الذي يكذب علي شعبه وهو يحلف يمين رعاية الوطن وحمايته والحفاظ علي الإنسان فيه وسلامة أمنه وأراضيه إنما يحنث في أي شيء بعده كانت تثور في نفسي أسئلة كثيرة، حين رأيت هذا المشهد يوم جاء »مرسي»‬ إلي التحرير ليقسم باليمين، يميناً كان يراه أولي هو وعشيرته من أي قيمة توارثناها وأرسيناها في الضمير الوطني، وبرغم أنني سجلت اعتراضي ساعتئذ علي كل التفاصيل التي جرت حتي يصل »‬مرسي» إلي الحكم بما في ذلك الاصطفاف الوطني ودعاته من عصرة الليمون إلا أنني تأثرت كثيراً عندما فتح الجاكيت عن صدره وبطنه المرتفعة فقلت أمان يا مصر، من اليوم سيكف الطرف الثالث طالما أن الرئيس وقف وسط الجموع بدون قميص واق، حتي تكلم رئيس الحرس الجمهوري أخيراً ليؤكد ما اعتمل من شك في أعماقي فالذي يكذب علي شعبه وهو يحلف يمين رعاية الوطن وحمايته والحفاظ علي الإنسان فيه وسلامة أمنه وأراضيه إنما يحنث في أي شيء بعده، تراه لماذا كذب وادعي وهو يعري صدره إلا بالقميص أنه لا يرتدي أي شيء يقيه الموت، تباً لهذا الكذب الذي سوف نعيش فيه، ثم نصحو في كل ليلة علي مأساة تدفع إلي مأساة، فالرئيس يكذب. ولما خرج علينا مرة أخري في صباح هذا اليوم المشئوم قال لأقودن بنفسي العمليات في سيناء لمقاومة الإرهاب، وأشعل الإعلام بالتصريحات وأقال قادة الجيش بغية إعادة تشكيله علي ذوقه وترك الشعب يشرب نار ودماء شهداء الحدود الذين اغتيلوا وهم صائمون، وظل نفس الشعور يغلي في داخلي، هذا ليس طبيعياً، إنما هو تدبير لاختطاف البلد والقفز علي جيشه، ومن كل حدث جري في هذا العام كنت أصل بحدسٍ إلي إجابات عن أسئلة حائرة وتصرفات من الرئيس يكتنفها الغموض وتحركات تهدف في المقام الأول للتشكيك في وطنية الجيش وخلخلة ثوابته، ثم الانقلاب عليه وإحلال ميليشيات وبدائل أخري مثل الحرس الثوري مكانه علي طريقة إيران، وكانت ذروة هذا الشعور في اللحظات الحرجة قبل (30 يونيو) بقليل وفي آخر خطاب له علي طريقة »‬الأربعين حرامي» أخذ الرئيس يكرر كلمة عندنا في الجيش رجال دهب.. دهب.. دهب، فقلت في نفسي هذا أمر واضح بالانقضاض، ولكن القدر قد سبق فالرجال كانوا قد انتبهوا وحددوا الهدف وآثروا الدفاع عن وطنهم أو الموت شنقاً، شرفاً، وهذه هي الكلمة التي فرقت بين الحق والباطل برغم ما احتمي به الباطل من قوي وما امتطي من مراكب بما في ذلك الدين نفسه، لكن الله سلم فمن كذب فعليه كذبه.  الأزهر في قبضتي الجمود والإرهاب لقد عايشت محاولات الدكتور أحمد الطيب لإصلاح جامعة الأزهر وضرب الفساد فيها وخنق التطرف وتطوير التعليم، ولبث فيها سبع سنين أو يزيد ولكنه كان يصاب بالإحباط بين الحين والآخر فنشد من عضده ونحضه علي المضي فهي رسالة، حتي جاء يوم الميليشيات والهجوم الإخواني المدبر علي الجامعة لإرهاب مصر كلها كما جاء في تعليمات المرشد آنذاك مهدي عاكف والذي أعلن أن هناك عشرة آلاف مسلح جاهزون للقتال في غزة، ولكنهم حولوا وجهتهم إلي الأزهر لنري عرضاً عسكرياً أمام مبني القيادة بالجامعة، وكسر واقتحام للباب العريق الذي يزين المدخل ولم يمسه أحد بسوء من قبل الإخوان إلا الاستعماري الفرنسي، ووقف الدكتور الطيب ومن خلفه رفيق عمره الدكتور عبدالفضيل القوصي وأنا لم نجد أحداً يواجههم غيرنا، نزل الدكتور الطيب وسطهم ولم يخش علي حياته أو هيبته، وقال قولته: إنما قد أهانوا حب الجامعة. ورأيت الدموع تغرورق في عينيه، وكتبت ساعتها أول بيان طلبه مني الأستاذ محمد بركات رئيس تحرير الأخبار، وقام الأستاذ مصطفي بلال بتلقيه تليفونياً، وبدأت فضيحة الميليشيات تتحرك ولكن واقع الأمر يؤكد أن هناك أسباباً عديدة، أوقعت الأزهر في هذا المأزق التاريخي الذي لن يكون حله بسيطاً ولا في تصريحات حنجرية ولكن سوف يحتاج عملاً وإخلاصاً متواصلاً لإعادة تنظيف المناهج وبعث الروح فيها وإلحاقها بالعصر وقضاياه  وإلحاق العصر بها، وكذلك لمن يريد أن يفهم فالجامعة وحدها ليست هي كل القضية إنما هناك شبكة عنكبوتية من المعاهد الأزهرية معظمها في أطراف مصر بريفها وحضرها تتعرض بل هي في قبضة الجمود من مناهج ومن يدرس المناهج من فسدة أو إرهابيين أو منغلقين لا يعرفون الزمن الذي يعيشون فيه.. إنها قضية كبري.. أكبر من أن نتركها للكلام.  لو مكان رئيس الحكومة لأتيت بمجموعة من الوزراء علي رأسهم التضامن الاجتماعي، ودرست حالة الباعة المتجولين هؤلاء درساً اجتماعياً، في البداية واعتبرتهم من العاطلين عن العمل أو حتي العجزة، فوراء كل بائع مأساة ودوافع أدت به إلي ألا يقبل التفكير في أي شيء إلا لقمة العيش، وهو تحت الحاجة سوف يفعل أي شيء لو دفع له الثمن، كان يمكن أن نمدهم برواتب مؤقتة بسيطة تعينهم علي الفترة الانتقالية حتي يستقروا في أعمالهم وكذلك كان يمكن للذين يريدون الأمان والسلام الاجتماعي أن يساهموا ولو علي سبيل القرض الحسن مع الحكومة في إعادة تأهيل هذه الفئة.. أفكار كثيرة وبسيطة قابلة للتنفيذ.