ابتسم ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطانى وهو يقول للرئيس عبدالفتاح السيسى قبل أن يودعه فى ختام مباحثات قمة «10 داونينج ستريت» أمس الأول:


- سيادة الرئيس.. عموما أنا سعيد بأن نتعاون معا طيلة فترة وجودى فى منصبى، أنا أمامى 4 سنوات ونصف السنة، فقد تجددت ولايتى فى مايو الماضى، لكن أمامك أنت 6 سنوات ونصف السنة.


- رد الرئيس مبتسما هو الآخر: من قال ذلك؟

استغرب كاميرون من السؤال.

- فقال الرئيس: أمامى عامان ونصف العام.. فمدة رئيس الجمهورية 4 سنوات، ومضى منها قرابة 18 شهراً. وأنا لا أحسب الأمور أكثر من ذلك.

< < <

.. من قبل، لم يكن رئيس دولة أو رئيس وزراء فى الديمقراطيات الغربية، يسمع كلاما كهذا من حاكم مصرى أو عربى. بل كان بعضهم يعطى وعوداً، ويتفق على لقاءات فى مواعيد، تتلو تواريخ الاستفتاءات على رئاسته أو الانتخابات فى بلاده، إن كانت هناك استفتاءات أو انتخابات من الأصل!.


لم يكن السيسى يريد من رده أن يكسب إعجاب أو احترام رئيس الوزراء البريطانى، بل كان يقرر حقيقة يؤمن بها، والتزاما دستوريا يحترمه.

قبلها بساعات كان يتحدث أمام جمع من كبار المفكرين والمؤثرين على صنع القرار فى بريطانيا.

وقال بالنص: «الشرق الأوسط لن يعود كما كان، فالمنطقة تشهد تغيرا غير قابل للتراجع وله تداعيات ضخمة، سواء من حيث تطلعات الشعوب لحياة أفضل أو من حيث علاقة الشعوب بالحكومات. إن الدولة الوطنية لم تسقط، ولكن ستعاد صياغة العقد الاجتماعى».

.. فى مصر لم تسقط الدولة الوطنية، وأعيدت صياغة العقد الاجتماعى بوضع الدستور والاستفتاء عليه وإقراره والعمل به.

ينظر السيسى إلى مهمته التى اختاره لها الشعب على أنها موقوتة بسنوات أربع لا أكثر. لذا يسعى لاختصار أزمنة كل ما لابد أن ينتهى عام 2018، سواء مشروعات، أو برامج أو غيرها، ليكتمل فى عام 2017 بأقصى تقدير.

هو قد وعد الشعب بطفرة كبرى فى حياته وفى بلاده، وهو يعمل بكل جهد على أن يفى بالوعد، دون انتظار ولاية جديدة أمرها متروك للشعب، ومتروك أيضا لرغبته الشخصية.

عندما أفرد روبرت دادلى الرئيس التنفيذى لشركة «بريتش بتروليوم» الخرائط أمام الرئيس ليعرض له مشروعات الحفر والتنقيب التى تنفذها الشركة فى مصر، وقال له إن حقل «آتوم» الذى يجرى حفره بالمياه العميقة أمام دمياط باستثمارات 3 مليارات دولار سينتهى مع بداية عام 2018، تناقش معه الرئيس فى خفض مدة التنفيذ، وتعهد رئيس الشركة بضغطها لينتهى العمل فى منتصف 2017.

شىء مماثل حدث منذ أسابيع مع رئيس شركة «إينى» الإيطالية التى تقوم بتنمية حقل «شروق» للغاز الذى يعد الأضخم فى البحر المتوسط.


< < <

فى «10 داونينج ستريت» بلندن، حيث مقر الحكومة البريطانية، خرج الرئيس السيسى مرتاحا لنتائج مباحثاته مع كاميرون.

هناك تفاهم مشترك على موضوعات عديدة أهمها التعاون الاقتصادى والفنى، وتأكيداً على حرص بريطانيا على دفع هذا التعاون، قررت تعيين مبعوث خاص لها لشئون التجارة مع مصر، هو النائب جيفرى دونالدسون، وهذا ما أعلنه اللورد فرانسيس مود وزير الدولة البريطانى للتجارة والصناعة مساء أمس الأول، فى لقاء الرئيس مع رؤساء كبريات الشركات البريطانية ذات الاستثمارات فى مصر.

ثمة تفهم متبادل أيضا خرجت به مباحثات القمة، من جانب كل طرف، لموقف الطرف الآخر من حادث سقوط الطائرة الروسية ومسبباته وتداعياته.

