وأتصور أن تحمل العاصمة اسماً تاريخياً مثل »‬طيبة» أو »‬تانيس» وأن تتجلي فيها العمارة الفرعونية والقبطية والإسلامية في أبهي صورها..  يسلِم بقيمة وقامة مصر وتفردها كأقدم دولة »‬موحَدَة ومُوحِدة» في التاريخ.. فهي قلب العالم وملتقي القارات القديمة وحاضنة الديانات السماوية الثلاث ومبتدأ الحضارة وفجر الضمير للبشرية جمعاء، وهي المكان الأقدس علي وجه البسيطة الذي تجلي فيه الله جل جلاله لنبيه موسي وكلمه..وكان ذلك في طور سيناء..تلك هي حقائق الجغرافيا والتاريخ بلا زيادة أو مبالغة أو أدني شبهة »‬شوفينية»..يقول عنها المفكر الكبير الراحل جمال حمدان »‬ فرعونية هي بالجَد..ولكنها عربية بالأب ثم إنها بجسمها النهري قوة بر ولكنها بسواحلها قوة بحر، وتضع بذلك قدماً في الارض وقدماً في الماء»..وهي بجسمها النحيل تبدو مخلوقاً أقل من قوي، ولكنها برسالتها التاريخية الطموح تحمل رأساً أكثر من ضخم»..وبناءً عليه، لا يصح ولا يستقيم أن نحكم علي مصر ومكانتها الفريدة في الزمان والمكان بناء علي لحظة ضعف آنية أصابتها نتيجة طول ابتلائها بفيروس الإستبداد والفساد..مصر تمرض، وربما تطول معاناتها، ولكنها لا تموت أبداً..واسألوا التاريخ والحضارة والعمارة والآثار.. وعندما يقرر بلد بهذا القدر والعبقرية بناء عاصمة جديدة في القرن الواحد والعشرين، فإن الخلق سيقفون علي أطراف أصابعهم ناظرين كيف سنبني قواعد للمجد من جديد..وحتي لو كانت مجرد عاصمة إدارية فلا بد من أن تستلهم التاريخ والعمارة والفنون المصرية منذ الفراعنة وحتي اللحظة..ومن العيب والعار أن نسمح بوضع اسم ورسم عاصمتنا الجديدة خارج حدود الوطن ليأتي مَن يضعون أمامنا مجسماً ملوناً مبهراً يسر الناظرين ولكنه بلا روح أو عمق حضاري فنموذج هونج كونج ومانهاتن ودبي لا يليق بنا لأنها مدن بلا تاريخ!!.. الرئيس السيسي تحدث في برنامجه الإنتخابي »‬الشفوي» عن تعديل حدود المحافظات، وعن ممر التنمية بالصحراء الغربية، وعن عاصمة جديدة..وتلك أحلام كبيرة وعظيمة طالما داعبت خيال المصريين للخروج من الوادي الضيق وتعمير الصحراء ولكنها تتطلب رؤية ثاقبة وحوارا مجتمعيا ً عميقاً والتفافاً جماهيرياً..وكان لي شرف المساهمة في بلورة هذه الأحلام منذ سنوات طويلة..وسأكون سعيداً عندما تتحول إلي واقع علي الأرض..ولكن كيف؟!!.. شرحتُ في مقالي السابق خطأ بل خطيئة بناء العاصمة الجديدة في الشرق..والأفضل قطعاً أن تكون في الغرب علي مسافة لا تقل عن 300 كيلومتر عن القاهرة، طبقاً لرؤية خبراء التخطيط العمراني، علي أن تكون في قلب مشروع ممر التنمية العملاق الذي يشمل إقامة محاور عمرانية رأسية تمتد في الصحراء الغربية وتتعامد علي الوادي القديم..وأتصور أن تحمل المدينة الجديدة اسماً تاريخياً مثل »‬طيبة» أو »‬تانيس» وأن تتجلي فيها العمارة الفرعونية والقبطية والإسلامية في أبهي صورها فيكون الميدان الرئيسي فيها مثلا باسم اللوتس وتتوسطه زهرة لوتس عملاقة بحجم برج القاهرة الذي شيد علي شكل هذه الزهرة المصرية الفريدة في شكلها ومضمونها..وأتصور أيضاً أن يقوم بها مطار جديد يكون الأكبر في العالم ويمكن أن تنفذه شركات من الإمارات أو الصين بنظام »‬بي أو تي »‬ علي غرار مطار بكين العملاق..وسبق أن كتبتُ عن خط سكة حديد دولي عملاق يبدأ من العلمين شمالاً وينتهي في جنوب أفريقيا مرورا بعاصمتنا الجديدة ثم الخرطوم ويمكن تنفيذه بواسطة شركات عالمية.. ويبقي التمويل عقبة رئيسية ولكن إرادة المصريين عندما تلتف حول مشروع قومي بهذا الحجم تحقق المعجزات..فقط علينا معرفة قيمة وقامة مصر واستلهام إبداعها الحضاري الفريد.