< الاولاد أصبحوا يبالغون في شراء الهدايا فهم يطلبون شراء بعض الحلي الذهبية أو بعض الثياب الفاخرة وفي بعض الاسر اجتمع الاولاد وقرروا تغيير سيارة الأم <

منذ أكثر من ستين عاما انضم عيد لأعيادنا بل أصبح ينافس عيد الفطر وعيد الأضحي وربما عيدالميلاد المجيد أيضا.. إنه عيد الأم والذي كان لمولده قصة شديدة الانسانية وقد حضرت هذه القصة فقد كنت وقتها أقوم بمهمة بالغة الأهمية وهي فض خطابات بريد استاذينا مصطفي وعلي أمين وكنت ايضا أقوم بلقاء الحالات التي تأتي بمشاكل لهما واستمع اليهم وأقوم بكتابة ملخص لها ليقرأها الأستاذان ويكون لهما رأي فيها ثم تحول لباقي أقسام الجريدة.
وفي أحد الأيام منذ ستين عاما جاءت سيدة تطلب مقابلة أستاذنا علي أمين وقابلته وكانت تشكو عقوق ابنها وكنت أقوم بكتابة المشكلة وكانت الشكوي شديدة الانسانية فهو ابن وحيد وأنفقت عليه كل تملك حتي اصبح مهندسا ومدرسا في كلية الهندسة دون ان يشعر بأي نقص في حياته الدراسية ثم في حياته العملية وتزوج وأنجب أطفالا ثلاثة وكبر أولاده ولكنه لم يسأل عن أمه ابدا ولا يزورها ولا يعلم كيف تعيش من معاش والده الذي لا يكفي (العيش الحاف) وأنها جاءت لأستاذنا علي أمين لتبحث عن عمل حتي تستطيع ان تعيش وأنها اصبحت حتي لا تملك شقتها لأنها باعتها من أجله وتسكن في شقة صغيرة فوق سطوح احدي العمارات وتعاني من التعب والارهاق حتي تصعد السلالم لتصل الي شقتها وأنها تريد ان تعمل في أي مكان حتي لا تحتاج لأحد فقال لها استاذنا علي أمين وهو غاضب من هذا الابن العاق:
لا .. لا يمكن اتركك تعملين وأنت في هذه السن؟.. كيف يعيش هذا الابن العاق ويتركك هكذا في هذه الحالة السيئةانه ابن عاق ولابد ان اكتب عنه حتي يعلم انه اخطأ في حقك وحتي لا يفعل كل الابناء مثله ان هذا الابن العاق لابد أن يأخذ عقابه بأن يعرف كل من حوله ما فعله معك وأنت أمه وحتي لا يفعل غيره مثله وصرخت الأم ثائرة وهي تقول:
لا.. لا أرجوك لا تكتب شيئا عن ابني ارجوك أرجوك لاتكتب عنه وتضايقة إنني اشكو لك لمجرد (الفضفضة) والبحث عن عمل ولكن لا أريد ان يعرف ابني أو أي احد أنني حضرت إليك.. لا لا أريد ان يتضايق ابني مني.. لا أحب ان أكون سببا في أي مشكلة لولدي.. انه لم يقصد أن يؤذيني انا لا أريد ان يكرهه احد خصوصا رؤساءه في عمله.. أرجوك ارجوك لا تكتب شيئا.. أنا جئت اليك للبحث عن عمل وأنا مخطئة في حكايتي لك عن ابني.. أنا لا اشكوه، ابني لديه مشاكل كثيرة فإن لديه اولادا في مدارس ولديه زوجته التي لا تعلم شيئا ولديه بيته الذي ينفق عليه.. ابني لم يقصد ايذائي ولكنه (مزنوق في مشاكل) أرجوك أرجوك لا تكتب عن ابني لابد ان يظل محترما من كل من حوله.. لقد جئت اليك لأبحث عن عمل وأنا شديدة الندم لاني قصصت عليك قصتي كان يجب ان أسأل عن عمل فقط.
