• الثورة زي ما الماركسيين بيقولوا هي علم تغيير المجتمعات، تغيُّر كيفي مش كَمّي، يعني شامل، في البنية التحتية والبنية الفوقية، في الاقتصاد والتركيبة المجتمعية، وفي الأفكار والقيم والقوانين اللي بتنظم علاقة الناس ببعض •  أول كلامي انحني باحترام قدام الدكتورة ليلي سويف بنت أستاذنا الدكتور مصطفي سويف وأستاذتنا الدكتورة فاطمة موسي، وأرجوها هي وولادها بشاير مصر الجاية : علاء ومني وسناء يقبلوا اعتذاري، لأني ما عزيتهم شخصيا في فقيد الوطن والإنسانية، المصري الحقاني النبيل أحمد سيف الإسلام.  ظرف طارئ منعني من حضور الجنازة مع كل عشاق الحق اللي حضروها، وليلة العزا كانوا الأمنجية عاملين مشهد عبثي قدام الباب الرئيسي لعمر مكرم، زحام أمني كثيف وسخيف يسيء لجلال المناسبة ويسيء لصورة الأمن نفسه، كانوا محاوطين العيلة، وكأنهم – بغبائهم اللامع – متصورين ان علاء وسناء ممكن يحاولوا يهربوا!، ما قدرتش أخش في الزحمة عشان أعزيهم، ودلّني ولاد الحلال لمدخل جانبي، دخلت وشفت مصر كلها من أقصي اليمين لأقصي اليسار، ماركسيين علي ناصريين، علي ناس طيبين من كل ملّة ودين، وقعدت وانا بغني في عقل بالي غنوة كنا بنغنيها واحنا أطفال : » عمي ياللي ورا الحيط.. انت حِلِّي ولا ضيف !، أنا ضيف ومعاي سيف، جاي أقيس الفدادين، واقطع روس الظالمين »‬، واتهيألي ان كل اللي في العزا بيغنوا في سرهم الغنوة اللي غناها المصريين جيل ورا جيل، من أيام فجر الضمير لأيامنا اللي لسه مش عايزة تتعدل، ورغم ان الكل كانوا بيغنوا ف سرهم، بس انا حسيت اني شايف الغنوة بتطل عليا من كل العيون، وسامعها بتدَوّي في القاعة وبتهز جدرانها : »‬ العدل فين يا منصفين، يا منصفين العدل فين؟!»، وشوش الناس في القاعة قالت لي ان مصر كلها بكل ناسها، أد ما هي عطشانة حرية، أد ما هي متشحتفة ع العدل، وأحوالها مش ح تنصلح ولا تتعدل الا بالعدل، اللي هوه اساس الملك، وحتي بعد موجتين ثوريتين ما شافتش الدنيا زيّهم، العدل لسه غايب عن حياتنا، واللي بيطالبوا بيه بيروحوا ورا الشمس، زي علاء وسناء وعشرات ويمكن ميات من الشباب اللي زيّهم، وما فيش مسئول واحد بيتكلم عن حق الشهدا، وحتي وزراة العدالة الانتقالية يبدو انها انتقلت إلي رحمة الله من لحظة ميلادها، ومبادرات المصالحات شغّالة علي ودنه، كأن ممكن المصالحة بين الحق والباطل، وبين العدل والظلم. آه يا عم احمد يا سيف الحق، لسه الحاجات اياها مالية البلد، ورحلت عنا، واحنا عايزينك. جاااااااي يا خلق هوه !!! العدل فين يا منصفين !!؟ تتبع البوم توصل للخراب  مثل شعبي قديم بيطارد عقلي اليومين دول : »‬ تمشي ورا البوم يدِلَّك للخراب»، والبوم في الزمان ده نوعين، نوع أبيض موطنه الأصلي أمريكا وأوروبا واليابان، ونوع محلي لونه أغبر كأنه عكارة لون، ومالي حياتنا بصريخه وبيشاورلنا علي سكة الخراب، واقصر طريق عشان نخربها اننا ندوس ع الدستور، أو نسكت ع اللي بيدوس ع الدستور، مع ان المصريين كلهم اتوافقوا علي الدستور ده ووافقوا عليه، وهوه اللي بيحدد لنا شكل الدولة اللي عايزينها، واللي ح تحقق لنا حلم العيش والحرية العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. وبصراحة انا اظن – ومش كل الظن إثم – إن البوم الاغبر ما كانش عايز الدستور من أصله، ويمكن صدور قانون التظاهر المخالف للدستور كان هدفه تفجير لجنة الخمسين من الداخل، وأظن برضه كان لازم بعد إقرار الدستور، نعيد