٤ ساعات مع الرئيس على ظهر الفرقاطة «تحيا مصر»

شىء ما يسرى فى وجدان كل مصري مثلى ومثلكم، وهو يشاهد علم مصر يرتفع، ويسمع معزوفة «سلام العلم» تصدح.
لعله خفقة فخر ونبضة كرامة، ممزوجتان بحنين إلى مجد واشتياق إلى رفعة.
تلك كانت مشاعري وكل من كان معى على ظهر الفرقاطة طراز «فريم» فرنسية الصنع، أحدث وأقوى قطعنا البحرية.
اسمها أصبح «تحيا مصر»، وأمس انضمت رسمياً إلى قواتنا البحرية، بعد أن دشنها الرئيس عبد الفتاح السيسى ورفع علم مصر عالياً عليها.

طول الفرقاطة ١٤٢ متراً أى ما يعادل مرة ونصفاً طول ملعب كرة القدم، عرضها ٢٠ متراً، وارتفاعها يعادل عمارة من عشرة طوابق.

< < <

٤ ساعات أمضيناها على ظهر «تحيا مصر» برفقة الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى بدا فى هذا اليوم سعيداً، رائق البال، وهو يقف على ظهر الفرقاطة يتابع مناورة بحرية كبرى شاركت فيها ٣٩ قطعة بحرية من الفرقاطات والقارويطات ولنشات الصواريخ والانزال والمرور الساحلى وكاسحات الألغام والغواصات. بجانب طائرات القتال وطائرات الهليكوبتر.

كان الأداء مبهراً، وكانت الرماية دقيقة بالصواريخ والمدافع والطوربيدات.

< < <

هذه ليست المرة الأولى ولا حتى العاشرة، التى أعتلى فيها ظهر قطعة بحرية مصرية. لكن مشاعرى تختلف هذه المرة، وأنا أتفقد الفرقاطة الأقوى والأحدث فى سلاحنا البحرى.

إنها قلعة عائمة مسلحة مزودة بكل أسلحة الدفاع والهجوم ضد السفن والطائرات والغواصات، وقادرة على توفير الحماية لطاقمها ضد أسلحة التدمير الشامل، وقد جرت تجربة لهذا أمس.

غير أن سعادتى بانضمام هذه الفرقاطة، لا تدانى فخرى برجال لهم عطر الورد وبأس البحر وصلابة السنديان، هم شباب الضباط وصف الضباط، الذين أنجزوا تدريبهم على الفرقاطة فى أقل من نصف المدة التى يستغرقها الفرنسيون صناع الفرقاطة، وجاءوا بها إلى المياه المصرية تحمى الملاحة والسواحل والمصالح الحيوية. جلست إلى بعضهم واستمعت إليهم، واطمأننت إلى أن مستقبل بلادى سيكون أفضل - بإذن الله - من ماضيها.

كان الرئيس وبجواره القادة العظام الفريق أول صدقى صبحى القائد العام والفريق محمود حجازى رئيس الاركان والفريق عبد المنعم التراس والفريق يونس المصرى يتابعون المناورة بالنظارات المعظمة من على سطح الفرقاطة، ووسطهم كان يقف الفريق أسامة ربيع قائد القوات البحرية، الذى لن ينسى يوم أمس.. يوم انضمام الفرقاطة «تحيا مصر»، ويوم ترقيته إلى رتبة الفريق التى قلده إياها الرئيس السيسى فور صعوده إلى الفرقاطة.

< < <

لم يحتج السيسى وهو قائد عام إلى نظارة معظمة، ليرى تفاصيل احتياجات خطة قواتنا المسلحة لتجدد شبابها، وتعزز قدرتها، وتزيد قوتها. كانت الخطة فى ذهنه حاضرة، وبرنامج التحديث بين يديه جاهز، والهمة فى صدره تعتمل.
أنجز السيسى فى ١٨ شهراً قضاها فى منصبه العسكرى الرفيع، ما لا يمكن إنجازه فى أقل من ١٠ سنوات. هذا ليس كلامى، إنما هو كلام رفاق سلاحه ومعاونيه فى القيادة العامة.

وحينما صار السيسى قائداً أعلى لأعرق جيوش العالم، واصل تنفيذ خطته بمعدلات أعلى ووتيرة أسرع جنبا إلى جنب مع قادة اكفاء مخلصين.

هو يعلم أن قوة مصر فى الأساس من قوة جيشنا، ومكانتها فى منطقتها وعالمها ترتبط طردياً بقدرة جيشها على الدفاع والردع.

يعرف السيسى، كما كان يعرف زعماء مصر العظام على مر التاريخ، أن الضعف يُغرى بالعدوان، وأن عفة الأرض تصان بالردع، وأن المصالح الحيوية تتهدد فى غيبة ذراع تطال وقبضة تطول.

