لماذا يعطي الله جوائز عظيمة بل هائلة علي أعمال تبدو بسيطة وصغيرة.. لدرجة أن ذنوبك كلها يغفرها لك لانك أكلت أو دخلت الحمام فشكرته علي ذلك..


طول عمري أشعر بالدهشة البالغة من تلك الاجور العالية التي يعطيها الله لعباده مقابل أعمال تبدو بسيطة جدا، بل تكاد لا تذكر.. ووصل الأمر بي لعدم التصديق أو الاستخفاف بما اسمع بسبب احساسي بعدم التوازن بين حجم العمل وحجم العطاء. واسترعاني الأمر فذهبت أسأل العلماء وابحث في كتب الحديث عن حقيقة هذه الجوائز ولماذا يجزل الله العطاء بهذا السخاء لأعمال بسيطة جدا.. واكتشفت ان تلك الاجور صحيحة وحقيقية وأن الله إذا أراد ان يدفعك لفعل عمل زاد من حجم المكافأة علي ادائه حتي تنحاز إليه وتؤثره علي غيره.. مثلا يكفي عندما تنتهي من تناول طعامك أن تقول الحمد لله الذي اطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة. فيصبح هذا الحمد سببا في مغفرة ذنوبك كلها.. نعم كلها.. أنت لم تصل أو تحج أو تشقي بعبادات ثقيلة وإنما اكلت واشبعت شهوتك في الطعام ولكنك عدت بالفضل فيه لصاحب الفضل وشكرته واجزلت في شكره بهذا الدعاء البسيط فيكون هذا الاقرار بعبوديتك واحتياجك لربك سببا في رضاه عنك، فيغفر لك. كم أنت كريم يا رب.. وانظر لو أنك ذهبت إلي السوق.. وشوارعنا الآن كلها اسواق وقلت دعاء السوق.. هل تعرفه؟ «لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو علي كل شيء قدير» هل هو صعب؟.. ابدا.. ولكنك اذا قلته كان لك به ألف ألف حسنة، ومحيت عنك ألف ألف سيئة.. ورفع لك ألف ألف درجة وبني الله لك قصرا في الجنة».. كل هذا لانك ذكرت الله في السوق الذي هو موطن الغفلة.. فيرضي الله عنك ويعطيك هذا الأجر.. ولو قلته عشر مرات تضاعف الاجر عشر مرات وهذا ما يسمونه «جهد المُقّل».. وكان الصحابة الكرام يذهبون في فراغهم إلي السوق يذكرون الدعاء ما شاء الله لهم أن يذكروه ثم يعودون سعداء وهم علي يقين من الأجر.
أما أعلي أجر في الدين علي عمل قليل فيتمثل في هذا الحديث الخاص بيوم الجمعة.. «من غسّل واغتسل وبكّر وابتكر (يعني سابق الناس إلي المسجد) ومشي ولم يركب واقترب من الإمام واستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة خطاها إلي المسجد اجر عبادة سنة.. قام ليلها وصام نهارها».. وهذا كما يراه العلماء من أعلي الأجور.. فإذا كان هذا اجر من مشي إلي المسجد وجلس قرب الإمام.. فكيف يكون أجر الإمام نفسه..
والله يقول «ومن احسن قولا ممن دعا إلي الله وعمل صالحا وقال انني من المسلمين».. فهذا أفضل واحسن مسلم عند الله.. من يدعو الناس إليه ويوجههم له.. ويقول الإمام الحسن البصري «إن الله لا يعذب عبدا دلّ عليه ولا يفضحه علي رؤوس الاشهاد.. فالله لا يمكر بطالبيه ولا يستدرج موحد عنده حقيقة التوحيد.. والاستدراج يعني أن ترتكب معصية ويمنحك نعمة.. فهذا استدراج منه حتي تتمادي.. وعكس الاستدراج أن ترتكب معصية فيعاقبك عليها فورا.. فهذا دليل محبة أما أعظم نعمة تحصل عليها من الدين فتظهر في قوله تعالي: «اذكروني اذكركم» فمن أنت وماذا تفعل حتي يذكرك ملك الملوك سبحانه وتعالي في الملأ الأعلي.. هذا أعظم تشريف يحصل عليه انسان أمام ذكرك لله.. فالدين جميل.. وبسيط وسهل.. والحصول علي محبة الله قريبة قريبة.. من تقرب إليّ شبرا تقربت إليه ذراعا. فمن الذي يبدأ؟ .. يكفي أن تقول سبحان الله وبحمده مائة مرة فيغفر الله لك ذنوبك ولو كانت مثل زبد البحر.. فكم تستغرق منك ١٠٠ مرة سبحان الله وبحمده؟ ثلاث دقائق.. وكم حجم وعدد زبد البحر الذي لو كانت ذنوبك مثله لغفرها لك.
الله لا يريد أن يعذب أحداً.. ولا يريد أن يدخل النار أحداً.. وهو أحن علينا من أنفسنا ومن أمهاتنا.. ولكن الذين ظلموا يجهلون.