استدعاني د. محمد عبداللاه ذات يوم للنقاش حول مايتردد في الندوات واللقاءات من تخوف الطلاب وقلقهم وتحسبهم للتفوق الإسرائيلي الذي تحول علكة في أفواه الجميع. ما بين أيام أتت وأيام ولت يعيش الإنسان ويتشكل التاريخ، والنابه منا من ينتبه لحكمة الزمن وتداول الأيام، ولعل في استعادة ماكان الدرس والعبرة، أقول هذا لسبب لعلكم ملاقون حكمته بعد قليل.. كان العام الدراسي 2004/2005 واحدا من أصعب الأعوام التي مرت علي الجامعات المصرية، كانت مصر علي أعتاب انتخابات رئاسية وتشريعية وكان الجو العام ساخناً والحراك السياسي يتصاعد في توتر تزامن مع تعديل المادة 76 من دستور 1971 وتنامي الرفض العام لسياسات النظام ونشاط الحركات الاحتجاجية وتحولت الجامعات لساحة مفتوحة لكل المبارزات وظفها الإسلام السياسي كعادته للمزايدة والأطروحات الهادفة للتشكيك لافي نظام مبارك ذاته وإنما استهدفت الدولة في كيانها والجيش في قدراته ومسئولياته. كانت هجمة الولايات المتحدة الأمريكية علي مصر مستهدفة تركيعها بالادعاء تارة عن تطويرها لقدرات نووية، وأخري عن الصواريخ البالستية وغيرها عن الحريات الدينية وحقوق الأقليات، ناهيك عن أحداث مصنوعة للفتنة الطائفية، انعكس ذلك كله علي معنويات طلاب الجامعات، وسرت نغمة خبيثة عن ضعف قدرات الجيش المصري أمام تفوق وإمكانات الجيش الإسرائيلي، وتبني الطابور الخامس هذه النغمة وروج لها بقوة. كنت في ذلك الوقت مستشاراً ثقافياً لجامعة الإسكندرية، مشغولا مع رئيسها الفذ الدكتور محمد عبداللاه في إعداد وتنفيذ برامج التثقيف السياسي ومعسكرات إعداد القادة والصالون الثقافي للجامعة والنادي السياسي، وحوار الثقافات مع دول البحر المتوسط وأمريكا. كانت الجامعة خلية نحل تستوعب جهد طلابها وأنشطتهم التي تمتعت بحريات غير مسبوقة في عهدي د.عبداللاه وخلفه د. حسن ندير، ولعل ذلك كان سبباً أن تآمر علي عبداللاه قيادات حزبه واسقطوه عمداً في انتخابات مجلس الشعب رغم تمتعه بشعبية طاغية. لم يكن عبداللاه يدير الجامعة لصالح الحزب الوطني، وإنما كان يعرف للمسئولية الجامعية والوطنية قدرها ومتطلباتها.. استدعاني د. محمد عبداللاه ذات يوم للنقاش حول مايتردد في الندوات واللقاءات من تخوف الطلاب وقلقهم وتحسبهم للتفوق الإسرائيلي الذي تحول علكة في أفواه الجميع. طلب مني إعداد برنامج لندوات مع أبطال معركة رأس العش، وأبطال البحرية المصرية في تدمير الحفار وإغراق المدمرة إيلات، وأبطال معركة كبريت، ولقاء مع صائدي الدبابات، وشيئاً فشيئاً بدا واضحاً أن الشباب يستعيد ثقته وحماسه، وفاجأنا بأن أعد مع المنطقة الشمالية العسكرية زيارة عدد من الأفواج لقاعدة رأس التين البحرية، وكلفني هو ونائبه المرحوم د. عكاشة عبدالعال بأن أرافق الطلاب بنفسي وأن يزوروا سلاح المدمرات والغواصات وصواريخ الطوربيد. أذكر أننا دخلنا إلي إحدي المدمرات العملاقة والتي أهدتها أمريكا للقوات البحرية وكانت قد اشتركت في حرب الخليج الثانية علي العراق. وتساءل الطلاب: كيف نعتمد علي هذه المدمرة وأسرارها جميعاً لدي إسرائيل بالضرورة؟ وكان الرد البليغ من ضباط البحرية المصرية المرافقين: السر ليس في المعدة وحدها، إنما في العقل الذي يستخدمها، وأننا في عالم مفتوح الجميع يعرف ما لدي الآخرين من سلاح وعتاد، الفارق الوحيد في الجندي والقيادة والتخطيط والتدريب. صفق الطلاب بحماس وخرجنا بجامعة الإسكندرية مع د.عبداللاه بمعنويات مرتفعة، واستمر هذا البرنامج مع د. حسن ندير الذي كان مهتماً كسابقه بتثقيف وإعداد الشباب للمشاركة في العمل العام ودعم المشروعات الوطنية، ولا أنسي يوم تغني الطلاب والأساتذة في ختام البرنامج الثقافي، مصر نادتنا فلبينا نداها، حب الوطن فرض عليا، واحنا فايتين ع الحدود دمعة فرت مننا، وغيرها، وعندما غنينا أخي جاوز الظالمون المدي اتهمنا أمن الدولة بأننا نلسن علي نظام مبارك، كانت أياما لعلها سطور ناصعة في تاريخ جامعة الإسكندرية.. تذكرت ذلك كله وأنا أعيش التجربة مرة أخري مع الزميل خالد الطوخي رئيس مجلس أمناء جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، والحاصل علي أعلي الجوائز الدولية في التخطيط الاستراتيجي للتعليم الجامعي، والواعي لدور الجامعة في تكوين شخصية الطلاب وخلق الكوادر للمشاركة في تنمية وتقدم الوطن. وكأن الأيام تعيدنا للمسئولية الوطنية والوعي السياسي لقيادات الجامعة في شخص الطوخي وهو يصطحب الطلاب والأساتذة في قافلة كبري لزيارة مشروع قناة السويس الجديدة ويلتقون الفريق مهاب مميش رئيس هيئة القناة، واللواء كامل الوزير رئيس الهيئة الهندسية،  وهكذا جامعاتنا بخير طالما يسر الله لها قيادات مثل عبداللاه وحسن ندير والطوخي وغيرهم كثيرون، فمصر أبداً  لاتعدم الرجال.