تبدو الحرب الشرسة التي تخوضها الدولة المصرية الآن من خلال الجيش والشرطة في سيناء بعيدة معزولة وكأنها تجري في قارة أخري وكأن جيشاً غير جيشنا يخوضها، لا نفيق إلا علي استشهاد بعض من ضباطنا وجنودنا البواسل، لا يشغلنا الأمر إلا مقدار إذاعة الخبر، وربما تصدر مصمصة شفاه حسرة علي الشباب. ويعود الحال إلي ما كان عليه، أقارن بين أربع حروب عاشها جيلي بوعي كامل، العدوان الثلاثي ١٩٥٦، حرب اليمن، حربي الاستنزاف وأكتوبر، كان هناك خلال الحروب توحد كامل بين الجيش وشعبه، أذكر أن الأنفاس توقفت يوم معركة جزيرة شدوان، وكان أفراد الشعب يتجمعون في الطرقات انتظاراً للبيانات العسكرية التي كانت في هذه المعركة بالذات نقطة تحول في اتباع المصارحة وإعلان الخسائر الحقيقية، لماذا تبدو سيناء بعيدة، قصية؟، لماذا تبدو الحرب ضد الإرهاب كأنها تدور في بلد آخر رغم خطورتها وإمكانية امتداد نيرانها إلي الداخل قائمة، بل محتملة جداً؟، في رأيي أن ثمة آثاراً باقية من سياسة الانجليز التي كانت تحرص علي فصل سيناء نفسياً وإدارياً عن الوطن الأم، حتي ١٩٥٢ كانت سيناء كلها تعتبر منطقة عسكرية، دخولها يحتاج إلي تصريح من المخابرات الحربية، وبعد الثورة الوطنية والاستقلال لم يتغير الوضع كثيراً، ظل الجمرك في القنطرة شرق، ونذكر أن المسافرين إلي غزة كان تفتيشهم يتم في القنطرة شرق القناة، بعد استعادة سيناء كاملة لم تنفذ خطة تنمية شاملة، تم التعامل مع سيناء كأنها منتجع لقضاء الاجازات، مجرد منشآت سياحية في شرم الشيخ وكأنها في جزر المالديف، لم تجر عملية تنمية شاملة ترفع مستوي السكان من أبناء القبائل، اقتصر التعمير علي المنشآت السياحية التي تولاها حسين سالم ومن شابهه، بينما كانت التنظيمات المتطرفة تعمل بين أبناء بعض القبائل منطلقة من غزة (الملاحظ زيادة النشاط الإرهابي بعد توقف حرب غزة الأخيرة)، في نفس الوقت انهار النظام الإعلامي المصري بعد يناير ٢٠١١، ولم يعد هناك منظومة متكاملة تعمل لأهداف الدولة، إنما أصبح الإعلام الخاص يعمل وفقاً لمصالح أصحابه وهو الأكثر تأثيراً الآن، وبعض المحطات المؤثرة مهمتها الرئيسية تشويه الجيش والدولة، الإعلام الرسمي في أسوأ حالاته ولا تأثير له، وضع إعلامي معاد للدولة في وقت تخوض فيه الدولة حرباً مصيرية، وضع فريد في العالم، في أعتي الدول ديمقراطية ومنها بريطانيا وأمريكا لا تغيب المصالح العليا للدول حتي عن المحطات الخاصة، لذلك تجسد هذا الشعور القوي بأن الحرب الشرسة ضد الإرهاب يخوضها الجيش والشرطة ضد تنظيمات إرهابية فوق أرض بعيدة لا تمت إلينا بصلة. ما العمل إذن؟