قرانا ونقرأ.. وربما بشماتة بين طيات السطور.. عن مساءلة لعدد من مسئولي ماسبيرو.. واحالة عددآخر إلي النيابة الإدارية للمحاكمة.. والسبب هو واقعة غير مسبوقة عن انقطاع التيار الكهربي من التليفزيون لاول مرة في تاريخه، طبعا هي مصيبة تثير الخوف والقلق.. لكن السكوت علي ما تعنيه مصيبة اكبر، وما تعنيه حسب اجراءات الحكومة هو نوع من التعمية لا يقبله عقل او ضمير عند امعان النظر. هذا ما اود الكلام عنه، مرجئا استكمال ما بدأناه عن ملتقي المسرح العربي في دورته الاولي ومفاجأته للمنتظرين فشله بنجاح غير متوقع، ولا يستقيم المعني في اي حكاية الا بخواتيمها حتي لو كانت مبكية. اما حكاية ما حدث لماسبيرو فسؤالي لنفسي ولكم وللمسئولين في الحكومة هو كيف نحاكم من سمحنا بوجودهم اصلا لزمن طويل.. وفي نفس الوقت مع انكار مطلق لوجودهم تاركين اياهم علي حالهم في العراء، بلا زاد او غطاء، بلا خبرة ولا كفاءة ونحن المسئولون امام الله والناس عنهم وعن دعمهم؟ كيف تترك نافذة الجهاز الاعلامي للدولة المصرية محطمة متهالكة منسية منبوذة.. مثقلة بالديون والبطالة للآلاف وبإفلاس علي كل المستويات؟ كيف لدولة مرت بثورتين في سنوات قليلة، وتواجه فترة من احرج الفترات في تاريخها الحديث ازاء تحديات ثقيلة، بعضها غير مسبوق في ظل فوضي دموية هائلة في المنطقة وبتخطيط من قوي كبري؟ كيف يترك اعلامها غائبا في سبات عميق.. بدلا من ان يكون خط دفاع مهم في مواجهة ما نحن فيه؟! كيف لإعلامنا ان يترك علي هذا الحال من قبل حكومة تتجاهل ما هو فيه دون اي بادرة حقيقية لانتشاله من الغرق فيما عدا تصريحات تتردد منذ شهور عن هيئة وطنية ما لها من سبيل إلي الوجود حتي الان، وكذلك الشأن مع ما يتردد عن اعادة هيكلة لا ندري ما هي او متي تكون.. ودون مشاركة من اطراف تملك خبرة وبصيرة لكنها مهمشة.. ربما عن عمد!؟ هل يعرف المسئولون في الحكومة ماذا حل بالساحة الاعلامية في مصر وفي المنطقة العربية عندما غاب التليفزيون المصري وقدراته الضاربة التي كانت قبل تواري اثرها؟! انقلبت خريطة الاعلام بشكل كامل في غير صالحنا.. اعلاميا وسياسيا! كانت البدايات عندما ظن البعض منا ان هذا الكيان الذي استقرت قوائمه في السوقين الداخلي والعربي وفي سيطرة كاملة علي كل منافذ الانتاج لا خوف عليه.. غير مدركين ان بعض العلل لها اثر مهلك فيما بعد وايضا حين بدأ تراجع الاعمال رفيعة المستوي انتاجا وفنا وتنوعا والتي كان التليفزيون المصري هو القادر علي تقديمها حتي في ظل عقود سبقت ثورة 25 يناير، ولم ندرك ان هذا التراجع بداية النهاية وزوال التواجد المصري الذي كان رمانة الميزان والتي تضمن مستوي مقبولا يلزم كل الاطراف، ومع البدايات كان زوال معيار «الجودة» ليحل مكانه معيار «الكسب والتجارة».. وليجتاح هذا المعيار بعدها الابداع المصري كله نتيجة انقلاب المعايير بشكل كبير في الفن والواقع معا، وقبل قيام ثورة 25 يناير بسنوات.. كحصاد مُرّ للخراب في عصر مبارك ولم يصمد التليفزيون المصري في حلبة الانتاج بمعيار التجارة، بل حقق فشلا تراكم حتي انتهي بموت اكلينكي يقابله صعود ساحق لأباطرة التجارة في الاعلام الخاص والشركات التي خرجت من معطفه وتوجهاته. كان الاخطر في كل ما حدث والذي لا ادري كيف لم تنتبه اليه الحكومة! هو ما تشنه الكثير من هذه القنوات من تشويش وتشكيك في الثورة وصانعيها وفتح الباب واسعا لرموز من عصر مبارك للمشاركة في ذلك.. والحكومة كأنها لا تسمع ولا تري، مع استمرار مع التجاهل لحال التليفزيون المصري الذي لاصد ولا رد.. اذ صار كتلة من العجز يسخر منها الرائح والغادي وبالذات من استفادوا من غيابه وموته السريريّ.. وكان في الطريق وباء اخر في وجه الجميع.. اعني هجمة الاعمال المدبلجة رخيصة الثمن والقيمة فيما عدا ابهار شكلي .. جاء اكثرها من تركيا إلي جانب دول من امريكا اللاتينية واوروبا الشرقية واليابان واخيرا الهند.. اغراق لافت للشاشات العربية والخاصة في مصر. وبخلاف اضرارها علي صناعة الفيديو في المنطقة.. كانت تحمل ضربة موجعة للابداع المصري اذ تقدم باللهجة الشامية مع احترامي لاهلها.. لتزيح اللهجة المصرية من مكانها الذي استقرت فيه طويلا داخل الوجدان العربي، وبها توطد وجود الابداع المصري في المنطقة. هل هذا بالصدفة؟! يطول الحديث في بؤس هذا الحالة.. ويبقي السؤال: من المسئول عما حل بماسبيرو؟ المسئولون في الحكومة ام ماسبيرو واهله.. والذين هم بعض ضحايا تلك الحكومة في تعثرها ؟! تعثرها الذي تعالت اصوات تنبه اليه ومعهم تبرير متكرر مرير لرجل يقف محاربا وحده تقريبا، اظننا لا نحتاج جوابا. بل قرارا. هامش: سعدت بفوز المخرج المتفرد سعيد مرزوق بجائزة الدولة.. غير اني وددت لو لحقت به قبل رحيله.