مشاكل مصر الاقتصادية هي مشاكل متراكمة علي مدار عدد كبير من السنوات، وجزء من هذه المشاكل يعود إلي أسباب اقتصادية، ولكن الجزء الاكبر يرجع إلي إدارة السياسات الاقتصادية ذاتها، وهذا يتطلب وضع الخطط والأهداف، وترتيب الأولويات، والقدرة علي اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالوصول إلي الأهداف، وامتلاك الأدوات القادرة علي قياس ما تحقق من انجازات.
ومن أجل الوصول إلي كل ما سبق ذكره، فلابد من الاهتمام بالعنصر البشري، وتأهيل العاملين، وتبني برنامج لتأهيل القيادات. والحقيقة إنه ليس لدينا رفاهية الوقت، وبالتالي فمن الأفضل تبني مفاهيم جديدة في الإدارة من خلال عدد من الإجراءات والاصلاحات داخل مؤسسات الدولة، ومؤسسات الحكومة بشكل اساسي من أجل تحسين مستوي الأداء العام في هذه المؤسسات للارتقاء بمستواها، وتحفيز العاملين بها.
فالانماط الحديثة تنظر دائما إلي رأس المال البشري كأحد أهم أصول هذه المؤسسات، ولقد بدأت العديد من المؤسسات في عدد من دول العالم ليس فقط بالاهتمام بالعنصر البشري، بل اعطاء أهمية كبري لما يطلق عليه «إدارة المواهب»في هذه المؤسسات، باعتبار أن هذه المواهب هي اصول في هذه المؤسسة، وان ذا القيمة العالية لا يمكن استبداله بأي حال من الأحوال بأي نوع اخر من الاصول.
ولكن ماذا يعني مفهوم «إدارة المواهب»؟
بناء علي تعريف مجموعة من الأدبيات التي ظهرت في التسعينيات، تعرف المواهب علي إنهم مجموعة من الأشخاص التي لديهم القدرة علي احداث تغيير في الأداء المؤسسي، اما من خلال اسهاماتهم المباشرة، أو من خلال اختيار العناصر التي لديها الرؤية والقدرة علي التنفيذ، وبالتالي فإن إدارة المواهب تعني اجتذاب، وتنمية، والحفاظ، واستخدام هؤلاء الافراد من اجل الحصول علي قيمة مضافة للمؤسسات. ويري البعض الاخر أن إدارة المواهب ما هي الا تطبيق لإدارة الموارد البشرية، ولكن مع التركيز علي الكفاءات.
وقد برز مفهوم إدارة المواهب، واصبح في دائرة الاهتمام لدي العديد من المؤسسات الدولية ومتعددة الاطراف، عندما قامت مؤسسة «ماكنزي» في منتصف التسعينيات بنشر بحث بعنوان «حرب المواهب» والذي يشير إلي الصراع العالمي علي اجتذاب المواهب، والتحديات التي تواجه المؤسسات المختلفة للحفاظ علي الكفاءات البشرية، وبصفة خاصة في الدول المتقدمة، والتي تعاني من ارتفاع نسب كبار السن، وانخفاض نسب الشباب.
وفي الحقيقة، فإن لدينا في مصر هبة كبيرة، وهي ارتفاع نسبة الشباب بالنسبة لعدد السكان، وهي نسبة يحسدنا عليها العديد من الدول المتقدمة. فلابد من أن نستثمر ما لدينا من طاقات وامكانيات بشرية، والتركيز علي إدارة الكفاءات بتنميتها، والحفاظ عليها حتي لا نتفاجأ بأن ليس لدينا كوادر بشرية مؤهلة تدير المؤسسات والقطاعات المختلفة. فإدارة المواهب تمكن الدولة والمؤسسات من تكوين مخزون استراتيجي داخلي من المواهب المؤهلة لشغل المناصب الحيوية والمناصب القيادية المختلفة.