تشهد واشنطن يومي 31 مارس الجاري و1 أبريل المقبل أعمال الدورة الرابعة لقمة الأمن النووي بمشاركة مصر وقادة 52 دولة في العالم، إضافة إلى ممثلين عن منظمات الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومنظمة الشرطة الجنائية والاتحاد الأوروبي.
تأتي القمة السنوية هذا العام في ظل موجات من التفجيرات الإرهابية التي طالت الكثير من دول العالم، والتي كان آخرها تفجيرات بروكسل، الأمر الذي يضع قادة دول العالم أمام تحديات كبيرة، من أجل استكمال الجهود الدولية لمواجهة ومكافحة الإرهاب النووي، الذي بات يشكل ملمحاً جديداً في مسارات العنف والإرهاب.
وستكون مسألة حماية المنشآت النووية في طليعة ما سيُناقش بعد الأخطار التي ظهرت في بلجيكا حيث تبين أن إرهابيين لجؤوا إلى تصوير إحدى المحطات النووية وقتلوا أحد حراسها وسرقوا بطاقته الشخصية، ولكن تم إيقاف ذلك.
يتخذ الإرهاب النووي ثلاثة أشكال أساسية هي الأول: استخدام الذخائر النووية وخاصة القنابل الصغيرة لإصابة أهداف محددة، وهي ما تسمى بـ "الحقائب النووية"، والشكل الثاني يكمن في تخريب أو مهاجمة المنشآت النووية بما في ذلك محطات الطاقة العاملة بالوقود النووي، حيث إن مفاعلات الطاقة النووية، وغيرها من مرافق أجزاء دورة الوقود النووي، كمرافق التخصيب والتخزين وإعادة معالجة الوقود المستهلك معرضة للهجوم أكثر من المنشآت العسكرية، والشكل الثالث: استخدام المواد النووية منخفضة الإشعاع في صناعة ما يعرف مجازاً بالقنبلة القذرة، وهذا النوع من المواد النووية متوفر ضمن طائفة واسعة من التطبيقات في القطاعين المدني والعسكري، كما أن الحماية التي تتمتع بها مواقع تخزينها أقل بكثير من نظيراتها المخصصة للصناعات العسكرية، وهي بالتالي أكثر عرضة للاستغلال في العمليات التخريبية.

جهود منع الإرهاب النووي
تعددت وتنوعت الجهود الدولية لمنع الإرهاب النووي في ظل إشكالية ذات بعدين الأول: كيف تستفيد الدول من حقها السيادي في تطوير واستخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية، وفقا لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وميثاق الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والثاني: كيفية درء مخاطر الاستيلاء غير القانوني على المواد النووية واستخدامها لأغراض إجرامية.
ومن هنا باتت معاهدة الحماية المادية للمواد النووية (تم تبنيها العام 1979) أحد الأركان الأساسية في حل تلك الازدواجية، وتبنى مجلس الأمن الدولي العام 2004 قراراً يهدف إلى منع وقوع أسلحة الدمار الشامل ومكوناتها في أيدي الجهات غير الحكومية.
ثم أكملت اللجنة الخاصة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة صياغة مشروع المعاهدة الدولية لمكافحة أعمال الإرهاب النووي، وتهدف هذه المعاهدة إلى إرساء القاعدة القانونية لمكافحة أعمال الإرهاب النووي بشكل فعال، بما في ذلك منعها وإزالة آثارها، ومن المؤمل أن تضمن المعاهدة حماية المنشآت النووية، سواء المستخدمة للأغراض السلمية أو العسكرية من الهجمات الإرهابية.
وكانت معاهدة مكافحة أعمال الإرهاب النووي قد أعدت لأول مرة من قبل المجتمع الدولي على أساس وقائي - أي قبل وقوع الأعمال الإرهابية التي تستخدم فيها المواد النووية وغيرها من المواد المشعة، كما تعد أول معاهدة عامة تهدف إلى منع وقوع الأعمال الإرهابية التي تستخدم فيها أسلحة الدمار الشامل.
إضافة إلى ذلك، هناك المبادرة العالمية لمكافحة الإرهاب النووي، وهي مبادرة تم الإعلان عنها في شهر يوليو العام 2006 ، وتهدف إلى "إقامة شبكة متنامية من الدول الشريكة الملتزمة باتخاذ إجراءات فعالة لإقامة دفاع عميق متعدد الطبقات يمكنه التكيف باستمرار مع طبيعة التهديدات المتغيرة".
وتدعو المبادرة المشاركين فيها إلى القيام بسلسلة من الخطوات المعززة للأمن النووي، مع قيام الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدور المراقب، وتشمل هذه الخطوات: أولاً، تحسين عمليات وضع سجلات المواد النووية ومرافقها، وتحسين عمليات ضبطها وحمايتها، ثانياً: اكتشاف ووقف النشاطات غير المشروعة المتعلقة بمواد الأسلحة النووية.
والخطوة الثالثة: معالجة عواقب عمليات الإرهاب النووي، رابعاً، تعزيز التعاون في مجال تطوير تكنولوجيات جديدة لمكافحة الإرهاب النووي، وخامساً: ضمان اتخاذ أجهزة تطبيق القانون جميع الإجراءات لحرمان الإرهابيين الذين يسعون إلى امتلاك أو استخدام مواد نووية من الملاذ الآمن، وأخيرا: تعزيز الأطر الوطنية القانونية لدى المشاركين في المبادرة من أجل أن تتسنى مقاضاة الإرهابيين، وغيرهم من داعمي الإرهاب النووي بشكل فعال، والاقتصاص منهم في حال القبض عليهم.

دور مصري مهم
وفي إطار استمرار الجهود الدولية لمنع الإرهاب النووي، اختارت الوكالة الدولية للطاقة الذرية لأول مرة في العام 2012 مصر للمشاركة في اجتماع لمناقشة تقارير الأمن النووي وآليات حماية المنشآت النووية والإشعاعية من أية محاولات للسرقة أو التخريب.. حيث اختارت المنظمة الدولية أحد خبراء مصر في هيئة الرقابة النووية والإشعاعية المصرية للمشاركة ضمن مجموعة من علماء وخبراء الطاقة النووية في العالم في إعداد تقرر شامل عن آليات توفير الأمن للمحطات النووية.
تناول التقرير الأممي وضع آليات محددة لدمج ثقافة الأمن والأمان النووي، باعتبار أن الأمن النووي يعنى حماية المنشآت النووية من التعديات والسرقات أو أي إجراءات لمحاولات تخريب المنشآت النووية فيما يعني الأمان النووي وحماية البيئة، والإنسان من مخاطر المنشآت النووية والإشعاعية.
وإجمالاً يمكن القول إن قمة الأمن النووي لعام 2016 بات عليها استكمال الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب النووي بصوره الثلاث السابقة، في ظل تعقيدات وتشابك خريطة الإرهاب النووي، ومنها الأمن النووي في منطقة آسيا - الباسيفيك، وقضية نزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية وتسوية المشكلة الخاصة ببرنامج بيونج يانج النووي واستئناف المحادثات السداسية للحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة.