الأم تجردت من مشاعرها.. مرافعة قوية من النيابة في قضية «قتيل شبرا»

المستشار محمد حسن خلال المرافعة
المستشار محمد حسن خلال المرافعة

شهدت محكمة جنايات شبرا الخيمة، الدائرة الثالثة، برئاسة المستشار أمير فايز حنا، وعضوية المستشارين محمد سيد عبدالعال وأمين أحمد عبدالحفيظ، مرافعة قوية من المستشار محمد حسن بودى وكيل النائب العام، في قضية اتهام ربة منزل وزوجها وشقيقه بقتل نجل الاولى إثر مشادة كلامية فيما بينهم تعديا عليه بأن أشهروا أداة "أواني طهي" كانت بحوزتهم وسددوا له عدة ضربات بعموم جسده قاصدين من ذلك إزهاق روحه، والتي أودت بحياته بدائرة قسم شرطة ثان شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية.

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم " ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق.. نحن نرزقهم وإياكم.. إن قتلهم كان خطئاً كبيرا" صدق الله العظيم . وقال النبي صلى الله عليه وسلم كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"

السيد الرئيس.. الهيئة الموقرة .. لقد حذرنا الله في هذه الآية الكريمة من ذنب شديد أمره.. عظيم إثمه .. لا يجاوزه شيء في عظمه وفداحة أثره.. ألا وهو ذنب قتل الأبناء .. ذنب لا يجرؤ على إتيانه إلا من تجرد من إنسانيته .. ذنب لن تسعفنا عبارات في وصفه فالقتل بعد الشرك بالله عز وجل لهو من أكبر المحرمات ولزوال الدنيا أهون عند الله تعالى من قتل امرئ بغير حق.. فما ظننا بمن تقتل ابنها .. فالجريمة التي نحن بصددها اليوم.. لا يرتكبها إلا ضعاف النفوس.. من سول لهم الشيطان سوء أعمالهم.. وزين لهم قتل أبنائهم.. بدافع الشفقة عليهم.

السيد الرئيس الهيئة الموقرة .. جريمتنا اليوم تنصل المتهم فيها من مسؤلية رعايته و تجردت فيها أم من مشاعرها .. وتخلت عن شرف عظيم.. هو شرف تربية أبنائها .. فالأم لوليدها نبع الحنان... والرحمة والإطمئنان.. والشفقة والعطف والأمان.. فتجردت المتهمة من كل ذلك .. وقتلت مع زوجها نجلها الذي تشكل منها وكانت هي أساس حياته .

الوقائع

السيد الرئيس الهيئة الموقرة.. تدور أحداث قضيتنا .. حول متهمة في الثالثة والستين من عمرها لها نجلين من زيجة قديمة .. تزوجت بالمتهم الأول وهو شخص أمي .. أدمن تعاطي المخدرات فأهملت أبنائها وزادت العثرات ، ولم يكن زوجها أهلا لحضانة نجل زوجته ، وفي ظل تلك المعيشة كان أمرا طبيعيا أن ينشأ المجني عليه نشأة غير سوية فنما على تعاطي المخدرات, سرق في سبيلها الأموال والمقدرات، استطالت يده لمحتويات البيت ومال أمه مرات ومرات ، حتى طفح كيلها فأنهالت عليه بالضربات ، استشرى منه الفساد ولم يسلم منه الأهل ولا العباد فسرق ممتلكات الأهل والجيران فضاقت أمه وزوجها به ذرعا .. وانتويا الخلاص ، دسو له المخدر بالطعام ولم يعبأو بالمضار حجزوه بغرفته دون طعام أو شراب ظل نائما ساعات وساعات يفيق من ثباته تارة ويغيب تارات في معاملة غير آدمية لم تكن فيه فعلة سوية حتى دخلوا عليه وفكو قيده فما لبث حتى أفاق وسرق ما للطهي من ادوات فانهالو عليه بالضربات حتى سقط مغشيا عليه .. فاعادوه للقيود

سيدي الرئيس .. نقضت معه أمه كل العهود .. حتى غدا للموت مشهود فسارعو بإخفاء الجثمان بواسطة المتهم الثالث الذي أعد الإجرءات والتصاريح, وكادوا أن يواروا القتيل الطريح ، فأخبرت الأم نجلها الآخر بوفاة شقيقه وماجرى ، فذهب لرؤيته وكشف سترهم قبل أن يواروه الثرى.

الأدلة

سيدي الرئيس الهيئة الموقرة قال تعالى " قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين" صدق الله العظيم

إن النيابة العامة علي يقين من إلمام هيئة المحكمة بكافة ثنايا القضية ، وقد استيقنت من أدلتها ، وما كنا نسوق المتهمين إلى ساحة عدلكم دون دليل جازم وسند راسخ على ارتكابهم الاتهامات المسندة إليهم ، تخدير وتكبيل واحتجاز ثم قتل بلا جدال فكان الدليل لا لبس فيه ولا إخلال.