بالقطع لم تكن مصر تحبذ أن تعلن بريطانيا وقف رحلاتها إلى شرم الشيخ وتجر معها دولاً أوروبية أخرى بأسلوب «الدومينو»، ولم تكن تتوقع أن ترجح الحكومة البريطانية تعرض الطائرة لعمل تفجيرى تخريبى، من قبل انتهاء التحقيقات، وبرغم أن الجانب الروسى قال إن هذا الاحتمال مجرد تكهنات لا يقوم عليها دليل.

لكن رئيس الوزراء البريطانى قال بصراحة: «لقد تلقيت معلومات استخباراتية ترجح هذا الاحتمال، وإن كانت لا تقطع بحدوثه ولا تجزم بصحته، غير أنى لا أستطيع تجاهل أى معلومة مهما كانت بعيدة الاحتمال أو نصيحة من خبير، إذا كان الأمر يتعلق بسلامة المواطنين البريطانيين. فهذه هى مسئوليتى».

تستطيع وفق نظرية المؤامرة أن تقول إن غرض بريطانيا من البيان الذى صدر عن الحكومة بشأن الحادث ومن التغطية الإعلامية الواسعة سواء فى العناوين الرئيسية للصحف الكبرى أو نشرات أخبار محطات التليفزيون التى تكاد تؤكد أن الحادث وقع بسبب عمل تفجيرى، هو التعريض بروسيا، والضغط عليها لوقف عمليتها العسكرية ضد «داعش سوريا»، على اعتبار أن أصابع داعش وراء الحادث، وتستطيع أن تتكهن بأن بريطانيا غير مرتاحة لبعض مواقف مصر من قضايا المنطقة، وأنها تريد الضغط عليها عن طريق إضعاف أحد أهم مصادر الدخل بها وهو السياحة.

غير أن نظرية المؤامرة فى أحيان كثيرة تبدو نوعاً من استسهال التفكير، وغضاً للبصر عن أمور ينبغى مواجهتها وحُسن التعامل معها!

على كل حال.. بدا كلام رئيس وزراء بريطانيا محترماً من زعيم مسئول، عن بلد كبير. وزاد من احترامه حرصه فى المؤتمر الصحفى الذى عقده مع الرئيس السيسى أمس الأول، على تأكيد رغبته فى سرعة العدول عن الإجراءات البريطانية بشأن السفر إلى شرم الشيخ فى أقرب وقت.

ومن جانبه.. قال الرئيس السيسى إن مصر تتجاوب مع أى جهود بريطانية للتنسيق والتعاون، والتأكد من أن الاجراءات الأمنية بمطار شرم الشيخ مشددة.

علينا ألا نستبق نحن نتائج التحقيقات فى حادث الطائرة الروسية، مثلما هم استبقوا.. فننفى ما قد يتأكد أو ننقاد وراء ما هو غير مؤكد. قريباً ستعلن الحقائق، لكن لابد من التحسب مبكراً لأى نتيجة تسفر عنها التحقيقات!

< < <

فى أعقاب مباحثات القمة المصرية البريطانية، التقى الرئيس السيسى على مأدبة عشاء مع عدد كبير من رؤساء الشركات البريطانية بحضور وزير الدولة للتجارة والصناعة، وأعضاء الوفد المصرى الذى ضم سامح شكرى وزير الخارجية، د. أشرف سالمان وزير الاستثمار، طارق الملا وزير البترول ود. سحر نصر وزيرة التعاون الدولى. كما ضم اللواء مصطفى شريف رئيس ديوان رئيس الجمهورية، واللواء خالد فوزى رئيس المخابرات العامة، واللواء عباس كامل مدير مكتب رئيس الجمهورية، والسفير ناصر كامل سفير مصر فى بريطانيا والسفير علاء يوسف المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية.

كلمة الرئيس أمام الحضور، كانت عرضاً موجزاً لما يجرى فى مصر اقتصادياً وسياسياً، وفرص الاستثمار المتاحة فى مشروع تنمية منطقة قناة السويس ومشروعات البنية الأساسية والطاقة والدواء وغيرها.

وقال الرئيس إن استكمال عملية التحول الديمقراطى الجارية، لن يتأتى دون استناد النظام الاقتصادى والاجتماعى على أسس سليمة، تقوم على تحسين معيشة الأفراد وتوفير فرص عمل للشباب وتحقيق نمو اقتصادى متسارع.

وأضاف: إننا نمضى قدماً فى تشكيل نظام اقتصادى يقوم على آليات السوق الحر ويحقق فى ذات الوقت أهداف العدالة الاجتماعية.

