من الطبيعي بالنسبة لي - واتصور ان الامر كذلك للغالبية - ان اجد معاناة في البحث عن نقطة البداية، فهي دائما اصعب جزء في الكتابة، هي مقدمة القطار التي اذا انطلقت بسلاسة جذبت خلفها العربات إلي المحطات المنشودة، تتوالي بعدها الأفكار وتشد بعضها بعضا حتي تصل بي إلي منتهي الفكرة، ولكن ان يتوقف عقلي تماماً ويصاب بشبه شلل تام لساعات في رحلة بحثه عن البداية فهذا ما لم اعتد علي اختباره كثيرا.
كانت في بالي عشرات الأفكار التي رأيت ان جمع شتاتها كفيل بتقديم رؤية حسبتها واضحة، وخاصة بعد ان قضيت تلك الأفكار ليلة الاربعاء كاملة تجوب ذهني بحثا عما حسبته منتجا مكتمل الأركان، فالفكرة حاضرة والمحاور كثيرة، كما بدت عقدة البداية علي وشك الحل، ولكن فور ان تفتحت عيناي علي صباح تلك الليلة اتت الرياح بما لم تشته السفن ليست سفني فقط ولكن سفن مصر كلها وربما سفن العالم الحر، أخبار متواترة أخذت تتقافز علي شاشة هاتفي المحمول من التطبيقات الإخبارية المختلفة حول مابدا لي في البداية كهجوم من العمليات الإرهابية المتكررة في سيناء، ومع كثرة الاخبار حول الامر وتضارب المعلومات التي  بقيت لنحو الساعة مبهمة وغير واضحة المعالم حتي علي المواقع الدولية ووكالات الأنباء العالمية، اصبح واضحا لغير المبصر ان للامر شأنا اخر ولاسيما مع نشر قناة سكاي نيوز الامريكية لخبر استشهاد ٦٠ من ضباط وجنود الجيش المصري خلال هذه الهجمات القذرة، ورغم ان المتحدث العسكري سارع بإصدار بيان عقب ذلك مباشرة لإعلان ان الشهداء ١٠ فقط واستتبعهم بعبارة « حتي الان « وأن القتلي من كلاب بيت المقدس او داعش فرع سيناء وصلوا إلي ٢٢ كلبا، الا اني قلبي رفض الاطمئنان وعقلي لم يستوعب ان القناة الإخبارية التي أكدت كافة الاحداث الماضية انها الأكثر دقة ومصداقية في نقل أنباء العمليات في سيناء- بغض النظر عن مصادرها وهو امر يستدعي توضيحات جادة - من الممكن ان تنشر رقما بهذا الحجم دون يقين، حتي رغم انها عدلت الخبر بعد قليل لتضع الرقم الرسمي الذي أعلنه المتحدث العسكري، لتتوالي بعد ذلك الصواعق الإخبارية حول الكارثة التي عاشتها منطقتا رفح والشيخ زويد بالامس، والحرب الشاملة التي خاضها رجالنا البواسل من القوات المسلحة والشرطة في مواجهة هؤلاء القتلة.
اعلم ان اسهل شئ هو الجلوس في التكييفات علي المقاعد الوثيرة واحتكار الحكمة الإلهية والخبرة الفنية في فنون الدفاع والقتال ومواجهة الاٍرهاب وغيرها، ويعلم الله اني من اشد المحتقرين لمن يمارس هذا الدور تسفيها من حجم ما ينجزه جيشنا العظيم في سيناء وغيرها من مختلف المناطق الحدودية، ولكن ان تتم عملية بهذا الحجم علي نحو العشرين تجمعا للقوات مابين كمين وقسم ومعسكر وناد فهناك خلل يصعب انكاره ولاسيما انه تم في توقيت اعلنت فيه القوات جاهزيتها واستنفارها لمواجهة تهديدات هؤلاء القتلة وباقي اخوانهم من أنصار مرسي وجماعته الاخوانية في ذكري ثورة يونيو العظيمة.
هناك مرارة في حلوقنا جميعا، بالامس كارثة الشيخ زويد وقبلها الجريمة التي استشهد بها النائب العام والله اعلم بالغد اذا بقي حاضرنا بهذا الترهل، كل يوم يتم الإعلان عن انفاق تهدم وارهابيين يقتلون ومناطق تطهر، ومازال القاتل المعترف عادل حبارة لم يحاسب علي مذبحة رفح، مستمتعا وباقي عصابته بكافة سبل الحياة الكريمة في محبسه الذي ربما نفاجأ بتجديده حرصا علي نفسية النزيل بعد قرار النقض بإعادة المحاكمة، أتصور انه طالما القضاء يده مغلولة في القصاص لشهدائنا من مثل هذا القاتل فالاولي اخلاء سبيله حتي تتاح الفرصة لرجالنا للقصاص لزملائهم منه في سيناء.