السيد الرئيس.. الهيئة الموقرة .. بعد أن انتهينا من سرد وقائع القضية .. اسمحوا لنا أن نعرض على حضراتكم.. أدلة صحتها وثبوتها في الحق المتهمين فقد قام الدليل قبلهما من واقع أدلة قولية وفنية ومادية جمعتها أوراق القضية .. أثبتت يقيناً ارتكابه الجناية قتل المجني عليه .. فما بين إقرار للمتهمة بالتحقيقات ومحاكاة وشهادة الشهود.. وتقرير مصلحة الطب الشرعي.. جاء جميعها جازمة بإرتكابها .. ونبدأ التدليل على الركن المادي لجناية القتل... من واقع ما أقر به المتهمين بتحقيقات النيابة العامة بحبسهما القتيل وتقييده بحبل الغسيل تقيدا شديداً وثيقاً .. ومنع المأكل والمشرب وإعطائه عقاراً مهدئاً منوماً .. إذ أقر المتهم الأول قائلاً " أنا كتفته بحبل الغسيل وحطتله كودابكس، واحنا زهقنا منه" ..
 وأقرت المتهمة الثانية "هوا حطله منوم في ساندوتش الفول" 

اقرأ أيضا| الحبس سنة للمتهم بالتعدي على فتاة في مول شهير بالقطامية  

وقد جاءت شهادة شاهد الإثبات الأول مؤيدة لإقرارها إذ شهد أن والدته أخبرته بوفاة شقيقه إثر جرعة مخدر زائدة فذهب مسرعاً وتبيه جثة هامدة ووجد به عدة إصابات فثاوره الشك في حقيقة وفاته.

كما جاءت شهادة مجري التحريات داعمة لكل ذلك فقد شهد مجريها بقيام المتهمين الأول والثانية بالتعدي على المجني عليه، بأواني الطهي وذلك بعد احتجازه وتقييده وتكبيله محدثين ما به من إصابات أودت بوفاته، وأضاف أن المتهم الثالث أخفى الجثمان عالماً بحقيقة الوفاة.

كما تأيد الركن المادي فنياً بتقرير مصلح الطب الشرعي الذي أكد وجود آثار إصابية للتقييد والتكبيل بكلتا يدي المجني عليه مما يؤكد الركن المادي للجريمة ويظهر مدى بشاعتها.

وندلل على الركن المعنوي للجريمة بأنه، لا شك أن مثل تلك الأفعال، تخدير واحتجاز وتكبيل ، تجويع وتعطيش وترك لأيام ، لهي أفعال تؤكد الركن المعنوي لجريمة القتل فهي نتيجة طبيعية ومتصورة مادياً وعقلياً لتلك الأفعال ، وخاصة بعد أن أعقبها المتهمان بالتعدي على المجني عليه بأن انهالوا عليه ضرباً بأواني الطهي، مما يؤكد علمهما بنتيجة أفعالهما وإرادتهما تحقيقها، إذ كان يمكنهما تدارك تلك الأفعال والحد منها ، ونشير هنا لمقالة المتهم الأول" احنا زهقنا منه .. قول صريح لا يحتمل التأويل.

ومما سبق بيانه يمكننا التدليل على علاقة السببية بين الفعل والنتيجة وأن تلك الأفعال هي التي أدت لإزهاق روح المجني عليه، تخدير واحتجاز و تكبيل وتقييد، تجويع وتعطيش، وحتى عدم إدخاله المرحاض ثم ضرب بالأواني .. كل ذلك حصل جريمة القتل الماثلة أمام عدلكم وذلك حسبما أكد تقرير الطب الشرعي.

الخاتمة

السيد الرئيس .. الهيئة الموقرة .. قد انتهينا من سرد وقائع هذه القضية الأليمة.. وعرضنا على حضراتكم دليلها تعدت فيها المتهمة وزجها على مصير ابنها .. وفرضت عليه إرادتها أصغيا لوساوس الشيطان فزين لهم سوء أعمالهم وصد عن السبيل...


... دبرا وخططا .. نفذا وحققا حجز دون حق .. تخدير وتكبيل ... ضرب و تنكيل .. حتى أتاه اليقين ...

سيدي الرئيس الهيئة الموقرة إن ابتلاء القتيل بإدمان المخدرات ليس نهاية المطاف فكم من صغير وكبير أدمنها وتعافى .. وإن للتعافي منها تتبع شروط قوية وتعليمات طبية .. هي على العامة عصية ، فالأمر ليس متروكاً للكافة .. فهي حقاً أكبر آفة ، والحيد في علاجها لهو الجور المبين .. فسوء العلاج قد يكون على المبتلى عذاب أليم .. وقد يرقى حجة لقتل أثيم ، هذا هو حال قضيتنا الماثلة

فما كان المتهم الأول للأمانة مقدرا وما أم القتيل للأمومة بعابرا فكان أولى بهما الأخذ بيد المبتلى لطريق العلاج الذي كان المتهم الأول منه في إياب فكأن العلاج حكراً على الكبير وعنده يوجد المال الوفير ، أما عند الصغير فالكل فقير والمال قتير .

سيدي الرئيس .. الهيئة الموقرة .. لا تأخذكم بهما شفقة ولا معذرة فوالله ما جعل الله الضوائق الا وقد يسر لها المخارج وما خلق الداء الا وجعل له الدواء .. وعلى الإنسان السعي إذ أراد.

نطالبكم بتوقيع أقصى عقوبة على هذين المجرمين وهي الاعدام شنقاً جزاءاً على ما اقترفته ايديهما فثلهما لا يؤتمن .. لا يؤتمن فقد أضاعا أمانة وأمومة بأبخس ثمن .. وفقكم الله وسدد خطاكم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.