطيعه إلى قطع صغيرة، ويتم خلط التمر بالعيش مع إضافة السكر والسمن وفركهما مع بعضهما حتى يمتزجا سويًا، وتوضع المفروكة في طبق ويقدم معها اللبن، وهناك بعض النساء البدويات اللاتي تقمن بإعداد اللبن الذي يقدم مع المفروكة في البيت من الماعز أو الأغنام.


«الشخرم» و«البكلويز».. مزاج البورسعيدية

وفي بورسعيد التي يرتبط أبناؤها بالبحر، تشكل المأكولات البحرية ٩٠٪‏ من الوجبات بالنسبة لهم، ويقول خضر أبو العينين - تاجر أسماك - إن سمك الشخرم يعد وجبة "المزاج والتسلية" للبورسعيدية، مشيرا إلى أنه النوع الشعبي الذي احتل مكان الشبار أو البلطي كونه من الأنواع القليلة التي لا يتم إنتاجها من مزارع الأسماك، ويتم صيده من البحر أو قناة السويس.

وتتميز أسماك البحار بطعم وجودة أفضل من أسماك المزارع، كما يشكل البكلويز وهو نوع من المحاريات نفس المزاج واللهفة إليه، وهو يقدم في المطاعم وتقام له شوادر خاصة به في الشوارع والميادين بالأحياء الشعبية. 

وبعيدًا عن أطعمة العيد ببورسعيد، فإن مظاهر الاحتفالات بأيام وليالي العيد بين افتتاح الموسم الصيفي على شاطئ البحر، والذي يشهد ازدحاما شديدا سواء من أبناء المدينة وزوارها، كما يجذب كورنيش المدينة والمنتجعات المقامة على الشاطئ راغبي السهر مع نسمات الليل المنعشة، وكذلك الحدائق المفتوحة والتي شهدت تطورًا كبيرًا.

ورغم وجود هذه المتنزهات الراقية تبقى "حارة العيد" و"البكاش"، هما الأساس وعنصرا الجذب الأكبر لأبناء المدينة خاصة في المناطق الشعبية، وهما من الموروثات الشعبية منذ أكثر من قرن، كمظهر أساسي من مظاهر الأعياد ببورسعيد، و"حارة العيد" هي مدينة ملاهي مصغرة تقام في أيام الأعياد وتضم ألعاب ومسارح الأطفال وعربات الطعام، وهي أقرب في الشبه لما جسده صلاح جاهين وسيد مكاوي في أوبريت "الليلة الكبيرة".

ومن المظاهر الشهيرة التي تنفرد بها بورسعيد في احتفالات العيد كذلك "البكاش" وهو عبارة عن عربات "كارو" التي تجرها الخيول، ويتم تركيب تعريشة فوقها وتطوف بالأطفال بين الشوارع والحواري، ورغم تطور وسائل النقل، لا يزال "البكاش" هو الوسيلة الأولى عند الأطفال في العيد، ويقول محمد المهدي، وهو تاجر فاكهة متجول: "عندما يأتي العيد أقوم بتحويل العربة الكارو إلى بكاش فهو أفضل في الرزق خلال أيام الأعياد".


سباق هجن 

وفي جنوب سيناء، أكد الشيخ إبرهيم جبلي شيخ قبيلة المزينة - أكبر قبائل بدو جنوب سيناء -، إن الضيافة عند البدو أمر عظيم لا يفوقها أي أمر آخر، لافتا إلى أن إكرام الضيف هي الصفة الملازمة لأهل البادية.

وأشار "جبلي"، إلى أن أهل البادية يحرصون على تبادل الزيارات طوال أيام العيد، ويلبسون الثياب الجديدة ويتزاورون، وتتزين النساء بالحناء، وتظهر عليهم البهجة والفرحة، ويقدمون الحلوى والشاي بعشب الحبك، والقهوة والمكسرات للزائرين.



وأضاف النائب غريب حسان، من قبيلة المزينة، أنه بعد الصلاة يبدأ الأهالي في تناول وجبة الإفطار ثم التجمع في بيوت شعر، ويتجمع كل أفراد القبيلة الموجودة ويزينون الجمال ويبدأ الاحتفال بركوب الجمال، فيما تبدأ النساء بالزغاريد وتنطلق منافسة سباق الهجن، مشيرًا إلى أن هناك أكلات جماعية في الغداء للجميع والمشاركين في السباق.


بجانب ذلك، يؤكد "حسان"، وجود مسابقة أخرى في ضرب النار، تتم عن طريق وضع رأس شاه "غنم" مذبوحة على مسافة وتبدأ المنافسة على إصابة رأس الشاه، لافتا إلى أن المنافسة تكون شديدة بين العائلات لاختيار أفضل قناص.


وقالت هدى منسى من مدينة طور سيناء: إن وجبة "الفراشيح" من أكثر الوجبات المشهورة في العيد، مضيفة أن "المندرة" ملتقى الرجال موجودة داخل كل بيت، ومفتوحة للقريب والغريب وتكون في مكان منعزل عن البيت.


 

«المريسا» و«الممبار» على موائد الوادي الجديد

في الوادي الجديد تستعد جميع الأسر لتجهيز وجبات المريسا، والممبار، ومنين البلح، لتناولها مع الأهل والأصدقاء أول أيام العيد، ويقول وائل ثابت، أحد أهالي مدينة الفرافرة، إن تناول "منين البلح"، هو من أهم مظاهر العيد بمدينة الفرافرة وقراها، وتحرص ربات البيوت على تصنيعه بالأفران الحديثة.


ويقول إبراهيم خليل، أحد أبناء واحة الخارجة، إن «الممبار» هو الوجبة الأساسية للإفطار أول أيام العيد بالواحة، مؤكدًا أن سكانها يحرصون على شراء كميات كبيرة من الممبار ليتم تناوله ساخنا عقب صلاة العيد، وهي عادة متوارثة منذ فترة طويلة.