النظر في القانون ده عشان يمشي مع الدستور، وكان ممكن الريس السيسي يعفو عن كل اللي اتحاكموا بموجب القانون المعيوب، وده شيء من سلطاته وصلاحياته، وبصراحة كمان قانون محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، وبرغم تحديده الدقيق لنوع القضايا، أسهم مع قانون التظاهر في شق صفوف الثوار، وحس كتير من الشباب ان النظام الجديد ضدهم. والنهاردة آدينا شايفين البوم الاغبر بيشاور لنا علي سكة الخراب بصريخه. وخد عندك يا سيدي.. قانون العمل اللي بيتناقش دلوقت مزعّل اتحاد الصناعات اللي معترض فيه علي حق العمال الدستوري في الاحتجاج السلمي بكل اشكاله. وقانون التأمين الصحي اللي ح يخصخص الرعاية الصحية، ويدفَّع الغلابة تكلفتها بأوامر من قرض دولي حصلت عليه حكومتنا، وده ضد مواد الدستور اللي تخص صحة المواطنين.  وكمان قانون الجمعيات اللي بيحاول يخضع منظمات المجتمع المدني للسلطة التنفيذية، مع ان دستورنا بيلتزم بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان. وده كله كوم والكلام عن انتخاب السلطة التشريعية كوم لوحده، قال ايه فيه تفكير في تأجيل الاستحقاق الدستوري ولكاعة في إصدار القوانين اللي ح تنظم الانتخابات، ودي مسألة تجرح شرعية الريس والنظام كله، ولا الكلام التاني اللي بينسبه البوم الاغبر لمصادر مسئولة ما تعرفش مين هيه، قال ايه الرياسة لازم لها برلمان طوع، يعدِّل لها الدستور عشان يزوِّد صلاحيات الريس وسلطاته. وفوق ده كله، من يوم 3 يوليو والبوم الاغبر عمّال يصرَّخ : 25 يناير مؤامرة وشباب 25 يناير عُملاء، وما فيش حد بيشكمه ويقول له الكلام ده ضد اللي بيقوله دستورنا. يا كل أهل مصر المحروسة، ويا كل المسئولين عن شئون مصر المحروسة : دستوور يا اسيادنا. أوراق قديمة ودي غنوة كتبتها في تسعينيات القرن اللي فات لمسلسل عن شهيدة العشق الإلهي اسمه »‬رابعة تعود»، كتب النص الدرامي صديق العمر الجميل الأستاذ يسري الجندي واخرجه الأستاذ صفوت القشيري وكتبت له الأشعار، ولحنها رفيق الحلم والمشوار عمار، وغنّاها مجموعة الممثلين وعلي رأسهم الجميلة اللي بعدت عن الساحة إيمان الطوخي :         (1) عندما يختل ميزان العدالة يسقط العقل وتختال الجهالة يصبح الحلم هروبا واستحالة واعتناق الحق حُمقاً وضلالةٌ ..عندما يختل ميزان العدالة.. انت يا حقُ حياتي ومماتي وفنائي فيك ميلادٌ لذاتي كل هذا الكون محراب صلاتي فأفق يا قلبُ واستشعر جلاله .. عندما يختل ميزان العدالة.. عشقنا للحق زاد للقلوبِ عندما ذوَّبني ذابت ذنوبي هو مصباحي تجلّي في دروبي وهلالاً.. لاح لي.. أرجو اكتماله ..عندما يختل ميزان العدالة..         (2) أين وجهُ الحقِ يا شمسَ الحقيقة؟ أين أحلامُ صبا العمرِ الرقيقة ضيَّع الإنسانُ في التيهِ طريقَه واحتوتنا ظلمةَ الظلمِ العتيقة ..أين وجهُ الحقِ يا شمسَ الحقيقة.. ايها الحلمُ الذي أرَّقني ايها العشقُ الذي أعتقني اعتناقي لكما أحرقني ثم ألقي بي إلي بئرٍ عميقة ..أين وجهَ الحقِ يا شمسَ الحقيقة.. الحياةُ العشقُ والعشقُ حياة وفنائي فيكَ يا عشقُ صلاة فمتي يبلغ عشقي منتهاه وتعيش الوجدَ روحي المستفيقة ..أين وجهُ الحقِ يا شمسَ الحقيقة.. شغل عفاريت  قلت لصاحبي جنرال القهاوي المتقاعد : »‬ ماشي يا عم الجنرال، 25 يناير مش مؤامرة و30 يونيو مش انقلاب، طب نسمّيهم ايه ؟»