أغلق الاستاذ الخط في نفس اللحظة التي كنت أفتح باب الشقة فألقيت بنفسي علي أقرب كنبة والعرق يتصبب من كل أجزاء جسدي مبروك يا هشام، هكذا جاءني صوته عبر الموبايل، لم يظهر لي رقم الموبايل الذي يحدثني من خلاله ولا اسمه بل ظهرت لي عبارة (برايفت نمبر) أو باللغة العربية (رقم خاص)، هذا النوع من المكالمات أتعامل معه بتحفظ شديد خاصة في بداية المكالمة التي تؤكد مقدمتها أنها من شخص ذي حيثية كبيرة في البلد، كنت قد تركت مكتبي منذ قليل متجها للبيت وألقيت بنفسي في الميكروباص بعد يوم طويل وشاق فارتبكت قليلا وتلجلجت في الرد قائلا:الله يبارك في سعادتك، فضحك ضحكة جميلة وقال: شكلك كده مش عارفني فقلت: لا أبدا بس أصل فقاطعني وهو يكمل ضحكته:أصل إيه وبس إيه هو انت لحقت تنسي صوتي بسرعة كده؟ فقلت وقد بدأ الفار يلعب في عبي: لا مش كده بس إللي أنا متأكد منه إن صاحب الصوت ده مش موجود في عالمنا دلوقتي فقهقه قائلا: شكلك مش عاطفي وانت بتحاول تزوق الكلام يا صعيدي، قصدك تقول يعني اني مت وانتقلت إلي رحمة الله! فقاطعته: يافندم أنا مش قادر أصدق وداني، أنا عارف طبعا أن حضرتك ممتش وحتفضل عايش في قلوب عشاقك لكن مش قادر أصدق ان حضرتك وانت في مكانك دلوقتي تقدر تتصل بيا كده فقال: صدق ودانك كويس أنا فعلا أحمد رجب ولما سمعت انك فزت بجائزة الكتابة الساخرة قلت أباركلك،فقلت بسرعة: ربنا مايحرمنا من تشجيعك أبداً،صدقني عمري مافرحت بمبلغ الجايزة قد فرحتي بمكالمة حضرتك لما بتتصل تهنيني، فقهقه قائلا: عارف انه مبلغ بسيط لو وقفت في اشارة روكسي ساعتين تبيع مناديل هتجيب أكتر منه فقلت:يافندم صدقني الخمستلاف جنيه دول أغلي عندي من جايزة نوبل فتوقف عن الضحك فجأة وسألني:قولي صحيح: هي دي المرة الكام إللي تفوز فيها بجايزتي؟ فقلت: الحمدلله يافندم دي التالتة، فقال: يعني بلغة الكورة بقيت هاتريك يا اتش،ياتري حتعمل إيه المرة دي بالفلوس؟ فقلت: حاعمل زي ماكنت بتنصحني دايما إني أتصرف زي أي مواطن صالح يتمتع بكامل قواه العقلية لو اتلايم علي أي فلوس،يسلمها للمدام والعيال علي طول ففوجئت به يقول: ماتجرب كده وقول لمراتك إنك هتشبرق نفسك بالخمستلاف جنيه المرة دي فقلت متلعثما:غريبة، سيادتك لما كنت معانا علي قيد الحياة كنت دايما تقولي طاطي للريح، مالك إيه إللي غيرلك رأيك ولا تكونش عشان دلوقتي بقيت في الأمان؟ فعاد ليطلق ضحكة مجلجلة وهو يقول:لو عملتها ليك عندي جايزة رابعة، أقولك سلام دلوقتي ومتنساش تسملي علي كل مصري نفر نفر! أغلق الاستاذ الخط في نفس اللحظة التي كنت أفتح باب الشقة فألقيت بنفسي علي أقرب كنبة والعرق يتصبب من كل أجزاء جسدي وأخذت أضرب كفاً بكف فسألتني زوجتي:مالك ياحبيبي، ومين ده إللي كنت بتكلمه كل الوقت ده، بقالي ساعة بطلبك علشان أفكّرك بالجبنة وعيش الساندويتشات بتاع العيال، مين بقي إللي سيادتك كنت مشغول معاه ولا معاها كل الوقت ده وقالك ولا قالتلك إيه خلاك بتكلم نفسك كده؟ فقلت وأنا في ذهول: ده الاستاذ احمد رجب كان بيهنيني بالجايزة، فاقتربت مني ووضعت كفها فوق جبيني وهي تقول: احمد رجب؟ آآآه تكونش دي خطتك الجديدة عشان تهرب ومتدينيش فلوس الجايزة؟ فشخطت فيها قائلا: انسي ياماما أنا حشبرق نفسي بالخمستلاف جنيه المرة دي فإذا بها تعاجلني بخطافية أفقدتني التوازن وهجمت علي جيبي تنتزع الفلوس وهي تقول: إبقي سلملي علي أحمد رجب لما يطلبك تاني، وغادرت الصالة وهي تعد الفلوس بينما صوت أمير الساخرين يطاردني وهو يقهقه: هو أي حد يقولك أي حاجة تعملها كده علي طول؟أما صعيدي بصحيح!