«والعجوة» بفتح العين وتسكين الجيم وفتح الواو وتسكين الهاء، هي البلح حينما يطيب ويصبح مثل «الملبن» وكنا زمان نأخذ معنا في المدرسة «ساندويتش عجوة» وكان هذا السندويتش يشبعنا حتي العودة إلي منزلنا وتناول الغداء.
وبقدرة قادر اختفي ساندويتش «العجوة» وحل محله ساندويتش الهامبورجر وإخوته من المستورد من الطعام، مع إن العجوة هي الغذاء الكامل، فهي ليست سكريات فقط ولكنها بروتينيات أيضا.
وتغربنا واختفت أشياء كثيرة من حياتنا من ضمنها «العجوة»، وتغربنا ليس بالسفر ولكن بتقليد الغرب تقليدا أعمي سواء في الملابس أو الطعام أو السلوك اليومي، وكنا قديما نساعد أمهاتنا في كل شيء، بالرغم من وجود الخدم، فكنا نرتب الأسِرَّة وننظف الحمام بعد الاستحمام، لأن الحمام لابد أن يكون نظيفا دائما.
الآن أصبح الأولاد يخرجون من الحمام وينتظرون من يعيده نظيفا لهم. كنا قديما نعد المائدة ثم ننظفها بعد الطعام ونعيد المفرش ونعيد الزهرية مكانها، ولم نكن ننتظر أن تفعل «الشغالة» هذه الأشياء، وكنت حينما أقول للوالدة: «ليه الشغالة ماتعملش الحاجات دي فكانت تقول: «أولا هي ما عندهاش في بيتهم سفرة ولا مفرش، ثانيا حتي تتعلمي أنت كل هذه الأشياء؟».
أصبحت الآن لا أقول لحفيدتي مريم اعملي شيء، ولكن هي بنفسها تقوم ببعض الأشياء، ولكن ليس كل البنات هكذا، ومعظم البنات الآن ينتظرن من يقوم بالعمل، وكنا في صباح الجمعة نشارك في إحضار الإفطار الجماعي، وكان لدي تقليد في بيتي، حيث عندي حديقة صغيرة، فقد كنت أعمل وليمة إفطار لأصدقائي وصديقاتي وأولادهم يوم الجمعة، وكان تقليداً جميلا نجتمع فيه مع الأولاد ونأكل بشهية صواني العجة بالبيض والخضراوات والطماطم، كما كنا نأكل الكسكسي بالسكر ونبتدع أكلات كثيرة نشارك الأطفال، ولم يكن هناك أطفال يرفضون الطعام مثل هذه الأيام، كان الصغار يقبلون علي الطعام، وكان طبق «العسل والطحينة» من الأطباق المهمة علي مائدة الإفطار، وقد قال لي طبيب صديق إن العسل والطحينة غذاء كامل تماما، حيث يحتوي علي السكريات والدهنيات والفيتامينات، وأن العسل والطحينة بالنسبة للأطفال مهم جدا ويعتبر غذاء كاملا.
كانت لي صديقة تمنع أولادها من العسل والطحينة خوفا من اتساخ أيديهم وملابسهم، مع أن المسألة سهلة جدا بأن نجلس مع الصغار ونعلمهم كيف يمسكون بقطعة الخبز ويضعون فوقها العسل بالطحينة وتؤكل بمنتهي السهولة.
ومصر «خيرها كتير» كما هو معروف، فلدينا من الخضراوات ألذها وأكثرها غذاء، وهو الجرجير، وكذلك «الخس» وكنا ونحن صغار نأكل الخس يوميا، فكان هناك تقليد في بيتنا أن تشتري الخادمة كمية كبيرة من الخس ثم تنظف وتغسل وتوضع في سلة كبيرة في المطبخ أو علي السفرة، ونأكل منها جميعا، وأعتقد أن كل هذه الأشياء «العسل والطحينة» والخس والجرجير والبصل الأخضر والجزر، كل هذه الخضراوات المغذية، هي التي جعلت هناك فرقا بين صحة الأطفال الآن وصحتنا زمان..
وازي الصحة.. لعلكم بخير.!