لايبدو الرئيس راضياً قرير العين لما تحقق في عام، هو الأول من سنوات ولايته الأولي. سمعته يقول أمس: »نريد أن ننجز في ٤ سنوات، ما يستغرق في الأحوال العادية ٤٠ عاما»‬. يقسو الرئيس علي نفسه ويعتب علي غيره، رغم أنه لو خلع نظارته السوداء التي عاد لارتدائها في الأشهر الماضية لرأي أمامه وحوله مايسر ويبشر ويبعث علي الارتياح. أعطي السيسي بالأمس إشارة افتتاح ٣٩ مشروعا في مجالات الطرق والكباري والموانئ ومياه الشرب والصناعة والصحة والزراعة، أنجزتها القوات المسلحة ووزارة النقل وتكلفت قرابة ٦ مليارات جنيه، لم أشعر أنه مبتهج، رغم أن بعض أسلافه كانوا يقيمون أعراساً عند افتتاح كوبري أو مبني في مناسبات قومية. وحين قال له اللواء عماد الألفي رئيس  الهيئة الهندسية ان رجاله أنجزوا ١٤٠٦ مشروعات حتي الآن وانهم بصدد استكمال ٧٩٤ مشروعاً آخر، منها ٣ مشروعات استراتيجية هي قناة السويس الجديدة، والمشروع القومي للطرق بطول ٣٢٠٠ كيلو متر، ومشروع استصلاح المليون فدان، رد عليه الرئيس قائلا: »‬كان يجب أن ننتهي في هذا العام من ٤ آلاف مشروع، فنحن قد تأخرنا ٥٠ عاما وتوقفنا عن التقدم». هذا الرجل .. مشكلة ! آماله بلاحدود وطموحه جارف. عدَّاء .. يريد أن يسبق الزمن، ويطلب ممن حوله أن يجاروه في السباق، ويتمني لو سبقوه! سمعته يذكِّر معاونيه وعلي رأسهم المهندس ابراهيم محلب، ورفاق السلاح في القوات المسلحة وعلي رأسهم الفريق أول صدقي صبحي القائد العام بوعودهم له إذا هو قرر خوض انتخابات رئاسة الجمهورية. قال لمحلب: لقد قلت لي اتخذ قرارك، وسوف تجدني »‬بولدوزر» أمامك أُعبِّد لك الطريق. وقال لصدقي: »‬لقد قلتم لي في المجلس الأعلي للقوات المسلحة اتخذ قرارك بما يمليه عليك ضميرك الوطني، وستجدنا بجوارك نتصدي ونجابه التحدي كي نبني بلدنا». للإنصاف.. كان محلب ومعه بعض رجاله عند وعدهم. محلب بالذات »‬بولدوزر» لا يتوقف عن  العمل بإخلاص وتفان ووطنية. وللحق.. كانت القوات المسلحة ومازالت سنداً للشعب وعوناً للقائد الأعلي في معركتي التنمية وصون أمن البلاد. لا يبخس السيسي الناس أشياءهم.. يشكرهم علي عطائهم، ثم يقول : إن هذه معدلات طبيعية، غير أنها من منظوره ليست علي قدر طموحاته لمصر وشعبها، وبالأخص البسطاء منهم. كنت أتابع السيسي وهو يستمع إلي كشف حساب محلب الذي حمله بيمينه، وأيضا وهو يسأل بل يسائل وزراء منجزين كالدكتور محمد شاكر والمهندس هاني ضاحي والمهندس خالد عبدالعزيز والدكتور أشرف العربي والدكتور مصطفي مدبولي والدكتور خالد حنفي عن تفاصيل التفاصيل في مهام عملهم، وكذلك وهو يطلب من رجل الإنجاز الصامت اللواء محمد أمين ودينامو التنمية اللواء كامل الوزير الانتهاء مما يستغرق سنوات في بضعة شهور. ثم يقول لهم: »‬أعلم أننا لاننام من أجل البلد، لكن هناك من يموتون في سبيله». تذكرت حينئذ ما سمعته من رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، وهو يقول في حضور السيسي في زيارته الأخيرة لبودابست: »‬ماذا لو لم يتولَّ هذا الرجل الشجاع مسئولية الحكم في بلاده؟!» وتداعي إلي ذهني شريط طويل من ذكريات لاتمحي صورها ولا أصواتها! تذكرت أول لقاء لي مع السيسي بعد ثورة يناير، يومها كان مديراً للمخابرات الحربية، ووجدته علي معرفة تفصيلية بأدق الأمور في مشكلات مصر الاقتصادية والاجتماعية فضلا عن الأمنية.. وأخذ يسرد لي بالأرقام ما تحتاجه مصر لتنهض في الصحة والتعليم والخدمات والمرافق، وكان الإجمالي ٣ تريليونات جنيه. ولم يختلف هذا الرقم عما سمعته منه بعد أن أصبح رئيساً. تذكرت أول لقاء لي معه بعد ثورة ٣٠ يونيو، وأعطاني يومها صيغة بيان كتبه بخط يده، وكان يعتزم إذاعته بعدها بساعتين، يعلن فيه أن منتهي طموحه