وبكت بشدة وقالت:
أنا آسفة جدا لأنني (فضفضت لك) لكن كل ما قصدته البحث عن عمل وهذا لا يضر ابني في شيء وابني لم يهملني ولكن لديه مشاكل كثيرة ولديه بيت ينفق عليه وأولاد في المدارس.
وتعجب أستاذنا علي أمين من هذه الام العظيمة التي لا تريد ان تتهم ابنها بالعقوق وهو عاق فعلا.. تعجب وقال لها لابد ان ننبهه؟
فبكت وقالت:
من فضلك ياأستاذ انا لا أريده حتي ان يعرف أنني حضرت اليك لقد جئت اليك لانني اقرأ لك وأعرف انك تقوم بحل مشاكل (الغلابة) والذين لا يجدون حلولا لمشاكلهم.
ووعدها ألا يكتب.. ولكنه تعجب من هذه الأم وفكرفي كل الامهات ووصل تفكيره ووعيه للمجتمع أنها ليست الوحيدة التي تتمتع بهذا القدر من الأمومة الفياضة وأن هناك الكثيرات مثلها ليس في مصر بل في كل العالم لأن قلوب الامهات تنبض دائما بالحب سواء في مصر أو حتي القطب الشمالي.. وأراد استاذنا ان يتذكر كل ابن أمه ولو ليوم واحد في العلم وألا ينسي أي ابن وأي بنت فضل الام ولو ليوم واحد كل عام فقرر ان يطلق فكرة عيد الأم وشحذلها كل أقسام الأخبار وأخبار اليوم ومجلات آخر ساعة والجيل وأختار يو م(21 مارس) من كل عام اختار عيد الربيع حيث تتفتح الزهور ومعها تتفتح القلوب بالحب للأمهات.. اختار استاذنا الراحل العظيم يوم 21 مارس من كل عام ليحتفل فيه جميع الابناء بالامهات وكانت قصة هذه السيدة العظيمة التي جاءت له لتشكو من عقوق ابنها ورفضت ان يعاقب علي العقوق كانت هذه القصة الانسانية هي البوابة الملكية لعيد الأم.
أعلن استاذنا علي أمين يوم 21 مارس من كل عام ليكون عيدا للأم هذا العيد الذي ولد من رحم قصة عقوق ابن لأمه.
جعل استاذنا العظيم 21 مارس ليكون عيدا لكل أم لا تتقبل أي شر لابنها حتي لو كان عاقا!! رحم الله استاذنا علي أمين رحمة واسعة بقدر ما أسعد كل تلك الامهات طوال هذه السنوات رحمة واسعة بقدر ما أدي لكل أم من الاعتراف بفضلها وكان هذا هو العيد الذي نحتفل به جميعا ولابد أن نقرأ الفاتحة ونور القبر لاستاذنا علي أمين الذي استطاع بعقله وقلمه ان يدخل السعادة علي ملايين الأمهات وأن يعلم الابناء قيمة الاعتراف بالأم طوال هذه الاعوام منذ الخمسينيات حتي الآن وأصبح عيد الام عيدا للمصريين يزاحم عيد الفطر وعيد الاضحي وعيد الميلاد المجيد.
كل سنة وكل أم طيبة.. كل سنة وكل أم سعيدة بما تؤديه لأولادها.. كل سنة وكل الابناء يعرفون فضل الامهات حتي يصبحوا أمهات وآباء.
استاذنا لم يقصد المبالغة في الهدايا
حدثني أب عن عيد الأم من الجانب الآخر! الجانب الاقتصادي فقد قال لي ان الاولاد اصبحوا يبالغون وانه اصبح يدخل (جمعية) مع مجموعة من اصدقائه (ليقبضها) في عيد الأم لان الاولاد أصبحوا يبالغون في شراء الهدايا فهم يطلبون شراء بعض الحلي الذهبية أو بعض الثياب الفاخرة وفي بعض الاسر اجتمع الاولاد وقرروا تغيير سيارة الأم وفي واقع الأمر ان استاذنا علي أمين لم يقصد بعيد الأم تقديم الهدايا وإنما قصد ان يكون (يوم) في العام للاعتراف بفضل الام والاعتراف بالفضل لا يقدر بمال ابدا وانا شخصيا جاءتني هدايا من أولادي وكلها خلفها فكرة الاحتياج لها كأشياء خاصة لي او للاستعمال في البيت.
