رُبَّ ضارةٍ نافعةٍ، هذا ما فُهتُ به لنفسي بعد انتهاءِ مُحادثتي التليفونيةِ مع صديقي الشاعرِ المنتدب للإشرافِ علي الامتحاناتِ بفرعِ جامعةِ القاهرةِ بسيناء، إذ وجدتُ لديه زفراتٍ ملأي بالغيظِ والحنقِ من ذلك النوعِ الذي يأخذُ بالخناقِ ويسدُّ مسالك النفسِ، وتُصبحُ معه الدنيا غبراء مُسودَّة؛ قال: قبلتُ هذا الانتدابَ علي مضضٍ فإذا هو خيرٌ كبيرٌ ردَّ إليَّ نفسي وانتشلني من غياباتِ وهمٍ عركني طوال سنواتِ الثورةِ، إن الوضع في سيناء مأساوي، ضرباتُ الإرهابيين الإخوان لا تنتهي ضد رجالِ القواتِ المسلحةِ والشرطةِ، لا يكاد يمرُّ يوم دون سقوط شهيد، ومع هذا لا يزدادُ زملاؤه إلا إصرارًا علي إكمال الحرب بلا رهبة ولا وجل، ويرفضون نزول الإجازات، إنها ملحمة بطولية بكل معني الكلمة، ملحمة تحتاجُ إلي من يكتب عنها بصدقٍ وواقعيةٍ لعل المغفلين أتباع الإخوان يصدفون عن آرائهم الخربة وقلوبهم الميتة تُجاه وطنٍ نشأوا علي أرضِه وتنسموا هواءه ولم يُقدم لهم إلا الخيرَ، ولكنهم لا يُفكرون إلا في أنفسِهم ولا يعترفون بغيرِ قادتِهم؛ ولديهم تمويلٌ كبيرٌ وأعتي الأسلحة، وصحيح أن الجيش والشرطة يقفُ لهؤلاء الطغام بالمرصاد، ولكن علينا، نحن الشعب، دورٌ مهم في الدعم والمساندة، وعليكم معشر الإعلاميين دورٌ أكبر في التوضيح والإفهام، بأسلوبٍ جديدٍ وطرقٍ مختلفةٍ يُصدقها الناسُ بدلا من اتباعِ طرقِ نظام مبارك نفسها التي لم يعد يقتنع بها أحد، وأنت تري الهجمةَ الإعلاميةَ الشرسة التي تقوم بها قناة الجزيرة وتنفق فيها ملايين الدولاراتِ خدمةً لكبيرهم الذي علمهم الكذبَ والنفاق ووعدهم بدورٍ أكبر في خريطةِ المنطقِة، ولو كان دور الكلب النابح! وتابع صديقي الشاعر بعد نهنهاتٍ حارقةٍ لأنها صادقة: يا صديقي إن هذه الأرض المباركة مُستهدفة من هؤلاء بصورةٍ كبيرةٍ، تناهت في قذارتها وحقارتها، فقواتنا المسلحة في النهايةِ تُحاربُ مجموعاتٍ انتحاريةً تتدثرُ في الأهالي ويتم تمويلها بأحدث الأسلحة عبر الأنفاق، إنها حربُ وجود علي سيناء، علي أرضنا المقدسةِ، علي الجيشِ الوحيد الباقي في المنطقةِ، علي حضارتنا العتيدةِ، ومستقبلنا المأمول. المدهشُ أن صديقي الشاعر، ورغم أنه لا يصدرُ في رأيه إلا عن رؤيةٍ وتفكيرٍ في المعطيات المتاحة لديه، كان من الساخطين علي أداء المجلس العسكري بعد ثورة يناير، مُحملا إياه كل مأساة حدثت بعد ثورة يناير، وصحيح أنه ليس إخوانيًّا، غير أنه ارتأي، بحسن طويةٍ، أنهم الفصيل المظلوم مع الفصائل الأخري بعد ثورة 30 يونيو، متأثرًا بدغدغات الإخوان المتمسكنة، وإجادتهم ألعاب الحواة والمشعوذين، حتي إذا قيَّض الله له هذه الرحلة إلي سيناء تاب عن ظنه السيئ في قواتنا المسلحة، ورأي الجماعة الإرهابية عارية بادية سوءتها، مُلتحفةً بالعار، فعاد إلي قواعد الوطنية الحقة.. وليس صديقي الشاعر بالحالة الفردية في هذا فهناك كثيرون غيره لا يزالون يُحسنون الظن في جماعةٍ كافرةٍ بالوطنِ قاتلةٍ لأبنائهِ، مُغيبين عن حالة الحرب التي تخوضها قواتُنا المسلحة تُجاه هؤلاء المجرمين ويحتاجون إلي التوبةِ الصادقةِ لعل الله يغفر لهم غفلتهم عن الحق واتباعهم غير سبيل المؤمنين.