في كل بلاد العالم لابد أن يكون لكل طالب جامعي تخصصان، تخصص رئيسي (ميجور Major) يدرس فيه وبعمق الموضوعات المتعلقة بتخصص معين، وتخصص فرعي (ماينور Minor) يدرسه الطالب بشكل أقل تعمقاً وإن كان يتيح له أن يعمل به.. وأحياناً يختار الطالب أن يكون له تخصصان رئيسيان بدلاً من التخصص الفرعي.. الهدف من هذا النظام هو ألا يحصر الطالب نفسه في دائرة ضيقة عند العمل.. فبدلاً من وضع البيض كله في سلة واحدة، يضعه الطالب في سلتين.. وبالتالي فإن فرص عمله في مجال يعرفه تتضاعف، وقدرته علي الاستفادة من تعليمه تتزايد، وفرص جلوسه في البيت بعد التخرج تتناقص وتتلاشي.. الطالب الجامعي في كل بلاد الدنيا يوسع دائرة اختياراته ويباعد بينها حتي يضمن له فرصة عمل بعد التخرج.. فقد تجد طالباً تخصصه الرئيسي هو الفيزياء وتخصصه الفرعي هو الموسيقي.. وقد تجد طالباً آخر تخصصه الرئيسي هو التاريخ، وتخصصه الفرعي هو »‬ الرياضيات».. وهكذا.. فإن لم يجد الطالب بعد تخرجه فرصة للعمل في مجال الفيزياء وجدها في الموسيقي.. ومن لم يجدها في التاريخ وجدها في الرياضيات.. وهكذا.. بل إن الجامعات الأجنبية قد توسعت في هذا المجال في مجال الدراسات العليا، فنادراً ما تجد حاصلاً علي الدكتوراه في تخصص واحد، لابد أن يكون له تخصصان، وإن كانا في هذه الحالة مرتبطين.. ففي مجال العلوم السياسية مثلاً يدرس الطالب نظم سياسية وعلاقات دولية، أو نظرية سياسية ومناهج بحث، أو علاقات دولية وسياسات مقارنة وهكذا.. وفي مجال الإعلام يدرس الطالب اتصالا دوليا وإعلاما صحيا، أو إعلانا واتصالا سياسيا.. وهكذا لابد من توسيع دائرة الرؤية ولابد من توسيع نطاق العمل.. شيء من هذا طرأ علي خاطري عندما تم إنشاء وزارة للتعليم الفني في مصر مؤخراً.. والسؤال لماذا لا يكون لكل طالب تخصصان أحدهما نظري دراسي، والثاني عملي تدريبي ومهني؟.. لماذا لا يتم التزاوج بين التعليم الجامعي النظري في بعض الكليات والتعليم المهني التدريبي معاً.. ماذا لو حصل طلاب التاريخ علي دبلومة فنية في النجارة مثلاً؟ وحصل طلاب علم النفس علي تدريب مكثف في الميكانيكا؟ وحصل طلاب أقسام الإعلام الذين أصبحوا يفوقون طلاب التجارة عدداً علي تدريب مهني علي أعمال الطباعة أو الديكور أو غيرها من الأعمال المتصلة ؟ ولماذا لا يحصل طلاب الحقوق علي تدريب مهني في مجال الزخرفة مثلاً؟.. الهدف هو توسيع دائرة الاختيار.. والهدف هو الحصول علي فرصة عمل بعد التخرج.. دعونا نقلها صريحة.. نحن لا نحتاج إلي 90% من التخصصات النظرية في جامعاتنا حالياً.. لسنا في حاجة ولعشر سنوات قادمة إلي خريجي كليات الإعلام والحقوق والآداب والتجارة.. عدد خريجي هذه الكليات في مصر يفوق عددهم في دول الاتحاد الأوربي مجتمعة.. ويفوق عددهم في الولايات المتحدة في خلال العقد الماضي بأكمله.. نحن لدينا وفرة وفائض في التخصصات النظرية، ولدينا عجز كمي وكيفي في التخصصات العملية والعلمية.. ونحن لدينا أكبر نسبة إهدار للموارد البشرية في العالم كله.. الطالب الذي يتخرج من الجامعة وعمره اثنان وعشرون عاما ولا يجد فرصة عمل تناسب تخصصه هو إهدار لعشرات الآلاف من الجنيهات، وإهدار لسنوات عمره التي مضت.. نريد أن نكون عمليين.. وأن نبطل »‬ فقر وعنطزة» ونقلل قليلاً من مظاهر الفشخرة التي لا لزوم لها.. لابد أن يتسلح أي شاب في مصر بمهنة تجعله قادرا علي فتح بيت وعلي بداية حياة كريمة له ولأسرته.. وما دمنا مصرين علي التعليم الجامعي النظري، فلابد أن يكون هذا التعليم مرتبطاً بجزء مهني عملي.. وهذا أكرم للطالب وأنفع له ولمجتمعه..هل آن أوان إعادة النظر في مكتب التلفيق قصدي مكتب التنسيق.