منذ السبعينيات تضعني الظروف لأسمع خطبا كثيرة من المشايخ في المساجد أو الزوايا الصغيرة. وأن أستمع إلي كثير من الدعاة في التليفزيون أو الراديو. طبعا لن أستطيع أن أجمل ماقالوه وأحكم عليه فهناك خلافات كثيرة بينهم تتراوح ما بين العلم والجهل ومابين حسن الخطاب وقبيحه. فالذين يخطبون في الزوايا مثلا لم يكن عليهم حسيب ولارقيب من وزارة الأوقاف طوال سنوات كثيرة وكذلك الذين يخطبون في المساجد. علي الشاشات وفي الإذاعة استمعت للكثيرين. لقد اتفق الجميع رغم أي خلافات في الطريقة أو الصوت أو المعرفة علي أن الحياة الدنيا يجب أن نعيشها في رعب من جهنم وبئس المصير. الدنيا ليس لها نصيب عندهم. وحتي لو لها نصيب فهو مكبل بالرعب من الخطأ الذي يصل عندهم إلي حد الخطيئة. لم أسمع واحدا يتحدث عن التوبة في الإسلام التي تعطي المؤمن العاصي فرصة العودة إلي الطريق المستقيم. والتوبة هي من أعظم قيم الإسلام لأنها تشير إلي ضعف الإنسان وخطأه وخطاياه ، وأن هذه الأخطاء والخطايا ليست نهاية العالم. لم يتحدث واحد عن أن الله في غني حتي عن عبادة العبد له ، لكنه لايغفر الخطأ في حق الآخرين الابعد القصاص وإرجاع حقوقهم. لم يتحدثوا عن رحمة الله عشر ما تحدثوا عن الشيطان القابع في الهواء والبيوت والحمامات والمطابخ والمصاعد والمراكب وحتي الأحذية داعين بقصد أو بدونه إلي ارتداء الشباشب. ورغم أن المساجد تمتلئ بالناس يوم الجمعة وفي الأعياد بأعداد هائلة وكذلك الشوارع إلا أن هؤلاء جميعا يخرجون ويتابعون حياتهم في البيع والشراء والعمل. وأي عاقل يعرف كيف أن حياتنا مملوءة بالغش والخداع والرشوة وغير ذلك من آثام. وأي عاقل يمكن أن يسأل نفسه لماذا هذا الاقبال علي المساجد والزوايا والصلاة في الشوارع بينما الجرائم تزداد؟ لو سأل عاقل نفسه سيصل إلي نتيجة سهلة جدا وهي أن الكثير من هؤلاء أراحوا أنفسهم مما يسمعون بعد سماعه. أو أنهم اعتبروا الصلاة والحج والصيام والزكاة نوعا من غسل الذنوب يتيح لهم العودة إليها. رغم أنها ذنوب في حق الناس لايكفيها أبدا الالتزام بحق الله. أو أنهم أراحوا شيوخهم وجيرانهم بالمظهرالورع ويعودون لحياتهم بما فيها من خطأ وخطايا في حق الآخرين. أو أنهم باختصار أكثر ضجوا من الرعب الزائد فعادوا إلي الخطأ خلاصا من الأمر. الدين الاسلامي سهل جدا. والإنسان يمكن أن يدخل الجنة في هرة أطعمها. لا تقل لي صعب جدا لأنه يمكن أن يدخل النار في هرة حبسها فلا هو أطعمها ولا هو تركها تأكل من فيئ الأرض ، لأني ساقول لك إن هذا حرام لأنه خطأ في حق روح من خلق الله.وقبل الإسلام كان حراما. بل قبل الاديان السماوية كان حراما. قبل الأديان السماوية عرف الإنسان أن الاعتداء علي الآخرين حرام والأديان جاءت تذكره بما قد ينسي. أعود فأقول أن مسالة التوبة أساسية في الاسلام لكن لا أحد يهتم بها ومن ثم طريق الرعب فقط هو المفتوح وهذا الرعب كما قلت قد ينتهي إلي عكسه وقد ينتهي إلي تطرف وإرهاب. ولأن أحدا لم يذكر التوبة كثيرا صار الكثيرون في نظر من تطرف كفارا يجب قتلهم والتخلص منهم. لن أحدثك عن تاريخ هذا الهجوم علي الإنسان ليخرج من حسابات الدنيا إلي الآخرة منذ السبعينيات بشكل واسع ، وكيف فتح باب الفكر الوهابي والسلفي المتشدد فهذا حديث معروف وقديم. لكن ألا يمكن أن نرفع من شأن التوبة ومعناها في الإسلام الذي يشير إلي بساطته ورحابته فنبتعد بها عن النفعية السقيمة التي جعلتها بابا للخطأ والخطيئة بعد كل صلاة..