كلمة «العدالة الاجتماعية» جرت على لسان الرئيس فى أكثر من مناسبة، فى لقاءاته مع المفكرين ومع أعضاء البرلمان ومع رئيس الوزراء البريطانى، وفى المؤتمر الصحفى لهما، وفى حفل العشاء مع رؤساء الشركات.

فى هذا الحفل.. قال رئيس شركة «بتروليوم»: نحن مع مصر فى الأوقات العصيبة والسعيدة على السواء، وفى العام المقبل سنقدم جنيها من ٦ جنيهات تستثمر فى مصر. وأضاف: «إننا نتابعكم يا سيادة الرئيس وما قمتم به فى فترة قصيرة جدا هو أمر مذهل حقاً».

وقال فيتوريو كالاو الرئيس التنفيذى لشركة فودافون: إن مصر هى واحدة من أفضل الدول التى نستثمر فيها، وشبابها من أكفأ العناصر المتخصصة فى تكنولوجيا المعلومات.

وروى كالاو أنه كان فى برلين مؤخرا، وكانت هناك مشكلة فنية كبرى، عجز عن حلها متخصصون فى ألمانيا وغيرها، بينما نجح فى إيجاد الحل شباب مصريون فى مركز الاتصال بالقرية الذكية.


< < <

أبرز ما تم التوصل إليه فى زيارة الرئيس السيسى إلى لندن على الصعيد الاقتصادى، قرار صندوق الاستثمار البريطانى «أكتوس» بضخ ٤٧٠ مليون دولار لإنشاء محطة لتوليد الكهرباء بطاقة الرياح فى منطقة العين السخنة بتكلفة ٣٥٠ مليون دولار ومحطتين للطاقة الشمسية فى رأس غارب وأسوان بتكلفة ١٢٠ مليون دولار.

عند إعلان القرار.. قال رئيس شركة «أكتوس» للرئيس: أصارحك بأن لدينا استثمارات فى عدد كبير من دول العالم كالصين والهند وجنوب إفريقيا، لكن استثماراتنا فى مصر هى الأعلى ربحية.

بجانب إعلان شركة «بريتش بتروليوم» ضخ ١٢ مليار دولار استثمارات فى مجال التنقيب عن الغاز فى مصر منها ٤ مليارات دولار فى العام المقبل.. تعهدت شركة «بريتش جاز» على لسان مديرها التنفيذى هيلج لوند بالتوسع فى مشروعاتها للتنقيب عن الغاز فى ضوء الاكتشافات الكبرى فى مصر، وزيادة استثماراتها فى الفترة المقبلة.

أما البنك الأوروبى للإعمار والتنمية، فقد استهل تعاونه مع مصر فى الفترة المقبلة، بعد أن قرر اعتمادها «دولة عمليات» بالبنك، بالمشاركة فى تنفيذ محطة كهرباء دمنهور بمبلغ ٢٠٠ مليون دولار من تكلفتها البالغة ١٫٣ مليار دولار، وسيتم التوقيع على اتفاق بهذا الشأن الأسبوع المقبل.

ومع مطلع يناير القادم، يقوم وفد من رؤساء شركات بريطانية معظمها لم يستثمر بعد فى مصر، بزيارة إلى القاهرة برفقة المبعوث البريطانى الجديد لشئون التجارة مع مصر، للتعرف على فرص الاستثمار، خاصة فى مشروع منطقة تنمية قناة السويس.

على صعيد التعاون العسكرى.. اختتم الرئيس السيسى زيارته لبريطانيا صباح أمس بلقاء مايكل فالون وزير الدفاع. استمع فالون إلى رؤية الرئيس للقضايا الإقليمية، وبالأخص فى مجال مكافحة تنظيمات الإرهاب، والتعاون فى تسوية الأوضاع فى ليبيا ورفع حظر السلاح المفروض على الجيش الوطنى الليبى. كما جرى بحث تعزيز علاقات التعاون العسكرى بمختلف مجالاته.


< < <


مثلما فشل «الإخوان» وأتباعهم المستأجرون، فى إفساد زيارات الرئيس لنيويورك وبرلين، فشلوا أيضا فى تعكير أجواء زيارته إلى لندن، التى كانوا يعتبرونها معركتهم الخارجية الأخيرة.

ويبدو أن سنوات «العسل» البريطانية الإخوانية وصلت إلى نهايتها!


وأمام فندق «ماندرين» مقر إقامة الرئيس خلال زيارته إلى لندن، وقف أبناء من الجالية المصرية على الرصيف المواجه للفندق عند حديقة «هايد بارك» فى الصباح الباكر ينتظرون وداع الرئيس قبيل مغادرته، رغم برودة الطقس وغزارة الأمطار، وخرج الرئيس يلوح لهم، وهم ينادونه ويهتفون: تحيا مصر.