سأل الرئيس السيسي الحاضرين، ومن ورائهم كل المصريين: يا تري هل كنتم تستطيعون الانتظار ٤ أو ٥ سنوات حتي نحل أزمة انقطاع التيار الكهربائي؟!.
لم يُجب أحد في قاعة الاحتفال بافتتاح ٩ محطات جديدة لتوليد الكهرباء، أهمها محطة أسيوط التي كنا بداخلها. ولم يكن الرئيس ينتظر سماع رد!.
الصبر ـ كما قلت من قبل ـ لم يعد من شيم الشعوب، فضلاً عن أن التوقعات التي ينتظرها الناس دائماً من السيسي، لا تحدها أسقف!.
لكن للحق فإن ما جري في قطاع الكهرباء خلال عامين، يفوق التوقعات والأمنيات، بل لا أبالغ إذا قلت: والأحلام أيضاً!
منذ عامين تقريباً.. استُقبِلَ الرئيس السيسي استقبالاً أسطورياً، بعد تنصيبه رئيساً للبلاد يوم ٨ يونيو ٢٠١٤، إثر حصوله في الانتخابات علي نسبة تقترب من ٩٧٪ من أصوات ملايين الناخبين. غير أن رئاسته في أيامها الأولي، اصطدمت باستقبال من نوعٍ آخر، هو انقطاع التيار الكهربائي عن مناطق عديدة في الجمهورية ولساعات ليست بالقصيرة مع مطلع فصل الصيف، كنتيجة لإهمال شديد طال المرافق والخدمات في البلاد، وظهرت آثاره تباعاً في مناسبات مختلفة، ومنها مِرفق الكهرباء الذي كان يعاني من عجز في قدرته علي الوفاء باحتياجات المنازل والمصانع والمنشآت من الطاقة منذ عام ٢٠٠٨.
كعادته في مواجهة الأزمات، مضغ الرئيس ألمه من تراكمات إهمال يواجهها وهو ليس مسئولاً عنها، وأحال شحنات الغضب إلي طاقة عمل منظم، انطلقت علي التوازي في كل المسارات معاً، الأمن والبناء السياسي والمرافق والخدمات والاستثمار والمشروعات القومية الكبري وغيرها.. وكان من بينها النهوض بمرفق الكهرباء. فلا حياة ولا استقرار في ظل انقطاع التيار، ولا عمل ولا إنتاج ولا استثمار ولا أي أمل في تقدم، في غيبة طاقة تُنير المنازل والمنشآت وتدير آلات المصانع ومعدات الزراعة وتؤمِّن احتياجات التوسعات في المشروعات القائمة، فضلاً عن المشروعات الجديدة.
كانت المشكلة متعددة الأوجه أمام الرئيس. نحن في حاجة إلي محطات كهرباء جديدة وإلي إصلاح المحطات الموجودة، وإلي تنويع مصادر توليد الطاقة، وفي حاجة أيضاً إلي توفير الوقود والغاز اللازمين لتشغيل المحطات. وفي حاجة إلي تدبير الموارد المالية اللازمة لكل هذا، وإلي الحصول علي المحطات بأفضل جودة وأقل سعر وأحسن شروط سداد.. ومع كل ذلك، نحن في حاجة إلي إنجاز ما هو مطلوب في سباق مع الزمن!.
قبل مرور ٣ أشهر علي توليه منصبه، تحدث الرئيس إلي الشعب، وقال ضمن ما قال، إننا نحتاج ٢٥٠٠ ميجاوات طاقة إضافية كل عام ولمدة ٥ سنوات قادمة حتي ننتهي من أزمة الكهرباء ونوفر الاحتياجات اللازمة، وتعهد بأن الصيف الآتي (٢٠١٥) لن يشهد انقطاعاً في الكهرباء.
أوفي الرئيس بوعده للجماهير، ولم تنقطع الكهرباء في صيف ٢٠١٥. ارتاح الناس، غير أن أحداً لم يتساءل عن سر عدم انقطاع التيار لأول مرة في موسم الصيف منذ سنوات، ولم يتحدث أحد عن جهد بُذِل ولا عمل أُنجزَ ولا مال أُنفق، بل لم يقل أحد كلمة إنصاف في حق القيادة، أو في حق معاونه الدكتور محمد شاكر وزير الكهرباء الذي تحمل كل الهجوم في صيف ٢٠١٤.
لكن الرئيس لم ينجز وعده بإضافة ٢٥٠٠ ميجاوات في العام، بل حقق ما هو أكثر بكثير، وفق خطة مدروسة وضعها خبراء الكهرباء المصريون، وأشرف علي تنفيذها الوزير، وتابع الرئيس كل تفصيلة فيها، بل خاض مفاوضاتها بنفسه في معظم الأحيان!.
علي مدي عامين.. كان ملف الطاقة أحد أهم الملفات التي يحملها الرئيس السيسي في زياراته الخارجية لكبريات العواصم العالمية، وكان الدكتور محمد شاكر واحداً من أبرز أعضاء الوفد المرافق له في هذه الجولات.