، وبحكمته المصطنعة المعهودة ابتسم وقال، الثورة زي ما الماركسيين بيقولوا هي علم تغيير المجتمعات، تغيُّر كيفي مش كَمّي، يعني شامل، في البنية التحتية والبنية الفوقية، في الاقتصاد والتركيبة المجتمعية، وفي الأفكار والقيم والقوانين اللي بتنظم علاقة الناس ببعض، وانت طبعا عارف ان الماركسية بتركِّز علي العامل الاقتصادي والثورة عندها لازم يصحبها تغيُّر في علاقات الإنتاج، يعني الدنيا كانت في حالة مشاع بدائي وبعدين نظام عبودي وبعدين إقطاعي ودلوقتي رأسمالي، وبالتالي اللي حصل عندنا ما عملش تغيير شامل يخلينا نقول عليه ثورة كاملة، ومن وجهة نظري اللي حصل عندنا، موجة مد ثوري، بتكمل موجات المد الثوري اللي بدأت مع محمد علي . عرفت انه ح يسمَّع لي كلام الدكتور سمير أمين في كتابه عن ثورة يناير، والدكتور سمير أمين واحد من أهم المفكرين في زماننا، بورسعيدي بيكتب بالفرنساوي ويترجموه للعربي. عمل أبحاث ودراسات وكتب كتير بيقدم فيها قرايته لعالمنا الحديث من زاوية علم الاقتصاد السياسي، وبعيون ماركسية نقية بترجّع الفكر لأصوله، وبتنتقد التطبيقات البراجماتية اللي ما حققتش الاشتراكية في القرن العشرين، وفي كتابه عن ثورة يناير، بيقول – علي أد انا ما فهمت – ان مصر عرفت موجة مد ثوري في اتجاه الحداثة مع محمد علي ورفاعة الطهطاوي، وبرغم انكسار الموجة دي مع معاهدة لندن، فضلت مستمرة مع اسماعيل ومجلس شوري القوانين، ورجعت انكسرت تاني مع الاحتلال البريطاني، كام سنة وبدأنا موجة مد ثوري تاني مع مصطفي كامل، ومحمد فريد، وسعد زغلول، وطلعت حرب، وثورة 19، وفضلت الموجة دي مستمرة في عهد عبد الناصر اللي أضاف لها فكرة العدالة الاجتماعية، لحد ما انكسرت تاني مع نكسة 67، ودخلنا في موجة جزر ثوري طويل، زي ما نكون دخلنا ف نفق ضلمة، طلينا براسنا منه وشفنا شوية نور مع انتصار اكتوبر، بس السياسة ضيَّعت النصر العسكري ورجعنا تاني للنفق الضلمة، خسرنا استقلال إرادتنا وانفتحنا علي السوق الرأسمالي العالمي، والانفتاح قضي علي زراعتنا وصناعتنا، وخلّي اقتصادنا اللي كان إنتاجي بقي اقتصاد ريعي، بيعتمد علي إيرادات القناة، وبيع الغاز، وتحويلات المصريين، والسياحة، وسنين طويلة واحنا في النفق الضلمة خصخصنا وضيَّعنا اصولنا، وسادنا نظام فساد وتبعية، لحد ما رجعت موجة المد الثوري لتالت مرة في يناير، صحيح الموجة دي انكسرت شوية مع حكم الإخوان، بس الشعب استعادها في 30 يونيو ورسم خريطة المستقبل اللي اصحاب الامخاخ القديمة بيحاولوا يقطعوا الطريق علينا وعليها، ويا خوفي لا تنكسر الموجة دي كمان وتروح مصر وناسها في سكة اللي يروح وما يرجعش.  وفُقْت مع سرحاني مع سمير أمين علي صوت صاحبي جنرال القهاوي المتقاعد : »‬ وآدي احنا في موجة المد الثوري التالت، ياهلتري العفريت الشرّاني العجوز ح يسيبنا نكمِّلها ونؤسس دولة الثورة ولا لأ؟!!»، ولقيتني باقول له :  »‬الظاهر ده مش عفريت واحد، دول شلة عفاريت، لأن اللي كسروا موجة محمد علي غير اللي كسروا موجة عبد الناصر، غير اللي واقفين يقطعوا علينا طريق المستقبل »، قال:  »‬  لأ، هوه عفريت واحد، بس زي ما انت عارف العفريت بيقدر يغيَّر في شكله زي ما هوه عايز، شغل عفاريت بقي ! الشكل يتغير بس العفريت الشرّاني العجوز هوه هوه، جوهره واحد مهما اتغيرت ملامحه أو لبس أقنعة وأزياء تنكرية، وعشان نكسر سمُّه، ونغلبه ونكمِّل ثورتنا لازم نفتَّح عنينا ع الآخر، ونبص ف كل الاتجاهات والنواحي، وبالأخص جوّانا احنا، علشان نعرف الضربة ح تجينا منين».