قال رسول الله صلي الله عليه وسلم  »خاب وخسر من أدرك أبويه أو أحدهما ولم يدخل الجنة»‬. صدقت يارسول الله فقد منّ الله سبحانه وتعالي علينا بنعم كثيرة لا نعرف قيمتها ولا قدرها إلا عندما نفقدها. وأغلي هذه النعم وأثمنها هما الوالدان اللذان عشنا معهما عمراً طويلاً ننعم بخيراتهما ونحتمي بظلهما ونلهو ونلعب ونروح ونجيء ثم نعود إلي الدفء الذي يشعه حنانهما. ونعتقد أن الله قد خلقهما لذلك وأبقاهما لنا كي نستفيد منهما في الدنيا. ولكن الرسول الكريم معلم البشرية الذي لاينطق عن الهوي أوضح لنا أن حياتنا مع أحد الوالدين أوكليهما ليست فقط لخير الدنيا بل أكثر من ذلك أن حُسن معاشرتهما والبر بهما ورضاهما يؤديان إلي خير الآخرة وإلي جنة النعيم بإذن الله. فبر الوالدين أحب إلي الله من الجهاد في سبيله ولا يسبقه في ذلك إلا الصلاة لوقتها  كما جاء في الحديث الشريف. ومن كرم الله علينا أن جعل لبر الوالدين طرقا كثيرة منها ما هو في حياتهما ومنها ما هو بعد وفاتهما. أولها ألا ننطق بما يكرهان أو بما يؤذيهما »‬ ولا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما». وأيضا أن نرعاهما في شيخوختهما »‬ الزمهما فإن الجنة تحت أرجلهما». وأن نحب ونبر من يحبان. وأن ندعو  لهما بالرحمة والمغفرة »‬ وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا» فمن أسباب عدم البركة في الرزق ترك الإستغفار للوالدين. تحملت العبء الكبير في تربيتنا مع والد وهب حياته لوطنه    سبحان الله الكريم الذي يحب عباده ويمنحهم وسائل سهلة وميسرة ولاتكلفهم شيئاً ليدفعهم وآباءهم إلي الجنة دفعا. منذ سبعة عشر عاماً فقدت  أول أهم الطرق إلي الجنة بوفاة والدي رحمة الله عليه فقد كان الأب والأخ والقدوة وعلمني الا أخشي إلا الله ولا أقول الا الصدق والحق. علمني »‬اللاءات» الثلاث (لا أطلب - لا أختار - لا أرفض) أي أن أترك لله شأن رزقي فما هو مقسوم لي سيصلني بإذن الله لا محالة. وبقي لي بعد ذلك الباب الأوسع للطريق إلي الجنة وهي أمي التي خصها الله  ورسوله مع كل الأمهات بحسن الصحابة وبأن الجنة تحت قدميها. فتمسكتُ بها وأدركت أنها هي ملاذي الأخير بعد الله سبحانه وتعالي. فقد تحملت العبء الكبير في تربيتنا في البيت ، مع والد وهب حياته ووقته لعمله ووطنه إرضاءً لربه وضميره، فغرزت فينا الخلق الحسن والسلوك القويم وحب الخير وحب الناس وإنكار الذات والإيثار. وأجدني كلما فعلت شيئاً حسنا (من وجهة نظري) أتذكر أن هذا ما علمته لي أمي وما كانت تفعله هي. وكنت ومازلت  أسعد وأزهو وأفخر أن منّ الله عليّ بهذه الأم وعرفت لماذا أوصانا الله بالوالدين وقرن هذا بأمر بعبادته سبحانه وتعالي في آية واحدة »‬وقضي ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا» صدق الله العظيم. ومنذ أيام قليلة إسترد الله وديعته وفاضت روح أمي الطاهرة إلي بارئها وأحسست وكأني كُشِف عني الغطاء وأصبحت بلا سند يحميني بدعائه ويوجهني بحبه وحنانه مهما كبرت سني وزادت خبرتي في الدنيا. والآن أدعو الله الا ينطبق عليّ الحديث الشريف الذي ذكرته في أول هذا المقال.  وليس أمامي الآن إلا أن أحاول أن أدخل  في رحمة الله أيضا  عن طريق والديَّ بالدعاء لهما والبر بأحبائهما وأصدقائهما كما أمرنا الله ورسوله. اللهم اغفر لهما وأرحمهما  ووسع في قبرهما وعاملهما بالإحسان وادخلهما الجنة مع الصديقين والشهداء والأبرار وحسن أولئك رفيقا وألحقنا بهم علي خير إنك سميع مجيب الدعاء.