هناك أناس عندما تتذكرهم لا يمكن الا ان تبكيهم دما لانهم من العلماء الذين يقبض العلم بقبضهم ، من هؤلاء بلا ادني شك المرحوم الشيخ اسماعيل صادق العدوي شيخ الجامع الازهر فرغم انه كان قامة وقيمة فقهية وعلمية وصوفية اعتذر لي يوما عن عدم استطاعته اجراء مقابلة صحفية لانه يخصص يومي الخميس والجمعة من كل اسبوع لتحضير خطبة الجمعة فقط ، وتشفعت عنده بوالدي ، رحمه الله ، حيث جمعتهما مهام دعوية مشتركة ، فوافق علي منحي نصف الساعة بمنزله بمدينة نصر بعدما علم ان الحوار مطلوب للنشر عاجلا بالجريدة يوم الجمعة.
اخذني الفضول بعد انتهاء المهمة الصحفية لان اعرف اهم ما في الخطبة التي يخصص لها الشيخ العدوي يومين من وقته لكنه اعتذر بلطف وقال مبتسما : يمكنك ان تحضرها غدا بالجامع الازهر ، شددت الرحال في اليوم التالي لاداء صلاة الجمعة هناك وللحق اقول ان الخطبة رغم انها لم تتجاوز ثلث الساعة الا انها تغنيك عن قراءة عشرات الكتب في الفقه والتصوف والفكر الاسلامي ، فضلا عن الأداء الخطابي المؤثر الذي يسمو بالقلوب ويحيي النفوس ويحفز الهمم والذي يستحق ان يدرس عمليا لطلاب كليات الدعوة وشباب الدعاة بالأوقاف والأزهر الشريف.
عندما قرأ الشيخ العدوي قول المولي عز وجل: «النار يعرضون عليها غدوا وعشيا» اخذ يتعوذ من النار وبكي ، وحينما يأتي ذكر الجنة بالخطبة يشعرك أنك تتنعم معه فيها ، واذا تطرق إلي الظواهر السلبية في المجتمع تجد نبرة الصوت ترتفع من أسد غيور علي دينه ووطنه لا يخشي في الله سبحانه وتعالي لومة لائم، وبعد الصلاة تخرج من الجامع الازهر متطهرا نفسيا، ومحلقا بأجنحه ملائكية في آفاق عليا، وعازما علي بدء صفحة جديدة كيوم ولدتك امك.
الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم قال : «الخير فيَّ وفي امتي إلي يوم القيامة» لذلك لم ولن تعدم الأمة امثال الشيخ العدوي في كل عصر وجيل فهم مشاعل العلم والخير الذين يجدد الله سبحانه وتعالي بهم دين هذه الامة المحفوظة بحفظ قرآنها الكريم.
هناك جوانب مضيئة وعظيمة في بلادنا تدعو للعطاء والتفاني في عمل الخير ، فلماذا الاستغراق في الاحباط والقلق علي مستقبلها ؟!