من اجمل الهدايا التي جاءت لي سلة زهور رائعة من الدكتورة (مايا مرسي) رئيسة المجلس القومي للمرأة ومعها دعوة لحضور الاحتفالية بيوم المرأة المصرية وكذلك صحبة ورد من صديقة لي مريضة ولكنها تذكرتني في عيد الام لانها كانت دائما تحكي لي عن مشاكلها مع زوجها وكانت تعتبرني أمها رغم تقارب السن بيننا وكنت دائما سعيدة بكل من يعاملونني كأم لهم مهما كانت السن متقاربة فأجمل عاطفة في العالم هي عاطفة الامومة تلك العاطفة التي لا يمكن ان تشوبها شائبة فالام تحب أولادها حتي انها احيانا تقنن اخطاءهم ليس لهم ولكن لكل من حولها ولا تقبل أي نقد بأي حال من الاحوال لأولادها وهناك أمهات ايضا تتواصل عاطفة الامومة بكل من حولهم والعاطفة نفسها وتنفيذها هي أعظم هدية وكانت أمي رحمها الله متدفقة الامومة مثل كل أمهات جيلها ولكن لا اعتقد ان هناك مثل أمي في طرح أمومتها حتي علي الخدم فكانت تتعامل معهم بأمومة لدرجة انها كانت تجالسهم في المطبخ وتتناول افطارها أو غداءها معهم.
بكره تفكه
وكانت دائما تدافع عن الخدم الي حد المبالغة واطلق عليها والدي المحامي العام ولا ننسي أنا وكل العائلة كلمة دافعت بها أمي عن (شغالة) كانت عندنا وكانت شديدة الغباء وكانت تحكي دائما انها سوف تلتحق بالجامعة ففي احدي المرات كانت تحكي كيف انها سوف تدخل كلية الحقوق لتصبح محامية فقالت لها شقيقتي:
إنت اتجننتي اذا كنت ما بتعرفيش تفكي الخط!
فقالت ماما بسرعة في الدفاع عنها (معلش ياحبيبتي بكره تفكه) وصارت مثلا في العائلة فكانت الخادمة كل ما قالت (حروح كلية الحقوق) تقول لها لما تفكي الخط وتردد ماما بسرعة (بكره تفكه) وهكذا كان الدفاع يأخذ شكلا وكأن الخادمة سوف تفك جنيه مثلا وليس فك الخط.
وظلت أمي في حالات الدفاع وتحتوي لقب المحامي العام حتي جاء البواب في أحد الايام وقال ان هذه الخادمة تحب المكوجي وتظل (واقفة) بجانب المحل بالساعات وتدعي انها تنتظر المكوه.
واسقط في يد الوالدة (وضبطناها) تقول للخادمة (هاتيه يابنتي واحنا نجوزك ليه وكانت الخادمة من الغباء بحيث قالت (هو مين ده أنا لا يمكن استعناه في جزمتي) وكانت هذه الكلمة امتدادا لغبائها ودافعت أمي ايضا عنها بقولها (ياجماعة هي واثقة من نفسها) واسقط في يدنا ولم نعد نناقش المحامي العام (الوالدة) رحمها الله رحمة واسعة بقدر ما أدت لكل الضعفاء والاغنياء علي حد سواء وبقدر ما وقفت في صف كل من تجده محاصرا بالآخرين.
هل يستطيع التليفزيون
أن يسعدنا بالمسرح العظيم؟
هناك مسرحيات عشناها وأرثي لحال شبابنا الذين يعيشون علي الغث من الاعمال والقلة من الجيد منها أرثي لحال الشباب الذي تركناه يبتعد عن تذوق الشعر و(الجرس) الجميل للكلمات المنظومة وللغة العربية الشديدة الخصوصية الرائعة المعني هل يستطيع التليفزيون ان يرحمنا ويجهز عقول شبابنا للوعي والتذوق ويبث الينا تلك المسرحيات التي أبدعتها عقول كتابنا مثل العظيم عبدالرحمن الشرقاوي في رائعتيه جميلة والارض والشاعر الرقيق فاروق جويدة في مسرحياته العظيمة (الوزير العاشق) و(الخديوي) كم امتعتنا هذه المسرحيات لغة ثم تمثيلا لسيدة المسرح سميحة أيوب والراحل العظيم عبدالله غيث لقد تمتعنا بنصوص شديدة القوة بالغة العمق جيدة التوصيل لبناء الوجدان وتمتعنا بفن التمثيل لهؤلاء العباقرة هذا الكم الهائل من المسرحيات التي قامت بدورها في تثبيت بناء وجدان المصريين.
