تحل ،الأحد 20 مارس، الذكرى الستون لاستقلال تونس، وقد شهدت البلاد الكثير من المد والجزر مع تولي خمسة رؤساء زمام الأمور منذ انسحاب فرنسا عام 1956، كان أولهم وأكثرهم شعبية الحبيب بورقيبة.

ودائما ما يشار إلى بورقيبة بـ "الزعيم" – وهو كذلك بالنسبة لكثير من التونسيين - نظرا لدوره البارز في تحقيق استقلال تونس. فقد كان محركا فاعلا للأحداث منذ بداية عمله السياسي عام 1933 وحتى 1956؛ فتنقل على مدار 23 عام بين سجون تونس وفرنسا، كما نفي إلى مصر بسبب نشاطه النضالي، وكان بورقيبة هو رجل المرحلة في ذلك الوقت؛ ما أجبر فرنسا على أن تتفاوض معه منتصف عام 1955 وتوقع معاهدة استقلال داخلي مهدت إلى وثيقة الاستقلال التام، التي وقعت في 20 مارس عام 1956. وكان بورقيبة هو أول من شكل حكومة تونسية بعد الاستقلال.

ومع مرور ستين عام على الاستقلال لا يزال بورقيبة في قلب المشهد التونسي وفي قلب العاصمة أيضا، فلا يزال الفكر البورقيبي هو المرجعية التي يستند إليها الحزب الحاكم في تونس إلى يومنا هذا، وقد أكد ذلك الرئيس التونسي الحالي الباجي قايد السبسي، وهو مؤسس حركة "نداء تونس", فقال في إفتتاح المؤتمر الأول للحركة في أوائل هذا العام أن "نداء تونس" يستند إلى الفكر الإصلاحي ومرجعيته هي الفكر البورقيبي الذي يقوم على أساس مدنية الدولة. ليس ذلك فسحب, بل أن حركة "النهضة" الإسلامية أعترفت كذلك بمكاسب النظام الجمهوري الذي أعلنه الحبيب بورقيبة عام 1956 بعدما كانت ترفضه رفضا قاطعا باعتباره نظاما علمانيا.

وقد أسست جمعية للحفاظ على تلك المكاسب – "الجمعية الوطنية للفكر البورقيبي" - خاصة فيما يتعلق بتحرير المرأة وبناء الدولة الحديثة، فقد كان بورقيبة صاحب الفضل الأكبر في تقليص نسبة الأمية والقضاء على الجهل، كما عمل على تحسين البنية التحتية. وينسب له قانون الأحوال الشخصية المعدل، والذي جرم تعدد الزيجات، وقد لعب بورقيبة دورا كبيرا في الارتقاء بالقطاع الصحي والضمان الإجتماعي أيضا - بحسب الجمعية -.

ويظل بورقيبة رمزا من الرموز المهمة في تونس، ولعل خير دليل على ذلك هو أن الشارع الرئيسي في وسط العاصمة لا يزال يحمل اسمه ويخلد ذكراه، وقد ترددت أنباء عن نقل تمثال لبورقيبة إلى الشارع في الأول من يونيو القادم، تزامنا مع يوم عودته إلى الوطن من منفاه عام 1955. وقد استقبله الشعب حينها استقبال الأبطال، حيث خرج أكثر من مليون شخص لتحيته، وقد نالت تونس استقلالها بعد أقل من عشرة أشهر من ذلك التاريخ.

وقد تولى الحبيب بورقيبة رئاسة تونس في 25 يوليو عام 1957 مع إعلان الجمهورية وإلغاء الملكية، واستمر على رأس الدولة حتى 7 نوفمبر 1987, بعد أن قام الوزير الأول حينها زين العابدين بن على بإزاحته من الحكم فيما يعرف باسم تحول السابع من نوفمبر، ليتوج ثاني رئيس لتونس في 2 أبريل عام 1989.

ومنذ ذلك التاريخ، دخلت تونس في دورة جديدة دون أن تقطع الصلة مع العهد السابق، حيث فتح الرئيس بن علي لأول

مرة قصر قرطاج في وجه الأحزاب والمثقفين من غير المُنتمين للحزب الدستوري الحاكم، ولكن سرعان ما احتدت المواجهة بين السلطة وحركة "النهضة" إبان حرب الخليج الثانية، وكانت هذة هي بداية تغيير جوهري لأسلوب تعامل النظام مع المعارضة، خاصة التيار الإسلامي، الذي اكتسب قاعدة كبيرة آنذاك.

ومع تقدم بن علي في الحكم برزت مشكلة البطالة، والتي كانت السبب في إزاحته من المشهد السياسي التونسي. فكان يوم 17 ديسمبر 2010، حين قام الشاب محمد البوعزيزي بإحراق نفسه تعبيراً عن غضبه على مصادرة عربته التي يبيع عليها, مما أدى لإندلاع شرارة المظاهرات في اليوم التالي, حيث خرج الآلاف من التونسيين احتجاجا على البطالة وغياب العدالة الاجتماعية.

وتحولت هذة المظاهرات إلى انتفاضة شعبية سقط فيها العديد من القتلى والجرحى، قبل أن يهرب بن علي إلى خارج البلاد في 14 يناير2011، بعد 23 عاما قضاها في الحكم.

وفي 15 يناير 2011, أعلن "المجلس الوطني التأسيسي" عن تولي رئيس مجلس النواب فؤاد المبزع رئاسة تونس بصفة مؤقته. واستمر المبزع في الحكم لنحو عام إلى أن تولى المنصف المرزوقي زمام الأمور بعد انتخابات مبكرة.

وقد انتخب المرزوقي رئيسا مؤقتا للبلاد أيضا في 12 ديسمير 2011، بعد حصوله على 153 صوتا مقابل ثلاثة أصوات معارضة وامتناع اثنين من أعضاء المجلس الوطني التأسيسي.

وقد خاض المرزوقي انتخابات الرئاسة عام 2014, لكنه خسر لصالح الباجي قايد السبسي، الرئيس الحالي لتونس، وقد فاز السبسي بنسبة 55.68 في المائة، وعين رئيسا للبلاد في 31 ديسمبر 2014.

والسبسي متأثر بدرجة كبيرة بالرئيس الأول لتونس الحبيب بورقيبة ويتبنى أفكاره ومبادئه, كما يسير على نفس نهجه فيما يتعلق بالسياسية الخارجية، حيث يعمل السبسي على التقرب للعالم الغربي وتحسين العلاقات مع الدول العربية والإسلامية.

وقد شغل السبسي منصب وزير الداخلية أثناء حكم بورقيبة، والسبسي هو مؤسس حركة "نداء تونس" عام 2012 وترأسها حتى توليه حكم تونس قبل أقل من عامين.