لا شك ان البرلمان القادم لن يكون الأمثل بعد ثورتين، ولكنه سيكون الأهم في تشكيل الخريطة السياسية والحزبية في تاريخ مصر الحديثة، واللبنة الأولي لبناء نظام سياسي ديموقراطي حقيقي. (1) تعديل الدستور : تعلو بعض الأصوات لتطالب بتعديل المواد الدستورية الخاصة بسلطات رئيس الجمهورية ومنحه صلاحيات أكثر مما هو قائم.. وحجة هؤلاء أن صلاحيات البرلمان الجديد كثيرة وتفوق صلاحيات الرئيس ومن شأن ذلك إعاقة خطط الرئيس الإصلاحية وقدرته علي مواجهة التحديات والتحرك إلي الأمام. وأقولها لهؤلاء بكل وضوح، أرفعوا أيديكم عن الدستور، فلا يمكن الحكم علي صلاحية نظام دستوري وسياسي قبل اختباره. إن المساس بالنصوص الدستورية في هذه المرحلة الدقيقة دون مبرر واضح سوي تكهنات أمر من شأنه أن يؤدي إلي زعزعة النظام السياسي برمته دون دافع وطني حقيقي.. فأرجو مخلصاً من هؤلاء أن يتوقفوا عن محاولات العبث بنظام سياسي ودستوري لايزال في مرحلة البناء. (2) تأجيل الانتخابات البرلمانية : وفي ظل الاتجاه السابق، ترتفع بعض الأصوات لتطالب بتأجيل الانتخابات البرلمانية لمدة عام أو عامين إضافيين. ويسوق هؤلاء أسباب متعددة لمطالبتهم منها أن الأحزاب لاتزال تحتاج إلي مزيد من الوقت للإعداد للانتخابات وتكوين كوادر برلمانية، وإن إجراء الانتخابات الآن وفي ظل الضعف الحزبي من شأنه إعادة التيارات المتطرفة إلي الحياة السياسية. يضيف أصحاب هذا الرأي أن البرلمان القادم خارج عن السيطرة، وأنه في ظل عدم وجود أغلبية واضحة أو ظهير سياسي قوي للرئيس، فإن البرلمان القادم من شأنه أن يكون عقبة في طريق الإصلاح الاقتصاديوالاجتماعي، وسيؤدي إلي تباطؤ إصدار التشريعات الضرورية. وأعود لأقول لهؤلاء بشكل واضح، إن أضرار تأجيل الانتخابات البرلمانية ومساوئه تفوق عشرات المرات المشكلات الناجمة عن إقامة الانتخابات في موعدها. فإقامة الانتخابات في موعدها وتشكيل البرلمان الجديد المنتخب هو الخطوة الأخيرة والأهم لاستكمال نظامنا الدستوري بعد ثورة 30 يونيو وإتمام المرحلة الانتقالية. ولعقد الانتخابات البرلمانية في موعدها دلالة هامة علي استقرار النظام السياسي في مصر، والجدية في تحقيق الإصلاح السياسيالذي دعت إليه ثورة 25 يناير وإقرار المبادئ الدستورية الأساسية وأهمها الفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية.. إن غياب برلمان منتخب سيعطي أعداء مصر في الخارج والداخل الذريعة المناسبة للهجوم علي مصر ومحاولة التشكيك في نظامنا السياسي وضرب الاستقرار. ولا شكأنانتخاب برلمان جديد خلال الشهور الثلاث القادمة ضرورة للإصلاح الحكومي فالإصلاح المؤسسي لأجهزة الدولة ومحاربة الفساد أحد روافده الأساسية وجود رقابة برلمانية فاعلة. (3) تركيبة البرلمان القادم : تجري الآن محاولات جادة لتشكيل قائمة وطنية موحدة، وتسعي قيادات سياسية بجدية للتنسيق بين الأحزاب والتيارات السياسية المدنية لتكوين تكتلات خشية أن تؤدي حالة التفتت والتشرذم السياسي الحالية إلي وجود برلمان أشبه بالضجيج بلا طحين أي برلمان معوق غير فعال دون أغلبية واضحة. وأري شخصياً، ان الصورة الحقيقة للأحزاب والتنظيم السياسي في مصر لن تتشكل وتكتمل إلا بعد الانتخابات البرلمانية وليس قبلها.. والبرلمانيون المستقلون سيمثلوا الحصان الأسود في الانتخابات البرلمانية القادمة. وعلي الرغم من أن نجاح المستقلين في الانتخابات البرلمانية لن يعتمد علي أي دعم حزبي أو ظهير سياسي، فإن المعضلة ستظهر بعد نجاحهم، فأي عضو مستقل بمفرده دون تكتل برلماني تصويتي سيجعله غير فاعل أو مؤثر بل سيحرمه من المشاركة الجدية في أي من اللجان البرلمانية المختلفة. ولن يكون للمستقلين بديل عن التكتل فيما بينهم وبعضهم البعض أو التحالف البرلماني والسياسي مع ممثلي الأحزاب والتيارات السياسية الأخري. ومن هنا ستظهر في رأيي تكتلات سياسية وتحالفات بل وربما أحزاب جديدة لم تكن قائمة قبل إجراء الانتخابات البرلمانية.. والوضع السياسي الحالي ينبئعن احتمال وجود مجموعات ثلاث من البرلمانيين، أما المجموعة الأولي، فهي مجموعة المستقلين ممن لا ينتمون لأحزاب او حركات سياسية بعينها، أما المجموعة الثانية تتكون من ممثلي الأحزاب والحركات السياسية المدنية غير المحسوبة علي تيار الإسلام السياسي. ومعضلة هذه المجموعة أنها تضم كتل وشعب متطاحنة وتأتي من خلفيات سياسية مختلفة.. فهؤلاء مهما تكتلوا أونسقوا قبل الانتخابات ستفرقهم تحت قبة البرلمان أيدولوجيات وخلفيات سياسية متعارضة. وستفتقر أي من هذه الأحزاب أو التيارات بمفردها إمكانية تكوين الأكثرية البرلمانية. وأما المجموعة الثالثة، فهي تكتلات الأحزاب القائمة علي أساس ديني وإن أنكرت ذلك، وهي لن تشكل في الانتخابات القادمة في رأيي أكثر من 10% من قوة البرلمان القادم. إن ضم الكفاءات الفنية وأصحاب الرؤي الاستراتيجيةللبرلمان القادملا شك سيكون مرهون بتحري الدقة والموضوعية في اختيار قائمة وطنية موحدة علي مستوي الجمهورية،والتي سيكون لها النصيب الأكبر في النجاح، واختيار الأعضاء المعينين من قبل رئيس الجمهورية وفقاً للدستور.