هكذا عودتنا الحكومة.. لا تتحرك إلا بعد فوات الأوان.. فمنذ سنوات وهناك مطالب بالتحرك نحو ضمان عدالة ناجزة.. محاكم تمتاز بسرعة الفصل في القضايا.. باعتبار أن بطء التقاضي يخرج العقوبة من كونها رادعاً.. ويجعلها مجرد حبر علي ورق.
بعد اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات منذ أيام سارعت الحكومة نحو العدالة الناجزة.. وأخرجت من «الدرج» ملفات قديمة أعدت منذ سنوات لتعديل قانوني الاجراءات الجنائية والمرافعات.
الحكومة تهدف الي سرعة الفصل في القضايا، عن طريق تيسير الاجراءات القانونية.. واختزال الاجراءات التي تتبع في المحاكمات الجنائية والمدنية، وإزالة العقبات الموجودة ببعض نصوص تلك القوانين.. والتي يستند إليها البعض لتعطيل المحاكم، وتسويف الاحكام.
التعديلات تضمنت أموراً عديدة منها ان سماع شهود النفي سيكون اختياريا للقاضي وليس اجباريا.. والعودة لمحاكم أمن الدولة العليا.. حتي تكون احكامها باتة ونهائية، ويتم التصديق عليها من قبل رئيس الجمهورية.. وبذلك يتم تنفيذ أحكامها دون الحاجة للطعن عليها.. واستخدام حق الطعن في تعطيل تنفيذ الاحكام.. كما تضمنت التعديلات ان أحكام محكمة النقض في القضايا الجنائية ستكون من درجة واحدة.. اي انه بمجرد الطعن علي الاحكام الجنائية تتصدي محكمة النقض للطعن وتصدر حكما فيها دون إعادة المحاكمة أمام دائرة جنائية أخري.. بما يعني ان محكمة النقض سوف تعمل بمفهوم محكمة الاستئناف في أحكام الاعدام والمؤبد.. ونصت التعديلات علي إلغاء  المعارضة الاستئنافية.. وتقليل مدة الفصل في القضايا المنظورة أمام المحاكم عند حد أدني 3 أشهر وحد أقصي 6 أشهر للفصل فيها.
هذه التعديلات ضرورية وكان معظمها مطلبا لسرعة الفصل في القضايا، لكن في بعضها مساس وانتقاص من ضمانات العدالة.. فمثلا تحديد موعد من 3 إلي 6 أشهر للفصل في القضية شيء جيد.. ووضع حد لرد المحاكم، وهو أهم الاشياء التي يستخدمها المحامون للتعطيل شيء رائع.. لكن اختزال الطعن علي احكام الجنايات امام النقض لمرة واحدة، فقط فيه انتقاص كبير لضمانات التقاضي خاصة في أحكام الاعدام والمؤبد.. بعد ان كان من حق المتهم الطعن في الحكم مرتين.
كما ان منح صلاحية لرئيس المحكمة في سماع الشهود من عدمه ايضا فيه تعدي علي حق المتهم في سماع شهود النفي.. خاصة وان هذه التعديلات لن تقتصر علي قضايا الإرهاب فقط او الاحكام الصادرة في قضايا الارهاب فقط وانما سوف تمتد لتشمل جميع القضايا والاحكام.
وأنا أري ان العدالة الناجزة مطلب مهم وضروري، اذا كنا نبغي نشر العدل في هذا البلد.. لكن من الاهم ألا نتعدي علي حقوق الانسان، وألا نلجأ  الي اجراءات استثنائية ، واذا كان ولابد منها فانها تكون في اضيق الحدود.. انا مع تعديل القوانين بما يضمن سرعة الفصل في القضايا وغلق الثغرات التي ينفذ منها المحامون لاستطالة امد التقاضي. وما أكثرها.. وجميعها معلوم لدي الكافة.. ولكن ارفض النيل من اشياء وضعت كضمانة للمتهم أو الانتقاص منها بحجة أو بأخري.. خاصة مع عودة محاكم أمن الدولة العليا.. والتي يجوز ان يحيل لها رئيس الجمهورية القضايا التي يراها.. وغالبا ما تكون متعلقة بالارهاب.. وهذه المحاكم تصدر أحكامها ويصدق عليها من قبل الرئيس، لتخرج بذلك من الطعن امام النقض وإعادة المحاكمة وخلافه.
ان من سلطات رئيس الجمهورية ان يحيل الي هذه المحاكم القضايا الخاصة بالارهاب، وهذا ما أكدته المحكمة الادارية العليا في حكم شهير لها صدر في التسعينيات برئاسة المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة وقتها بتأييد قرار رئيس الجمهورية بإحالة قضية متهم فيها عدد من الإخوان الي محكمة أمن الدولة العليا.
علي الدولة ان تقف امام مسئوليتها في تحقيق العدالة الناجزة..  وتنظم المحاكم عملها.. وتنفذ الاحكام حتي تحقق الردع.. وذلك دون المساس بحرية المواطن وحق المتهم في الدفاع عن نفسه، او انتقاص أي ضمانات سمح بها القانون.. ودون اللجوء الي اجراءات استثنائية لانها بداية السقوط الحقيقي وعنوان الضعف