تابعت عن قرب جهود الرئيس في إنجاز ملف الطاقة المتخم بالأوراق، في زياراته الخارجية إلي نيويورك، وبرلين، وموسكو، وبكين، ومدريد، وطوكيو، وسول. وكنت أرصد لقاءات الرئيس مع قادة الدول ورؤساء كبريات شركات العالم المتخصصة في الطاقة الحرارية والطاقة الجديدة والمتجددة والطاقة النووية، وأسمعه يتحدث عن الثلاثية التي تريدها مصر: «أفضل جودة، أقل سعر، أسرع وقت». وكنت أسأل الدكتور شاكر في كل زيارة عن تفاصيل اللقاءات، ونتائج المفاوضات، وأتلقي ردوداً مشجعة، بل ومبشرة.
في غضون أقل من عامين.. أضيفت طاقة كهربائية بلغت ٦٨٨٢ ميجاوات إلي إجمالي الطاقة الموَّلَدة وقدرها ٢٤ ألف ميجاوات، بنسبة تزيد علي ٢٥٪ وتعادل ٣ أمثال الطاقة المولدة من محطة كهرباء السد العالي المائية.
هذا إنجاز هائل في زمن قياسي، اعتبرته الشركات الكبري رقماً عالمياً غير مسبوق.
ووفق خطة شديدة الطموح، تم التعاقد علي مشروعات لتوليد الكهرباء بالطاقة الحرارية والشمسية وطاقة الرياح والطاقة النووية قيمتها ٥١٥ مليار جنيه، أي ٥١٥ ألف مليون جنيه، تُسدد علي فترات تتراوح بين ١٥ و٣٥ عاماً، مع مراعاة أن يكون السداد من عائد المشروعات والمحطات، ومثال علي ذلك المحطة النووية بالضبعة التي لن تتحمل موازنة الدولة جنيهاً واحداً من تكلفتها، والتي حرصت مصر في التعاقد عليها، أن تكون مفاعلاتها هي الأكثر أماناً في العالم، بأن يوضع المفاعل الواحد داخل وعائين حاميين من أي تسرب، وأن يكون مقاوماً للزلازل المدمرة والبراكين والتسونامي، وقادراً علي تحمُّل اصطدام الطائرات.
خلال عامين من الآن.. ستضاف إلي منظومة التوليد المصرية ٣ محطات عملاقة في العاصمة الإدارية وبني سويف والبرلس بقدرة إجمالية ١٤ ألفا و٤٠٠ ميجاوات، أي قرابة نصف الطاقة المولدة الآن. وبحلول عام ٢٠٢٢ سيصل الإنتاج إلي أكثر من ٥٠ ألف ميجاوات، أي ما يناهز ضعف الطاقة المولدة عام ٢٠١٤.
إذن في ثماني سنوات، سنكون قد زدنا إنتاج الكهرباء بنسبة ١٠٠٪ وهذه معجزة!.
التطوير في قطاع الكهرباء، لا يقتصر علي محطات التوليد، وإنما يشمل المنظومة في مجملها، بما فيها شبكات نقل وتوزيع الكهرباء، التي وجَّه الرئيس بتدبير تكلفة تحديثها كاملة هذا العام، وقدرها ١٦ مليار جنيه.
ويشمل التطوير أيضاً الفكر. ومن الأمثلة علي ذلك فكرة إنشاء أول محطة لضخ وتخزين الكهرباء علي مستوي الشرق الأوسط بطاقة ٢٤٠٠ ميجاوات بحلول عام ٢٠٢٢. وتقوم الفكرة علي استخدام فائض الطاقة المولدة نهاراً عن طريق الطاقة الشمسية مثلاً، في رفع مياه بحيرة عند سفح جبل عتاقة إلي بحيرة أعلي الجبل، ثم الاستفادة من مياه البحيرة العلوية ليلاً كشلال ينزل إلي البحيرة السفلية ويولد الكهرباء عبر توربينات توضع عند مجراه.
ربما الدكتور شاكر وزير الكهرباء، كان مقتصداً في الحديث عن الإنجازات الهائلة في هذا القطاع الحيوي خلال الشهور الماضية، لكنه كان حريصاً علي الشفافية في إعلانه منذ عامين خطة ترشيد دعم الكهرباء علي مدي خمس سنوات، قد تمتد إلي ٧ سنوات نتيجة التغير في سعر الصرف. ومن أوجه هذه الشفافية إعلانه أن الدعم لن يتوقف عن الشرائح الدنيا بعد هذه السنوات، وإنما ستتحمل قيمته الشرائح الأكثر استهلاكاً من الأغنياء.
< < <
في الأيام والأسابيع المقبلة سنشهد مع الرئيس افتتاح مشروعات جديدة في الكهرباء وغيرها من المجالات.
ويبدو أن الرئيس بعد زياراته لمشروع المليون ونصف المليون فدان، ومشروع الإسكان الاجتماعي الذي يشمل ٦٥٦ ألف وحدة سكنية خلال عام، ومحطات الكهرباء الجديدة، لن يكون بحاجة في يوم ٨ يونيو المقبل لتقديم كشف حساب إلي الشعب عن أول عامين من ولايته. ولعلنا نستمع منه إلي خطاب وعود وإنجازات جديدة عن العامين المقبلين، ولابد أن فيه مفاجأة سارة أو أكثر.