عندما ابتليت في ابني الصغير قال والدي: أن أرقي درجات الصبر علي البلاء أن تحمد الله الذي لا يحمد علي مكروه سواه  فالحمد والشكر لأرحم الراحمين يعقبه دائما أعظم النعم وأوسع الفضل حيث يقول سبحانه وتعالي: »فانقلبوا بنعمة من الله وفضل»‬ قلت: الصبر علي المكاره والابتلاءات أمر غير يسير ويحتاج إلي مجاهدة شديدة  فكيف تطلب مني أن أتجاوزه وأرتقي إلي مقام ودرجات الحمد والشكر ؟! سألني: ألست واثقا وموقنا بأن أمر المؤمن في هذه الحياة الدنيا كله خير له؟!  أجبت: بلي  فعقب مسرعا: إذن حاول وجاهد في أن تتذوق لذة الحمد في الضراء وواجه مصاعب ومشاكل الحياة اليومية وشدائدها برضا بقضاء الله خيره وشره حلوه ومره  لو اجتهدت مخلصا في ذلك سيعينك الله ويوفقك ويمنحك السكينة القلبية والراحة النفسية التي لاتباع ولا تشتري بكنوز الدنيا كلها ففي ظل هذه السكينة تتضاءل وتصغر في عينك أشد مصائب الدنيا وأكبر مشكلات الحياة وهمومها  ويستوي في قلبك تراب الدنيا وذهبها وتطهر نفسك وتصفو من القلق والصراعات التي تصاحب الكثيرين لحظة بلحظة بل تكاد تعشش بداخلهم وتميت قلوبهم وتخمد العزائم في نفوسهم. قلت: هذه درجة عالية جدا في مجاهدة النفس لايقدر عليها إلا الأنبياء  فتعجب سائلا: ألم تقرأ جيداً سيرة آل بيت رسول الله  صلي الله عليه وسلم والصالحين من بعدهم ؟!  فقد كانوا  رضوان الله عليهم  من أشد الناس ابتلاء واضطهادا من الآخرين ومع ذلك ظلوا طوال حياتهم مشاعل خير ورحمة ونور وهداية للمجتمعات التي عاشوا فيها بفضل قلوبهم النقية ونفوسهم العلية. كأن والدي أراد أن يؤهلني نفسياً لأشد وأقسي الابتلاءات في حياتي وهو فراقه بانتقاله إلي رحمة الله بعد هذا الحوار بأيام معدودات ومازلت حتي يومنا هذا أجاهد لعلي أحظي بأعلي وأرقي درجات الصبر داعياً أرحم الراحمين بي وبوالدي وبابني أن يوفقني للعمل بآخر وصايا والدي رحمه الله.