تطوير شامل شهده الجيش المصرى، تدريباً وإعداداً وتنظيماً منذ أغسطس عام ٢٠١٢، وتحديث مماثل جرى عليه تسليح فى مختلف الأفرع الرئيسية بجانب القوات البرية.

الفرقاطة «فريم» ومعها أول ٣ طائرات من صفقة المقاتلات الأربع والعشرين طراز «رافال» فائق التطور، ما كان لها أن تصل إلى مصر قبل ٣ سنوات قادمة على الأقل. لولا جهود الرئيس السيسى واستثماره علاقته الشخصية الوطيدة بالرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند، وعلاقات الصداقة التاريخية بين مصر وفرنسا. أولا فى إقناعه بإرسال الفرقاطة التى كانت قد صُنعت فعلا لحساب البحرية الفرنسية وأصبحت جاهزة للتسليم لها، وكذلك المقاتلات الثلاث التى كانت قد أُنتجت لحساب القوات الجوية الفرنسية، ليتم تغيير مسار التسليم إلى القوات البحرية وسلاح الجو المصريين. وثانيا: بإجراء تخفيض غير مسبوق على الثمن وشروط التعاقد وتسهيلات السداد.

مادمنا نتحدث عن ثمن وسداد ـ فالموازنة العامة للدولة لن تتحمل شيئا من قيمة صفقات السلاح، إنما هى موازنة القوات المسلحة، من أرصدة قامت بتدبيرها على مدى سنوات طوال، بالتقتير فى الإنفاق حينا، وبحسن التصرف أحيانا، حتى تتمكن من توفير تمويل لازم لتحديث أسلحتها ومعداتها، فى ظل ظروف اقتصادية داخلية صعبة، وضغوط دولية محتملة ومتوقعة وحادثة، وأوضاع إقليمية مضطربة، وتهديدات حاضرة ظاهرة ومبطنة!

دخلت الفرقاطة «تحيا مصر» الخدمة، ومعها ومن بعدها انضمت مقاتلات «رافال» وكذلك عشرون مقاتلة «إف - ١٦» من أحدث جيل وعشر طائرات هليكوبتر هجومية طراز أباتشى.

< < <

هذا هو العام الذهبى لقواتنا المسلحة.. ففى منتصف العام تصل أولى حاملتى الهليكوبتر طراز «ميسترال»، لتحقق قواتنا البحرية نقلة نوعية يعرفها خبراء العسكرية فى العالم، حيث تستطيع نقل مسرح العمليات إلى حيث مصالحنا الحيوية أينما وجدت. سوف تسمى الحاملة الأولى «جمال عبدالناصر» والثانية «أنور السادات»، كتعبير جديد من قواتنا المسلحة عن عرفانها بأدوار وتضحيات رجال مصر العظام.

قبيل نهاية العام ستصل باكورة الغواصات الألمانية الأربعة طراز «209» التى ستضيف زخما هائلاً إلى القدرات العسكرية المصرية.

فى الطريق أيضا لنش الصواريخ الروسى طراز «مولينا» الذى أهدته روسيا لمصر، كذلك 4 لنشات أمريكية طراز «إف.إم.سى» وتنفيذ الاتفاق المصرى الفرنسى لتصنيع 3 قارويطات طراز «جويند» فى ترسانة الإسكندرية البحرية، بجانب الحصول على واحدة مصنعة بفرنسا من نفس الطراز، والقارويطة هى قطعة بحرية متعددة المهام أصغر حجماً من الفرقاطة وأكبر من لنشات الصواريخ.

لن يغادرنا عام 2016.. حتى نشهد مفاجآت جديدة، على صعيد التعاون العسكرى المصرى الروسى، لاسيما فى إطار تسليح القوات الجوية بأحدث طائرات القتال والطائرات الهليكوبتر الهجومية.

قوات الدفاع الجوي، ليست بعيدة عن مجال التحديث والتطوير الشامل، لكنها يجب أن تظل بعيدة عن الأنظار، ليظل بصرها حديداً وسيفها بتاراً.


< < <


ربما لهذا ولغيره، قال الرئيس السيسى بعد انتهاء المناورة: كثيرون فى الخارج لا يعرفون قوة الجيش المصرى. وأحيانا نجد أنفسنا فى حاجة لإظهار جانب من قوته ليعلم الأصدقاء وغير الأصدقاء، أننا دولة قوية دون أن تعتدى على أحد، وأننا دولة قادرة على الدفاع عن أرضها وحماية مصالحها.

.. وللرجال البواسل فى قلوبنا أوسع مكان وأسمى مكانة، وهم يحمون ويضحون، وهم يعرقون ويدمون، وهم أيضاً يتحملون عبئاً ينوء به البشر، لصون وطن وحماية شعب وبناء بلد.

يكفيهم أن وصفهم بـ «خير أجناد الأرض»، جاء على لسان من لا ينطق عن الهوى.