في مشواره المهني قد حققه بأن أصبح قائداً لجيش مصر العظيم، وأنه لا يرغب في الترشح لرئاسة الجمهورية. وفور أن قرأت البيان، رجوته أن يطويه، أو علي الأقل يؤجله بضعة أيام لإعادة التفكير، وغادرت مكتبه وأنا أتصل بأقرب المقربين إليه ممن هم موضع ثقته واحترامه لإثنائه عما يعتزم، فقد كنت ومازلت كغيري من الملايين، نعرف أنه الرجل الذي ساقته إلينا الأقدار. تذكرت أيضا ما سمعته من أحد أخلص رفاق السلاح، عن الضغوط التي مُورست عليه ممن يحمل لهم كل تقدير، بجانب الضغوط الجماهيرية لكي يخوض انتخابات الرئاسة، وكيف كادت الدموع تطفر من عينيه وهو يتخذ القرار. لم يكن السيسي متعالياً علي إرادة الشعب، ولا كان هياباً للمنصب، لكنه كان يستشعر عظم المسئولية وهول التحديات وعلو الطموحات، وقدر آمال الشعب الذي لم يجد من يرفق به أو يحنو عليه، كما جاء علي لسانه هو بعد ثورة ٣٠ يونيو. تذكرت أول حوار أجريته مع السيسي وكان الأول له في الصحافة والإعلام المصري، حين دمعت عيناه وهو يتحدث عن معاناة الإنسان المصري البسيط الذي يعاني شظف العيش ويشكو العوز. وعدت من خواطري، وأنا أسمعه أمس يخاطب المسئولين ويقول لهم إن كل يوم نختصره في إنجاز مشروع، هو اختصار من أيام »‬المرار» التي يذوقها المواطنون، وبالأخص البسطاء. ثم يقول: ليس أمامنا إلا أن نعمل وننحت في الصخر و»‬نهابر» لكي يعيش البسطاء في خير وسلام. لحظتها التفت السيسي إلي د. محمد شاكر وزير الكهرباء وقال له: »‬ماحدش يقرب من شرائح الكهرباء الثلاث الأولي».. وكان الرئيس يقصد عدم زيادة أسعار الكهرباء للمستهلكين من هذه الشرائح، وهم أبناء الطبقات الفقيرة، ودون المتوسطة والوسطي. وطلب الرئيس من الوزير تحميل الفرق إلي المستهلكين أصحاب الشرائح العليا وهم القادرون. ولم أفاجأ بمطلب الرئيس، ففي العام الماضي.. امتلك شجاعة أن يطلب خفض الدعم علي الكهرباء والوقود، لزيادة الإنفاق علي الصحة والتعليم من جانب، وخفض عجز الموازنة من جانب آخر، حتي لا يُحمِّل الأجيال القادمة مزيداً من الديون. عين السيسي علي الأجيال القادمة، لذا وجدناه يطلب من المهندس هاني ضاحي أمس، أن تكون مشروعات مترو الأنفاق الجديدة مدروسة اقتصادياً وتمويلياً، بحيث لا نقترض لتنفيذها، وتتحمل الأجيال المقبلة فاتورة القروض. لم أفاجأ بمطلب الرئيس من وزير الكهرباء.. فهو يمتلك شجاعة أن يُرجِّح العامل الاجتماعي في سياساته علي العامل الاقتصادي، لكي يحمي أبناء الطبقات المطحونة من رحي رفع أسعار، في ظل غلاء يسعي هو بكل السبل لحصاره ومكافحته. ولن أفاجأ من اليوم وحتي ٣٠ يونيو المقبل، إذا اتخذ الرئيس مبادرات أخري تجاه شباب جانح، لكن معدنه وطني سليم، وتجاه بسطاء يحبهم ويحبونه ويعتبرونه الملاذ والمنقذ. ولن أفاجأ في يوم السادس من أغسطس، إذا وجدت السيسي يفتتح مع القناة الجديدة، مشروعات كبري يظن البعض الآن أنها لن تنتهي قبل عام وإذا شاهدته يدشن مشروعات جديدة، لم يجرؤ غيره علي أن يحلم بها. فقط.. أتمني أن تخطئ توقعاتي، من أولئك الذي يحجمون عن المساهمة في صندوق »‬تحيا مصر»، فيراجعون أنفسهم ويبادرون -طوعا-بالتبرع لهذا الصندوق المخصص لرعاية المهمشين وتطوير القري الأكثر فقراً وفتح أبواب الرزق للشباب المصري. أتمني أن يخيب سوء ظني فيهم فأجدهم يتوقفون عن المطالبة  بخفض ضريبة وإلغاء أخري، ويتذكرون  كيف كان حالهم في عهد الإخوان حين كانوا يدفعون »‬الإتاوة» وهم صاغرون، وإلي أين كانت ستئول مصائرهم لو بقي نظام المرشد. • • • منذ ٤ سنوات.. قلت للسيسي: ما الذي ينقص مصر؟!.. فقال: ينقصنا وجود قيادة فكرية ملهمة. .. وها قد وجدناها. وبالأمس سمعته يقول: ليست معي عصا سحرية. وأقول: الشعب معك وهو عصاك السحرية.