أما في مدينة "بلاط"، فيقول صابر صقر، إن الوجبة الأساسية هي المريسة، وهي تتكون من خليط "المشمش المجفف، والبلح العجوة"، حيث تقوم ربة المنزل بتجهيز المريسة بكميات كبيرة لتوزيعها على أهل المنزل والضيوف.


الحدائق والنوادي

وفي سوهاج، يحرص الأهالي على الخروج إلى الحدائق العامة والنوادي والكورنيش الشرقي بمدينة ناصر، وجزيرتي الزهور وقرمان، والنوادي بحي الكوثر والاستاد الرياضي.

يقول كمال الدين أحمد، موظف، إن الأهالي يتوجهون إلى الاستاد الرياضي الملحق به مدينة ملاهي للأطفال وأمكان تتسع إلى عشرات الأسر، حيث تزدحم الملاهي أيام الأعياد بصورة كبيرة، لافتا إلى أن أسعار الألعاب فيها مناسبة للأسر السوهاجية فهي تضم ألعاب السيارات والشلال والمراجيح العادية والألعاب الصاعدة والدائرة.

ويؤكد هاني صديق محمد، من جرجا، أن الأسر تجلس على شاطئ النيل مباشرة، ويتوجه الشباب والصبية إلى حمام السباحة الموجود بالاستاد الرياضي.

«الترمس والفول المملح» في القليوبية

حسن عبد السلام، أحد مواطني القليوبية، يقول: "من عاداتنا في العيد عمل الترمس وحمص الشام والفول المملح والملانة وتقديمها مع الكعك والبسكويت للمهنئين بالعيد"، فيما يوضح مصطفى عبد الجليل، أن العادات والتقاليد بشبرا الخيمة تختلف من منطقة إلى أخرى لأن معظم سكانها من أبناء القرى بالمحافظة أو المحافظات المجاورة، الذين يحرصون على السفر إلى ذويهم لقضاء العيد معهم، ولكن أبناء المدينة الذين يعيشون فيها منذ عشرات السنين ومن أصلها يحرصون على زيارة موتاهم بالمقابر عقب صلاة العيد.


رحلات نيلية

وفي الدقهلية، يحرص أبناء المراكز الشمالية على التوجه لمصايف جمصة ورأس البر وبورسعيد، أما أبناء المراكز الجنوبية فيحرصون على الخروج للمتنزهات والحدائق العامة بالمنصورة وطلخا وأجا وميت غمر والاستمتاع بالرحلات النيلية.


وعن أشهر المأكولات، يؤكد: "الأسماك الطازجة والمملحة تكاد تطغى على موائد أبناء المحافظة".


ويضيف مسعد الحسيني، 37 سنة، مدرس، أن متنزهات مدينة المنصورة هي الخيار الأفضل له ولزوجته وطفليه، حيث تتواجد الألعاب التي تتناسب مع أعمارهم بأسعر بسيطة ثم النزهة على النيل بحديقة شجرة الدرة وتناول وجبة الغداء بها.


وفى دمياط تفضل الأسر الذهاب للشواطئ للاستمتاع والهروب من حرارة الجو، كما يحرص البعض على صلة الأرحام وزيارة الأقارب من الأشقاء والأبناء لمنحهم "العيدية" مبكرا، وتكون وجبة الإفطار على مائدة الدمايطة أول أيام العيد من الكعك والبسكويت، أما وجبة الغداء فتشمل الفسيخ والرنجة للفصل بين الوجبات الدسمة التي تم تناولها خلال شهر رمضان.


وفي المنيا تختلف طقوس الاحتفال بالمحافظة، فمن أشهر الأكلات تقديم الكعك والبسكويت والجاتوه والحلوى، إضافة إلى الطبق الرئيسي على الإفطار في الصباح عقب الانتهاء من صلاة العيد وهو طبق "الكبدة البلدي"، وفي وجبة الغداء تشتهر المحافظة بقيام الأسر المنياوية بتحضير الحمام والمحاشي.


وفي كفر الشيخ يحرص الأهالي على اصطحاب طعامهم المعد بالمنزل لتناوله خلال تنزههم، ويكون الغداء في أول أيام العيد الفسيخ والرنجة، كما يقوم الأطفال والكبار بلعب كرة القدم على الشاطئ، واستئجار الدراجات وركوبها بالطريق المخصص فقط لراكبي الدراجات بطول شواطئ المصيف.



الكشري الأصفر

يحرص مواطنو السويس، على تناول الكشري الأصفر مع الرنجة خلال أول أيام عيد الفطر المبارك، ويقول مكي كمال الدين، 55 سنة، إن الأهالي يفضلون الكشري وهو خليط من العدس الأصفر والأرز، بجانب طبق الرنجة المتبلة بالليمون والطحينة والمقطعة إلى أجزاء صغيرة. 


ويضيف "مكي" أن بائعي المأكولات البحرية، وخاصة الصرمباء "من فواكه البحر" والتي تمتاز بطعمها المالح ولحمها اللذيذ، ويقبل المواطنون على شرائها في العيد ويتناولونها كتسالي وحدها أو مع سمك الحريد المجفف، أو ما يسميه البعض سمك "بكالا"، وذلك بعد وضعه في الماء ليصبح رطبا، أو يتم تقطيعه لتناوله مع الكشرى الأصفر.



فريق المراسلين: سناء عنان - أحمد عبدالكريم  نبيل التفاهنى - حازم نصر  خالد حسن - مدحت نصار  أحمد الطحاوى - خالد عزالدين على الشافعى - ضياء ابوكيلة حسام صالح - محمد قورة