السؤال هو: لماذا تمارس أمريكا الآن - رغم سقوط الشيوعية - ما كانت تمارسه في الماضي من ضغوط ووسائل غير مشروعة لإرغام شعوب العالم الثالث علي تطبيق النظام الديموقراطي الكاتب الأمريكي المعروف جورج جالوب كتب مقالاً منذ 64 عاماً وعلي التحديد في يوليو عام 1951 ينتقد فيه السياسة الأمريكية وكيف أن أمريكا تحاول أن تبيع للعالم أفكارها عن الديموقراطية، وتنبأ الكاتب الكبير جالوب بفضل الخطة الأمريكية لفرض هذه السياسة علي دول العالم، خلال المائة سنة القادمة، وقال إنها استخدمت في سبيل تحقيق هذا الهدف السلاح والدولار والتهديد والرشوة، وكانت النتيجة أنها اكتسبت كراهية الشعوب في كل أنحاء الدنيا بدلاً من أن تكتسب صداقتها!!! كتب جورج جالوب في مقاله: في خلال المائة سنة القادمة ستدور المعركة للسيطرة علي عقول الشعوب، ومع ذلك فما نزال نحن الأمريكيين، نحاول أن »‬نبيع» للعالم أجمع فكرتنا عن الديموقراطية! لقد استطاعت روسيا أن تبعث إلي كوريا بمئات الألوف من الصينيين المتعصبين دون أن تقدم لهم مساعدة ما، فكم مليوناً من المتعصبين مستعدون اليوم للحرب في جانبنا؟ إن أعظم الانتصارات العسكرية لن تغنينا أبداً عن كسب معركة المبادئ والأفكار، تصوروا لو أننا حاربنا روسيا وقهرناها، ثم أجرينا الانتخابات فيها وفي بلاد حلفائها، فصوت الناس في صف الشيوعية.. فماذا سنفعل؟ يجب أن نعترف بأننا خسرنا معركة الدعاية حتي الآن وأن الشعوب الواقعة تحت نفوذنا ذاتها لا ترضي عنا تماماً فما بالنا بالشعوب الأخري التي لا تصل إليها دعايتنا قط والتي لم تجرب نوع حياتنا بعد؟ حين زار نهرو رئيس وزراء الهند أمريكا، لاحظ علينا أننا نحاول كسب العالم بالسلاح والدولار، وهذه هي العبارة الدبلوماسية للمعني الذي كان يجول بخاطري، لقد أراد أن يقول إننا نشق طريقنا بالتهديد والرشوة وأننا أهملنا عقول الناس تماماً في خططنا. لقد تنبه الكونجرس إلي ذلك فاعتمد 100 مليون دولار للإنفاق منها علي برنامج للدعاية العالمية، ولكن الدعاية التي نحلم بها لا تتكلف أقل من خمسة بلايين من الدولارات! والغلطة الكبري التي ارتكبناها في دعايتنا، أننا قضينا هذه السنوات كلها نحدث العالم عن أنفسنا، ولا يوجد أثقل علي الناس من شخص يتكلم دائماً عن نفسه وكل من سمع دعايتنا وهي تتحدث عن أمريكاً لابد أنه سأل في النهاية: وماذا عن مستقبلي أنا؟ أنظروا إلي الفلاح في الصين، أو العامل في إيطاليا أو في إيران الذي تعده الشيوعية بنصيب أكبر من الأرض وأجر أكثر ارتفاعاً، كيف نفوز نحن في هذه المزايدة؟ لقد مضينا نحدثه عن أمريكا: الحياة جنة، العامل في أمريكا عنده فريجيدير، الفلاح يمتلك سيارة! نعم.. ولكن سيظل الإيطالي أو الصيني يقول: ولكنني لست أمريكياً! كذلك مضينا نحدث الناس عن قوتنا وننشر أخبار استعداداتنا العسكرية، قنابلنا الذرية، وطائراتنا الصاروخية في حين ظلت الاستعدادات الروسية طي كتمان شديد حتي اقتنع الناس بأن روسيا تريد السلم، ونحن نريد الحرب فهل نقوم ببرنامج شامل للدعاية المنتجة؟ إن عملية »‬بيع الأفكار» هي أصعب عملية بيع صادفت الأمريكي حتي الآن! > > > > كان جالوب علي حق حينما كتب هذا المقال، فقد كانت المعركة في ذلك الوقت علي أشدها بين أمريكا وروسيا الشيوعية وكانت أمريكا تعمل بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لنشر أفكارها التي تهاجم الشيوعية وتدعو إلي الديموقراطية بين الشعوب خاصة شعوب العالم الثالث، وفي سبيل ذلك كانت تنفق الملايين من الدولارات لتزويد هذه الشعوب بالمعدات العسكرية والطائرات الصاروخية، لتحصينها وحمايتها من خطر المد الشيوعي، وكانت لا تتردد في رشوتها بالمشروعات والاستثمارات التنموية، وأحياناً باستخدام وسائل الضغط والتهديد بحرمان هذه الدول من المساعدات، حتي ترضخ لتنفيذ سياستها، مستغلة في ذلك ضعفها وفقرها وحاجاتها الملحة لهذه المساعدات. والسؤال هو: لماذا تمارس أمريكا الآن – رغم سقوط الشيوعية – ما كانت تمارسه في الماضي من ضغوط ووسائل غير مشروعة لإرغام شعوب العالم الثالث علي تطبيق النظام الديموقراطي، لماذا تفعل ذلك والشيوعية قد ذهبت بغير رجعة؟