عاده ما يتذكر صديقي صدي كلمات الاديب الراحل ابراهيم عبدالقادر المازني كلما هم الي البوفيه المفتوح الذي يصاحب حفل زفاف في فندق كبير دًعي اليه او حتي فترة الاستراحة بعد افتتاحية مؤتمر استعدادا لبدء أولي جلسات المناقشة والتعقيبات.
كلمات المازني تقول:
«ليس للخجل في الحياة سوي معني واحد او نتيجة وهي أن الناس يدخلون وأنت واقف بالباب ويتقدمونك وأنت متردد ويملأون بطونهم وأنت جائع».
كثيرا ما خرج صاحبي وبطنه خالي الوفاض من البوفيه المفتوح الذي كًتب عليه فيه أن ينتظر دوره الذي لم يأت قط، وأمام اعينه يري من يمسك بطبقين وربما ثلاثة ينهل من كل ما لذ وطاب وحجته انه يأتي بها لأناس كبار في السن او المقام وهو ما لا يسمح لهم بمزاحمة الغوغاء المتكالبين علي البوفية المفتوح.
وإن صادف صديقي نوعا من البوفيهات المفتوحة التي وفر خلالها صاحب الدعوة كميات تفيض عن العدد فسرعان ما يشعر بالشبع من طبق واحد رمي فيه عينات مما تألفه نفسه وتتحمله معدته ويحمد الله ويثني علي صاحب الدعوة الذي مكنه من ان ينال مبتغاه دون اسقاط لهيبته او اضطراره ان يبقي وحيدا علي كرسيه بعيدا عن وجع الدماغ والاصطدام الذي قد يضطره الي خلع جاكتته بعد ان ينالها نصيب من البقع الدهنية بسبب شاب اهوج يحمل عدة اطباق ويتنقل بين الطابور دون رابط او ضابط.
واذا كان هذا هو حال صاحبنا ـ وكثيرين مثله ـ في الحفلات او المؤتمرات التي يدعي اليها فتعال لتتعرف علي حاله في القري السياحية التي اعلنت عن ترحيبها بسياح الداخل خلال السنوات الأخيرة التي شهدت انحسارا ملموسا في الحركة السياحية الوافدة من الخارج.
داخل البوفية المفتوح في تلك المنشأة السياحية تذكر الصديق رحلاته في السنوات السابقة علي يناير ٢٠١١ عندما كانت القري السياحية مليئة بالسياح من كل انحاء العالم وكيف كان الواحد منهم والواحدة ايضا يختار او تختار نوعيات الطعام المناسبة أولا لعمره او عمرها والسعرات الحرارية التي تحتويها ونوعا واحدا من الحلويات ويضع الطبق امامه وقد يتبقي منه شيء رغم الكميات القليلة التي اختارها.
اما أشقاؤه ولاد بلدنا فيخرج أحدهم الادوية الخاصة بمرض السكر والكلوسترول وربما وجع القلب، وشيء منها قبل الاكل وفي منتصفه وبعد الانتهاء منه ثم يملأ طبقا ليس فيه اي تجانس ينتهي منه كله ليقوم بملء طبق آخر وبعد ذلك نفس الشيء مع الحلو ايضا طبقان علي الاقل. صورة لا يملك معها الا الدهشة وهو يتساءل اي معدة ممكن ان تتحمل كل هذا، خاصة إن كان صاحبها يعاني من أمراض عدة، ولماذا لا نفعل مثل هؤلاء الاجانب اصحاب الرشاقة سيدات كانوا او رجالا ولماذا يحسبونها بكل دقة وهم يتناولون طعامهم ويتفننون في أن يكون متجانسا، يضعون القواعد لسلوكياتهم ويلتزمون بها بكل دقة سواء كانت في الطعام او الجلوس علي الشاطيء حيث لو جلس حتي المئات منهم لا تسمع الا همسا واذا سمعت صوتا عاليا فهو نحن ابناء البلد الذين نبدد هدوءهم ونعطي لهم انطباعا سيئا.
التزموا هم بقواعد عديدة ونسينا نحن القاعدة الذهبية التي وضعها لنا من ١٤٠٠ سنة رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم «ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه»..
واذا انتقلنا من البوفية المفتوح الي سياسة الباب المفتوح وهو ما يطبقه رب عمل بعد أن يتبوأ منصبه علي الأسلوب الذي ينتويه مع مرؤوسيه.
فإنه في عالمنا ـ الثالث ـ يفتح الرجل علي نفسه طاقة من طاقات العذاب ووجع الدماغ وحمل تنوء به الجمال.
يدخل من يدخل سواء لغرض شخصي او لحاجة العمل ليجد أمة لا إله إلا الله في المكتب فضلا عن الهاتف الذي لا ينقطع رنينه.
الثمن يدفعه دائما صاحب سياسة الباب المفتوح والسبب من لا يعرفون الخجل وطبعا هو شيء مختلف تماما عن الحياء، الاخير مطلوب وشعبة من شعب الايمان أما الخجل فهو كما عرفه المازني صاحبه خسران خسران.
ومهما حاول الرجل إغلاق الباب المفتوح أو حتي جعله مواربا ووضع نظام للدخول والخروج ولقاء الناس ضيوفا كانوا أو مرؤوسيه فإن ما اعتادوا عليه يبقي سائدا حيث لا تستمر سياسة مواربة الباب إلا بضعة أيام وربما ساعات.
الخلاصة في مصر المحروسة من البوفيه المفتوح الي الباب المفتوح يا قلب لا تحزن.