هل من قناة من هذه القنوات المليئة ببالونات سرعان ما تنتهي ولا يبقي لها أثر إنني اتمني ان يستطيع التليفزيون ان يزيح من امام اعيننا وآذاننا بعض ما يضعه في الوقت الضائع وان يضع هذه المسرحيات التي لا تعيدنا للزمن الجميل فقط ولكن تدعم وجدان شبابنا الذي يستقبل كل يوم التفاهات التي لا تبني في عقله سوي اوهام وأحلام سرعان ما تتبدد في زحام قسوة الحياة ان المسرح ليس (فرجة) فقط ولكنه يقوم بمهمة عظيمة وهي بناء الوجدان في مواجهة الحياة وما ادراك ما قسوة الحياة هذه الايام والتي بلغت من قسوتها شدة الهت الناس عنها وجعلت النظرة لاهية الي كل شيء واختفت النظرة الجادة والمواجهة بقوة لما يفاجأ به البشر.
الطعام لكل فم
استلهم عنوان استاذ الاساتذة توفيق الحكيم.. الحكيم بغير تردد العميق بلا اصطناع الذي عبر في كتاباته عن كل دقة قلب واهتزازة وجدان عند المصريين استعير هذا العنوان حيث فوجئت بان الطعام ليس لكل فم ولكنه للأفواه القادرة فقط علي وضع ثمن الطعام.. والله العظيم لا ابالغ فقد شاهدت بعيني اطفالا يقفون فاتحي الافواه ينظرون الي اطفال آخرين مثلهم يأكلون الحلوي وهم لا يستطيعون؟.. اطفال زملاء في نفس العمر وذات المدرسة ونفس الفصل الدراسي فقد اصبح سلوك الآباء والامهات غير مدروس فالام تحرم البيت من اشياء هامة حتي تعطي للصغير مصروفا وتعطيه (ساندوتش) جبنة رومي او بسطرمة ثم يشتري شيكولاته وفي الظهر لا تجد طعاما مناسبا وكأن الاكل دخل في مظهريات الحياة تماما كما تشتري لابنها (جاكت) جديدا وهو لا يأكل اللحم سوي مرة كل أسبوعين.. وهكذا يصبح المظهر جزءا اهم من غذاء الصغار.. ويكبر الصغار في هذا المناخ فيصبح هو دستورهم لقد اصبح ما يهم الحياة من مظاهر مكلفا للغاية اكثر من الاشياء التي تدخل في صلب الحياة.
سألني صديق ان اتدخل بينه وبين ابنه لان الابن مصر ألا يذهب الي الجامعة الا بعد ان يشتري (بنطلون) جينز معين ثمنه ستمائة جنيه.. اي والله ستمائة جنيه والبنطلون (مهلهل) ومخرم من عند الركبة أتاريها والعياذ بالله موضة لم استطع ان اقنع الشاب بشيء لانه ثبت نظرية (البنطلون المقطوع) ولم يثبت نظرية (دارون التي يدرسها) لقدثبت في عقله ووعيه احتياجه لهذا البنطلون ولم يثبت بيت شعر واحد لحافظ ابراهيم وقال لي بالحرف الواحد.
حافظ ابراهيم مات.. يعني لو كان عايش ما كانش حيقول الكلام ده؟.
قلت له
فعلا كلامك صح لان ما يحدث الآن في حياتنا لا يغري بأي شعر بل يغري بفقدان الشعور وأترككم في رعاية الله لتستطيعوا مواجهة هذا الجيل الذي لا ذنب له لأنه تربي بفعل فاعل هو المجتمع الجديد.